رفيق خوري

أيام "محور السوس" والدوران حول مفتاحين

1 آذار 2023

02 : 00

مشكلة المافيا المتسلّطة هي العجز عن اللعب في الغموض. وأكبر حاجز أمام تعافي لبنان هو وضوح خارطة الطريق الى الخروج من هاوية الأزمات العميقة. فما يهمّ أركان المافيا ليس إنقاذ البلد والناس بل ترتيب حماية قانونية لما سطوا عليه من المال العام والخاص. وكلّ ما نراه ونسمعه من التركيبة السياسية والمالية والميليشيوية هو الدوران حول مفتاحين لا مهرب منهما لبدء مسار التعافي السياسي والمالي والإقتصادي. مفتاح الإنتظام العام لعمل المؤسسات، وهو انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة إصلاحات. ومفتاح الإتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي لفتح الباب أمام الإستثمارات والمساعدات.

لكنّ محور التعطيل يسدّ الطريق على استخدام المفتاح الرئاسي، إن لم يأتِ برئيس يتحكّم به "محور الممانعة" ويحرس عزل لبنان عن الأشقاء العرب والأصدقاء الدوليين. والتركيبة النافذة تحول دون الوصول الى مفتاح صندوق النقد لأن مصالحها تتعارض مع قوانين الإصلاحات المطلوبة، وهي الـ"كابيتال كونترول"، إعادة هيكلة المصارف، إعادة التوازن الى القطاع المالي، وتوزيع الخسائر بين المصارف والمصرف المركزي وما بقي من هيكل الدولة، وبالتالي حماية ودائع الناس بالفعل لا بالوعود العرقوبية المضحكة.

ولا أمل في أفكار من خارج الصندوق. ولا في ثورة قادرة على تغيير التركيبة الفاسدة التي لا تتغيّر، ولا تتوب عن الفساد والسرقة، ولا ترى في المناصب والمؤسسات سوى دكاكين خاصة. والوقائع ناطقة. ثورة الأرز قتلتها حسابات قيادات ضيّقة. ثورة تشرين أكلتها المافيا. وأبسط ما يقوله "حزب الله" لأكثرية اللبنانيين الصارخين من الفقر والبؤس والغلاء وانهيار الليرة والسطو على الودائع وانهيار البلد هو: "ليصرخ من يصرخ، فنحن واثقون من أن شعبنا لن يصرخ". وأقل ما يشير إليه هذا التعبير هو "فصل" ما تسمّى "بيئة المقاومة" أو "طائفة المقاومة" عن بقية الطوائف في بلد ينصّ دستوره على أنه "نهائي لجميع أبنائه".

وأخطر ما في الإنهيار هو أنه لا أحد يعرف ما بعده. فلا خطة لإعادة بناء البلد بشكل أفضل، وراءها كتلة تاريخية شعبية وازنة. ولا قوة قادرة على وراثة لبنان وبناء لبنان آخر، وإن كان هناك من لديه خطة. وأسطورة الفينيق الذي يحترق ثم ينهض مجدداً من رماده، هي مجرّد أسطورة تبدّلت ظروف الإيمان اللبناني في التمثل بها في الواقع، على أمل أن ينهض الوطن الصغير مجدّداً من رماده من بين الحطام. فالمحور الأخطر في لبنان هو "محور السوس" في استعارة لتعبير الباحث الجيوسياسي الأميركي والتر راسل ميد. وهو ينخر البلد والمؤسسات من الداخل، كما ينخر السوس الخشب فلا يبقى صالحاً لأي شيء.

كان الرئيس فرنسوا ميتران يقول إن "الأنظمة الإستبدادية تجد في كل أزمة مذنباً، لكنها لا تجد حلاً". والنظام اللبناني الذي صار من الصعب تصنيفه، يغرق في الأزمات فلا يجد مذنباً ولا حلاً".


MISS 3