سناء الجاك

الفاسدون... بالإسم

4 آذار 2023

02 : 00

تحوَّل التركيز على الفساد والفاسدين سلاح المتخاصمين في السياسة. من يريد إزاحة منافس له يلصق به هذه التهمة التي تصب في وجع اللبنانيين وتنكّل بهم وتحيل حياتهم مجهولاً يفترسه غول.

صحيح أنّ الافتراءات، وتحديداً مع احتدام معركة رئاسة الجمهورية، قد تسود في بعض الحالات، لا سيما عندما تنتاب الهستيريا بعض الطامحين الذين وعدوا أنفسهم بكرسي بعبدا، بعدما تلذذوا لست سنوات بممارسة نفوذ مطلق، وإن في الظل، من دون حسيب أو رقيب، حيث بات يصعب عليهم التخلي عن أمجادهم ليتدنى مقامهم، وإن درجة واحدة.

لكن الصحيح أيضاً، أنّ غالبية من تلصق بهم التهمة لدى احتدام الصراع، جسمهم «لبّيس» إلى درجة فاضحة، لا سيما حيتان السلطة الذين تربعوا وفردوا نفوذهم ليتجذر ويتشعَّب ويصعب استئصاله إلا بجراحة لها محاذيرها لبراعة المرتكبين في محو آثار جرائمهم وتحصينها.

والنكتة أنّ هؤلاء الحيتان لا يتنازلون ليردوا على التهم، لأنّ لديهم من يتولى هذه المهمة طوعاً، يعرف واجباته. المهم الرد على الحامي، والتصويب نحو من يتجرأ على الباب العالي، بما يفتح باب السجال ويحوِّر وجهة المعركة.

ولكن تبقى المفارقة في التوقيت. اذ لا تصدر التهم بفساد فاسد، بالاسم وليس بالإيحاء او بالتعميم، الا بعدما يحتاج مطلقها إليها في غمرة الخصومة، وليس قبل ذلك. أي أنّ استحضار الفاسدين على حلبة السجالات لم يأتِ عندما كان ممكناً الحساب والعقاب والمساءلة في إطار القوانين المرعية الإجراء في مثل هذه الحالات، أي قبل هدم مؤسسات الرقابة والسلطة القضائية وتفخيخها بالمحاصصة وفق متطلبات نادي الفاسدين، بحيث تبقى التوازنات محفوظة.

بالتالي، إذا ما تمّ الكشف عن ملف يطاول مسؤولين، وإن بالصدفة، ينام الملف، ولا يخرج إلا وفق الحاجة والكيديات والشعبوية، ويقتصر مفعوله على التشهير والسجالات. وفي هذا ما يؤشر إلى أنّ السكوت عن أعضاء النادي كان سياسة عامة توافقية بين أطراف السلطة والمعارضة على حدّ سواء، وإلى أنّ مقدار الخصومة كان يحترم الخطوط الحمر، فلا يتجاوزها، بحيث لا عداء دائماً في علاقات مهما كانت تحتدم، إلا أنّها تحفظ خط الرجعة إلى حضن التسويات والصفقات.

فمنذ ما بعد دخول لبنان في زمن اتفاق الطائف، لم تتغير هوية الفاسدين، ثبتوا في مواقعهم وتحملوا على مضض انضمام أعضاء جدد الى ناديهم ليشاطروهم الحصص، ما استوجب توسيع دائرة الفساد لتكفي منابعه الجميع على حساب الدولة والمؤسسات والأموال العامة والخاصة.

وعلى الرغم مما أسفرت عنه هذه الارتكابات من انهيارات متلاحقة أطاحت بالأمان الاقتصادي والاجتماعي للبنانيين، لم نكن نشهد ممن يصنفون أنفسهم فوق الشبهات، خطوات عملية فعالة لملاحقة من هم من أركان الهيئة التأسيسية للنادي، فقد اكتفى المعارضون بغالبيتهم، بالتعميم وانحصرت أدبياتهم السياسية بتكرار مقولة «محاربة الفساد» التي تحولت كياناً قائماً من دون أي اقتراب من الفاسدين الذين بنوا هذا الكيان.

ويبدو أنّ تغييراً طرأ على هذا الواقع، فإشهار اسم الفاسد يمكن تصنيفه خطوة متقدمة، ليس لأن المساءلة ممكنة، على الأقل في المدى المنظور، ولكن لأنّ التسمية تكسر هيبة أصحابها الذين يصنفون أنفسهم ويصنفهم المتحزبون لهم وكأنهم أنصاف آلهة أو آلهة قمة الكفر المس بها.

إلا أنّ الذكاء في التعبير مطلوب، لا سيما في حقل الألغام الطائفي، بحيث تشكل المفردات إذا ما كانت تحتمل التأويل، فرصة للمواجهة باسم الطائفة، ليصبح الدفاع عن الزعيم الفاسد دفاعاً عن المعتقدات. وفي ذلك فخ لا يطلب الفاسدون سوى وقوع من يستهدفهم فيه، لتتحول وجهة المعركة إلى حيث يمكنهم استثمارها.