باسمة عطوي

لدى بعض المودعين جرأة رفع الدعاوى... أما البنوك فتفضّل إصدار بيانات التهويل فقط

المصارف لا تقاضي الدولة ومصرف لبنان... لأنهم "دافنينو سوا"!

8 آذار 2023

02 : 01

ما النفع من إحراق البنوك؟

* أيوب: لا توجد أرقام حقيقية وفعلية واضحة وشفافة حول حجم الديون والخسائر لا من مصرف لبنان ولا جمعية المصارف

* التيني: لدى "المركزي" حجّة سرّية قيوده ولا نعرف اذا كانت شفافة أو لا لكن عاجلاً أم آجلاً سيضطر الجميع لكشف أوراقه



حرب إعلامية خفية خفيفة تدور رحاها بين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف، عقب إعلان سلامة مؤخراً أن «المركزي لم ينسحب جرّاء الأزمة المالية عكس ما يشاع، بل ردّ كل أموال المصارف بالدولار بالإضافة إلى 30 مليار دولار بين 2017 و2022»، ما استدعى رداً غير مباشر من الجمعية عبر تسريبات إعلامية نفت كلام الحاكم. لكن المفارقة أن كلاً من الطرفين لا يعطي أيّ دليل حسّي أو مستندات موثوقة تثبت صحّة إدعائه.

الواضح أن التباين بين الطرفين يزداد إتّساعاً، مع تراكم تضارب المصالح بينهما واقتراب ساعة الحقيقة، ومع تزايد المطالبات القضائية والنيابية بالكشف عن أرقامهم الحقيقية حول الخسائر، للبناء عليها في صياغة قوانين وتشريعات مطلوبة من صندوق النقد الدولي. فهل يمكن أن تصل حالة الافتراق بينهما إلى أبواب المحاكم ورفع دعاوى قضائية؟ أم أن جمعية المصارف لا تملك شجاعة المودعين للقيام بهذه الخطوة، والاستحصال على قرار قضائي لضمان حقوقها كما تدّعي؟

مصادر متابعة أكدت أن المصارف تهدّد بمقاضاة الدولة ومصرف لبنان لكنها لم ولن تقدم على هذه الخطوة لأن لديها دائماً في «هذه الدولة» من يناصرها ويعمل على الحؤول دون وصول قضايا المودعين ضد البنوك الى خواتيمها، ويعطل تطبيق القانون 2/67 الذي لو حكم به توضع اليد على معظم المصارف، كما يعمل على ترويج نظرية أن الدولة مسؤولة عن الودائع كلياً أو جزئياً، وليس هناك من نية للإضرار بمصالح المصرفيين لا سيّما ثرواتهم التي هرّبوها خارج البلاد.

في المقابل، هناك من يؤكد أن المصارف «أجبن» من أن تقاضي الدولة ومصرف لبنان لأنهم «دافنينو سوا» بحسب مصادر متابعة لتقاطع المصالح السياسية والمصرفية منذ التسعينات على الأقل. لتبقى النتيجة أن المودع وحده يدفع الثمن.

على جمعية المصارف الردّ على سلامة... هل تجرؤ؟

يكشف مصدر مصرفي لـ»نداء الوطن» أن «جمعية المصارف ناقشت جدياً خلال العام الماضي، رفع دعوى قضائية ضد المصرف المركزي ثم عدلت عن الخطوة لاحقاً»، لافتاً إلى أن «ما يحصل أمر غير مسبوق، والأجدى أن تعمد الجمعية للتفسير للمودعين ماذا حصل بأموالهم. لا يمكنها فقط التسريب بأن كلام حاكم مصرف لبنان حول سداد مستحقات المصارف غير صحيح، بل عليها إظهار هذا الأمر بالوثائق، وأن يقدموا روايتهم حول الـ30 مليار دولار التي يقول الحاكم سلامة إنه تمّ ردّها إضافة الى شهادات إيداع بقيمة 86 مليار دولار».

يضيف: «التسريبات بالمجهول لا يمكن أن تستمرّ. وعملياً فسّر حاكم مصرف لبنان كيفية صرف الأموال أكثر من مرة، وعلى الجمعية والمصارف أن تقدم رؤيتها لكيفية ردّ الودائع للمودعين»، مشدداً على أنه «صحيح أن المصارف رفضت شطب 60 مليار دولار من خسائر مصرف لبنان، مقابل شطب 60 مليار دولار من المصارف أي ودائع الناس، لكن هذا لا يكفي وعليهم إعطاء بديل، والإجابة عن سؤال حول كيفية عودة الودائع والثقة بالقطاع المصرفي، بطريقة مفصلة وبمنهجية موضوعية وهذا ما لم يحصل إلى الآن».

ويختم: «صحيح أن الجمعية تعطي وجهة نظرها للحكومة ولمسؤولي صندوق النقد، لكن هذا لا يكفي. يجب أن تكون هناك أرقام مفصلة حول الأموال ومصيرها على الملأ، وهذا ما يريده المودع بالدرجة الأولى».



غادة أيوب


لا أرقام نهائية مدقّقة لدى لجنة المال والموازنة

في الحسابات النيابية، ليس المهم من الطرف الذي سيقاضي الآخر، بل الأهم هو وجود أرقام حقيقية، وهذا ما تراه عضو لجنة المال والموازنة النيابية النائبة غادة أيوب. إذ تؤكد لـ»نداء الوطن» أنه لا يوجد أرقام حقيقية وفعلية واضحة وشفافة، لا من قبل مصرف لبنان ولا جمعية المصارف، حول حجم الديون والخسائر والاحتياطي الإلزامي. وفي ظل عدم وجود هذه الأرقام التي طلبناها مراراً وتكراراً كلجنة المال والموازنة من وزارة المال والحكومة والمركزي، فهناك صعوبة في تحديد الجهة المسؤولة عن التقصير الحاصل». تضيف: «عملياً مصرف لبنان غير شفاف في إعطاء أرقام الخسائر الفعلية، والمصارف عليها مسؤولية القبول بسياسته، وأيضاً لجنة الرقابة على المصارف ووزارة المالية والحكومة عبر مفوض الحكومة الموجود في المركزي»، مشيرة الى أن «كل هذه المعطيات هي لعبة داخلية كانوا متوافقين عليها، وحين اقترب النقاش من استرداد الودائع وإعطاء الناس حقوقهم، باتت كل جهة تريد أن تضع اللوم على الأخرى». وتشدد أيوب على «أننا لسنا في وارد نقاش من هي الجهة التي يحق لها تقديم الدعوى ضد الأخرى، لأن المركزي والمصارف والدولة اللبنانية تصفّي حسابات بين بعضها البعض، وهذا الموضوع ينتهي بالإعلام». وتختم: «لم نر أي إجراء فعلي سوى أن كل جهة تحاول حماية نفسها من الملاحقات القضائية. ونحن كلجنة مال وموازنة لم نستلم إلى الآن أي أرقام جدية حول الخسائر».



جوديت التيني



المقاضاة ممكنة... أما النتيجة فتلك قصة أخرى

في الميزان القانوني تشرح الدكتورة في القانون جوديت التيني لـ»نداء الوطن»، أنه من حيث المبدأ يُمكن لجمعية المصارف أن ترفع دعوى قضائية ضد مصرف لبنان والدولة اللبنانية، لكن السؤال هل يمكن أن تصل إلى نتيجة، وهل تستطيع البرهان أن البنك المركزي لم يسدّد لها ديونها، أم أن الأمر مجرد تسريبات إعلامية؟.

تضيف: «التثبيت يتطلب العودة إلى قيود مصرف لبنان والمصارف لإظهار ذلك، والقوانين اللبنانية (قد) تحول دون تحقيقه، بدءاً بقانون السرّية المصرفية وقانون النقد والتسليف. كل هذه القيود يجب أن توضع على الطاولة لكي يتمكن القضاء من التحقق وإصدار كلمته الفصل»، معتبرة أن «مقاضاة المصارف لمصرف لبنان قصة نظرية. أما عملياً فالأمر ليس بهذه السهولة، لأن المركزي لديه حجة سرّية قيوده التي لا يمكن كشفها (إلا بتدقيق جنائي)، ولا نعرف إذا كانت هذه القيود شفافة أو لا، ومن ناحية ثانية المصارف لديها حججها، ولا نعرف إذا كانت فقط تستند إلى تصاريح مصرف لبنان عبر الإعلام، أو أنها تملك وثائق أكثر».

ترى التيني أن «على المصارف الكشف للرأي العام إلامَ تستند في تسريبات تبثّها عبر وسائل الاعلام، للقول إن مصرف لبنان لم يردّ ديونها، فالقضية ليست فردية بل وطنية وتهمّ قسماً كبيراً من الشعب اللبناني ومئات آلاف المودعين»، لافتة إلى أن «قانون إعادة هيكلة المصارف وصل إلى المجلس النيابي، وهناك أيضاً قانون الكابيتال كونترول الذي أقرّته اللجان النيابية، بانتظار إقراره في الهيئة العامة، بالإضافة إلى قانون إعادة التوازن المالي، وجميع هذه القوانين سيتم إقرارها ضمن سلة متكاملة». وتوضح أن «الأرقام يجب أن تكون واضحة لمجلس النواب حتى يتم إقرارها وإيجاد حل للمصارف، وأن يكون قانون إعادة هيكلة المصارف ضمن سلة متكاملة وخطة التعافي وأن لا تتحوّل إلى قوانين مبتورة».

وتختم: «عاجلاً أم آجلاً سيضطر الجميع إلى كشف أوراقه. مجلس النواب لا يمكنه إقرار أي قانون يتعلق بالأزمة، من دون أن تكون لديه معطيات بالأرقام عن أصول المصارف وديونها، وحجم الودائع المتبقّية ودين الدولة، خلاف ذلك نكون قد أقررنا قوانين غير مبنية على دراسة ودراية، وستحصل تخمة في القوانين من دون أي جدوى».