السلطات تُشدّد إجراءاتها الأمنيّة

ألمانيا... "تهديد" اليمين المتطرّف يتصاعد

10 : 33

تيّارات اليمين المتطرّف تتّسع أرضيّتها يوماً بعد يوم (أرشيف)

تحت وقع "صدمة" هجوم هاناو الذي اعتبرته السلطات "عنصريّاً"، أعلنت الحكومة الألمانيّة تعزيز المراقبة الأمنيّة، خصوصاً حول المساجد، لمواجهة تهديد اليمين المتطرّف "المرتفع جدّاً"، إذ شهدت ألمانيا ثلاث هجمات "عنصريّة" و"معادية للسامية" خلال تسعة أشهر، من اغتيال نائب داعم للمهاجرين إلى مذبحة هاناو مروراً بالهجوم الذي استهدف كنيساً يهوديّاً في مدينة هال في احتفال "يوم الغفران"، ما أدّى إلى ولادة جدل بيزنطي حول الأسلحة والمهاجرين ودور حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرّف، يراه متابعون عقيماً بسبب عدم تناوله عمق الأزمة المجتمعيّة بأبعادها كافة. وفي هذا السياق الذي شهد أيضاً تفكيك جماعات مستعدّة لارتكاب هجمات دمويّة، اعتبرت صحيفة "دير شبيغل" بالأمس أنّه "لم يعد ممكناً الحديث عن حوادث فرديّة، بل عن مشكلة سياسيّة. لقد حان الوقت لإدراك ذلك".

ولمواجهة هذا "التهديد الأبرز للديموقراطيّة"، وفق عبارة وزيرة العدل كريستين لامبرخت، أعلنت الحكومة "اجراءات جديدة"، بحيث أوضح وزير الداخليّة هورست سيهوفر أنّه سيتمّ تعزيز الأمن في "المناطق الحسّاسة"، وبخاصة في محيط المساجد والمطارات والحدود.

وعزّزت حكومة أنغيلا ميركل، التي تتعرّض لانتقادات جمّة بخصوص سياسة "الأبواب المفتوحة" التي اعتمدتها سابقاً تجاه المهاجرين والتي تسبّبت بصعود "النازيين الجدد" بقوّة، "الترسانة القانونيّة" في الأشهر الأخيرة، إذ فرضت التزامات جديدة على شبكات التواصل الاجتماعي للإبلاغ عن المحتوى المثير للكراهية، وحماية النوّاب والنشطاء. لكن يصعب على الحكومة مواجهة التهديدات كافة، خصوصاً تلك القادمة من أفراد منعزلين، لا تعرفهم الشرطة ويحملون أسلحة مرخّصة، يمرّون إلى التنفيذ بشكل مفاجئ على غرار القاتل المفترض في هاناو. وفي هذا الصدد، اعتبرت وزيرة العدل أن هؤلاء "ذئاب منفردة" يتشرّبون الفكر المتطرّف عبر الإنترنت، ويُمثّلون "قنابل موقوتة علينا مواجهتها بكلّ الإمكانيّات التي يُخوّلها لنا الدستور". وما يزيد من خطورة الوضع أن بعض هذه "الذئاب المنفردة" هم عناصر تابعون لأجهزة أمنيّة محلّية وفدراليّة، بحسب ما تبيّن في أكثر من تحقيق وعمليّة اعتقال واسعة لشبكات يمينيّة متطرّفة تسعى إلى تنفيذ عمليّات عنيفة.

وكان المنفّذ المفترض لهجوم هاناو، غير المعروف لدى الأجهزة الأمنيّة، يُدير موقعاً إلكترونيّاً شخصيّاً يُروّج نظريّات عرقيّة ومؤامرات.

وتوجد زاوية أخرى لمواجهة التهديد بنظر السلطات، تتعلّق بتشديد المراقبة على حمل الأسلحة. وكشفت صحيفة "بيلد" أنّه توجد حوالى 5.4 ملايين قطعة سلاح في البلاد. كما تقلق وزارة الداخليّة خصوصاً من تنامي بحث اليمين المتطرّف عن أسلحة من الأنواع كافة، علماً أن الشرطة حجزت 1091 قطعة سلاح العام 2018، مقابل 676 في العام السابق، في إطار تحقيقات حول مخالفات وجرائم منسوبة إلى اليمين المتطرّف.

ونادى أعضاء حزب "الاتحاد الديموقراطي المسيحي" المحافظ بتعزيز التشريعات حول الأسلحة، وهو ما يُعدّ تحدّياً في بلد مولع برياضة الرماية، التي كان قاتل هاناو المفترض يُمارسها. واعتبرت مقالة في صحيفة "فرانكفورت تسايتونغ" أنّه "لا يجب أن يُحتفظ مستقبلاً بالأسلحة الآليّة في المنازل، بما فيها منازل رياضيي الرماية"، في حين يرى متابعون أن القضيّة أبعد من مسألة حق حمل السلاح من عدمه، علماً أنّه في كثير من الأحيان يلعب "حملة السلاح" دوراً ايجابيّاً في احباط عمل إرهابي أو منع حصوله من الأساس. وأخيراً، تحمل مأساة هاناو بُعداً سياسيّاً في بلد ظهر فيه حزب "البديل من أجل ألمانيا" المتطرّف منذ العام 2013، وبات له منذ عامَيْن نوّاب في البرلمان، كما يتمتّع بنفوذ واسع يتصاعد تدريجيّاً مع الوقت. ورأى الأمين العام للحزب "الديموقراطي الاجتماعي" لارس كلينغبيل أن هذا الحزب، المعادي للأجانب علانيّة والذي تنتقد قياداته بصوت عال تندّم ألمانيا على النازيّة، يجب أن يوضع "تحت رقابة" أجهزة الاستخبارات، معتبراً أن "أحدهم أطلق النار في هاناو، لكن كثيرين زوّدوه بالذخائر، وحزب "البديل من أجل ألمانيا" من بينهم بالتأكيد"، بينما يؤكّد متابعون أن حزب "البديل" ظهر نتيجة سياسات ميركل غير المتوازنة خصوصاً في ملف المهاجرين.


MISS 3