جورج بوعبدو

غابرييللا تسفايي: أُغرِمت بلبنان وفنّي يرسم مأساة "تيغراي"

11 آذار 2023

02 : 01

فنانة متعددة التخصصات، متمرسة في الرسم، والرسوم المتحركة، والأفلام، ومسرح الدمى، والتركيب الفني التفاعلي. نشأت بالولايات المتحدة، وهي مهاجرة من الجيل الأول لأب من تيغراي في أثيوبيا وأم جامايكية. بدأت رحلتها بالأفلام في "معهد الأزياء للتكنولوجيا" بنيويورك، واستمرت بالكلية الدولية في جامعة "ماهيدول"، ببانكوك، تايلاند. حائزة شهادة بكالوريوس في الفنون الجميلة من "كلية بيك للفنون"، بجامعة "ويسكونسن ميلووكي". في رصيدها مجموعة من المِنَح الدراسية والجوائز، بما في ذلك منحتان من جامعة فريدريك ر. لايتون وتعمل راهناً على توسيع أعمالها الفنية عبر السفر والأفلام، وإلقاء خطابات في المدارس والجامعات، والمؤسسات الثقافية. "نداء الوطن" التقت بتسفايي على هامش "مهرجان بيروت الدولي للسينما المرأة" بدورته السادسة الذي شاركت فيه بفيلم "كرتون" حمل عنوان: For Tigray فدار حوار شيق حول السينما والتشكيل وهموم "تيغراي" وشجونها.



ما الذي دفعكِ لإعداد فيلم "حركة" عن "تيغراي"؟

حضّرتُ هذا الفيلم لنشر الوعي حول ما يحصل في إقليم "تيغراي" في إثيوبيا. بدأت الحرب في تشرين الثاني 2020، ومنذ ذلك الحين تغيرت حياتي، وحياة سكان "تيغراي"، والشتات الإثيوبي، وإثيوبيا ككل، إلى الأبد. لا يعرف عدد كافٍ من الناس حول العالم ما يحصل من إبادة هناك أو تعرّض النساء والأولاد لأعمال عنف غير إنسانية. عائلتي هناك أيضاً والأمر بالغ الصعوبة بالنسبة إليّ.

سمعنا أن الموسيقى كانت الحافز الأول.

فعلاً، الموسيقى كانت الدافع الأول. أشعر بأن أعمالي الفنية تبدأ دوماً بهذه الطريقة فقد أقرأ قصيدة أو أشاهد لوحة تُلهِمني، أو أسمع موسيقى تُشجّعني على صناعة فيلم وهكذا كان. كانت مقطوعة كلاسيكية قديمة بآلة التشيلو وجدتُها عن طريق الصدفة وقد عزفها هاوزر. حالما سمعتُها، بدأت المشاهد تتدفق في عقلي فرحت أتصوّر جميع اللقطات والمؤثرات وحددّتُ ما أريد عرضه. كنتُ أسمع تلك الموسيقى بشكلٍ يومي.





فيلمك من نوع الـAnimation كيف اشتغلتِ عليه؟

استخدمت الموسيقى مرتكزة على تقطيع الفيلم، فقررت استخدام لحظات الصمت للانتقال من الشمس إلى السماء المظلمة، واستخدام النوتات العالية عند بلوغ الأحداث الدرامية ذروتها كانفجار القنابل... حين سمعت هدوء الموسيقى في البداية علمت أنني سأستهلّ فيلمي بهناء حياة ما قبل الحرب، الانتقال الى مرحلة التخبط خلال الحرب في منتصف الأحداث، لأعود الى الهناء بعد انتهاء الحرب في نهاية الفيلم وإن كان الأمر حلماً بعيد المنال. من الضروري أن نعرض صوراً عن أحلامنا للتعبير عما يجول بداخلنا وإن لم يكن جزءاً من الواقع المحيط بنا. من واجبنا كفنانين ومخرجين ورواة قصص أن نبتكر صوراً غير موجودة لإلهام الناس.

هل تقصّدتِ النهاية الإيجابية؟

نعم، لأنني رغم كلّ المصاعب ما زلتُ أؤمن بالحب والأمل. فأنا أظن أنّ حياتي ستسير على خير ما يرام في نهاية المطاف، حتى لو لم أشعر بذلك يومياً. أريد أن يشعر شعبي بالأمر نفسه رغم كلّ شيء.

هذا الفيلم هو الثالث في مسيرتك. هل كان الفيلمان الآخران من الرسوم المتحركة أيضاً؟

هما يجمعان بين الرسوم المتحركة وعدد كبير من صور الأرشيف. فيلمي الأول كان من نوع الرسوم المتحركة لكنه يتعلق بتاريخ مختلف بالكامل. وبما أنّ والدتي من جامايكا جعلتُ الفيلم عن تاريخ منطقة الكاريبي.

أما فيلمي الأخير فتمحور حول الحرب التي شهدتها إثيوبيا خلال السبعينات، وكان من نوع الرسوم المتحركة كذلك لكني استعملتُ أيضاً لقطات من فترة السبعينات.





هل وجدتِ صعوبة في الاندماج في أميركا؟

شتات "تيغراي" فتيّ للغاية. أنا أول فرد من عائلتي يولد في الولايات المتحدة. والداي مهاجران، وقد قررا تربيتنا في مكان يخلو من أفراد عائلتنا أو جماعات تشاركنا قِيَمنا. كان الوضع صعباً جداً عليهما، وقد بذلا قصارى جهدهما لتربيتنا كأميركيين قادرين على الاندماج مع محيطهم. هكذا تعلّمتُ أن أتابع التواصل مع ثقافتي عبر فنّي. لم تكن مسيرة سهلة لكنني حافظت على جذوري وهويتي.

ما زال قلبك في "تيغراي" مع أنك اليوم مخرجة أميركية مقيمة في الولايات المتحدة.

طبعاً. عائلتي هناك وزرتُ البلد في شباط 2020. ثم بدأت الحرب وكنتُ أخطط للعودة. لو فعلت لاحتجزت هناك فقد قُطِعت الاتصالات وعجزت عن التواصل مع عائلتي لسنتين. استعدنا التواصل للتو لنكتشف حقيقة ما حدث ومن نجا ومن مات. كانت هاتان السنتان من الأسوأ في حياتي.





هل تعتبرين نفسك سفيرة لقضية "تيغراي" وذلك يعطيك هدفاً لوجودك؟

سؤال مثير للاهتمام. قبل الحرب، لم أكن أتأثر كثيراً بشؤون "تيغراي". زاد اهتمامي بالموضوع بسبب اندلاع الحرب وعيش عائلتي تحت الحصار. اضطررتُ للتكلم نيابةً عنهم لأنهم يعجزون عن رفع الصوت. سرعان ما انغمست حياتي في هذه القضية كلها. قبل الحرب، كنتُ فخورة بانتمائي إلى إثيوبيا، وكنت أقدّم أعمالاً مستوحاة من ثقافتي وقصصاً مستخلصة من ثقافة البلد وتاريخه. حتى أنني أخرجتُ فيلماً عن حرب سابقة، لكني لم أتوقع يوماً أن أعاصر حرباً حقيقية وأنا في هذا العمر الصغير. بدأت الحرب حين كنتُ في الخامسة والعشرين، وأبلغ الـ28 عاماً هذا الشهر. لم أتخيّل أن تكون حياتي بهذا الشكل وأنا في العشرينات من عمري. كان الألم عنوان هذه السنوات الثلاث. أتمنى أن يتحسن الوضع في "تيغراي" لأنني أريد أن أقدّم أعمالاً فنية عن مواضيع أخرى، مثل تجارب الانفصال أو أي مسائل عادية من هذا النوع. ولكنني عموماً بفني أسلط الضوء على مأساة "تيغراي".

أخبرينا عن غبرييللا الرسامة

أنا رسّامة قبل أي شيء آخر. درست الرسم والإخراج في جامعة «ويسكونسن ميلووكي». بدأتُ الرسم في سنّ مبكرة في الرابعة تقريباً، وقررتُ في السابعة امتهان الفنّ طوال حياتي. أتذكّر أنني كتبتُ موضوعاً عمّا أريد فعله حين أكبر، فقلتُ إنني أريد تقديم أعمال فنية وأن أجول العالم.

لم أرغب في التفكير بأي شيء آخر. طوال حياتي، لم أواجه أي أزمة هوية حول ما أريد أن أصبح عليه. لم أواجه هذه المشكلة يوماً فقد كرّستُ نفسي للفن، والكتابة التي أحبها أيضاً.

المعارض التشكيلية نشطة في لبنان هل تفكرين بمعرض هنا؟

أتمنى ذلك. أود أن أشارك لوحاتي مع الناس هنا فلوحاتي مصدر قوتي الحقيقية. أحب إخراج الأفلام، وأعتبر نفسي رسامة ومخرجة بالقدر نفسه. لكني أملك خبرة أوسع في مجال الرسم وما زالت تجربتي حديثة العهد في عالم الإخراج.





هجرة ومصالحة

شاركت لأول مرة في مهرجان أفلام لبناني هو مهرجان بيروت لسينما المرأة كيف وجدت هذه التجربة؟

لقد شاهدوا فيلمي واختاروني لحسن الحظ. وبما أنني أعيش في قطر، كانت زيارة بيروت سهلة لي وأنا مسرورة جداً بهذه التجربة. لقد ألهمني البلد كثيراً واشعر بوجود رابط قوي معه لا يسعني تفسيره أشعر بسهولة التواصل مع الناس. كنت على علم بحجم المشاكل التي يتعامل معها الناس هنا ولكني بطبعي أجيد التعامل مع المشاعر الفضفاضة ولا يخيفني الأمر لأنني أمرّ بالتجربة نفسها. أشعر أنني في المكان المناسب فأنا مثل اللبنانيين انفعالية أكثر من اللزوم.

مرّ اللبنانيون أيضاً بحرب أهلية ولم يعيشوا مصالحة حقيقية لإرساء السلام. هل تتوقعين المصالحة مع شعبك فنصل إلى النهاية السعيدة التي صوّرتها في نهاية فيلمك؟

في ما يخص المصالحة مع الإثيوبيين، لا أعرف ما سيحصل فأنا أستبعد حدوث ذلك، ولا أظن أن هذا النوع من المصالحة سينشر السلام. ذلك ممكن إن حصلت المصالحة بالتزامن مع التصالح مع الصدمات بحيث نكون في حالة شفاء جماعي، فنبني مجتمعاً جديداً لا يقوم على الصدمات والجروح الماضية بل على أقوى نُسَخ منا. لكن التاريخ يعيد نفسه ليس في «تيغراي» فحسب، بل في بلدان كثيرة حول العالم. لأننا لا نشفى من الصدمات.

هل توقعت أن يصفق لك اللبنانيون؟

بصراحة لا. كنتُ متوترة جداً. شعرتُ بأنني في مكان غريب عني حيث يعرف الجميع بعضهم إنها أول زيارة لي إلى هذا البلد وتأثرتُ كثيراً بالناس من حولي وبالأفلام الأخرى، ورحتُ أتساءل ما اذا كانوا سيعجبون بي وبفيلمي خصوصاً أنني شاهدت خلال المهرجان عدداً كبيراً من الأفلام اللبنانية فوجدت أنها ممتازة ومدهشة وأكثر ما أعجبني هو فيلم «ورشة» للمخرجة دانيا بدير.

تكثر الأفلام اليوم عن الهجرة في ظل احتدام الحروب من حولنا خصوصاً في البلدان العربية هل من فيلم أثّر بك؟

فيلم The Swimmers (السبّاحتان) فقد ألهمني كثيراً.

ما هي خططك المستقبلية؟

لا أعرف أي نوع من الأفلام سأقدّمها في المرحلة المقبلة. أحتاج إلى موضوع جديد يكون أفضل مما قدّمته طبعاً.

كلمة أخيرة إلى اللبنانيين.

وقعت في غرام لبنان وأريد مساعدته بطريقة ما. إنه بلد رائع وأريد العودة إليه، واقامة الصداقات فيه، وحضور المهرجانات والمعارض الفنية في ربوعه. أشعر بجاذبية كبيرة الى هذا المكان.


MISS 3