محمد علي مقلد

الرئيس بري دعا إلى حوار وهو من عطّله

11 آذار 2023

02 : 00

أحد الأصدقاء من حركة «أمل» علّق على مقالتي السابقة «ماذا تنتظر يا دولة الرئيس؟» بقوله: «وما الحل من وجهة نظرك، التنازل عن الحق الوطني والدستوري (في إقامة الحوار) والتسليم بمقولات خصومنا وخطابهم العنصري وبفدرلة الرئاسة؟!».

كلامه يشير إلى أنّه حين قرأ مقالتي كان يهيئ نفسه للرد على ما يقوله «خصومه»، ولا سيما اعتراضهم على حوار دعا إليه الرئيس نبيه بري. بمعزل عما وراء رفضهم من حجج ومبررات وأسباب، فالدعوة تحمل في طياتها أسباب فشلها.

كنت في جلسة مع صديق آخر من حركة «أمل» نستمع إلى خطاب الرئيس بري بعد توليه أول مرة رئاسة المجلس النيابي. قلت له لولا خشيتي من تفسير كلامي على غير محمله لكتبت إشادة بكلام من طراز رفيع يلقيه رجل دولة من طراز رفيع، مع تحفظ وحيد، إذ كان عليه، مثلما يفعل كل مسؤول عن الشأن العام، أن يتنحى عن رئاسة «الحركة» ليتفرغ لرئاسة البرلمان.

خلال الثلاثين عاماً التي تلت ذلك الخطاب، بدل التخلي عن واحدة منهما، أضاف أخرى أكثر إيلاماً لخصومه حين ارتضى أن يعقد برعايته فريق الثامن من آذار اجتماعاته، فصار رئيساً لحركة «أمل» ورئيساً للبرلمان ورئيساً لفريق الممانعة، مكرساً نفسه فريقاً في الصراع بعد اغتيال رفيق الحريري.

قبل خطابه الأول ناضلت حركة «أمل» من أجل استعادة الدولة من الميليشيات اليمينية واليسارية، لكن نظام الوصاية حوّل النظام اللبناني كله إلى نظام ميليشيوي حظيت فيه حركة «أمل» خلال عقد كامل بموقع التنظيم الأكثر رعاية، إلى أن تقاسمت الحظوة مع شريكها في الثنائية بتناغم قل نظيره بين حليفين، ما أورثهما دور نظام الوصاية.

إلى أن يتفق اللبنانيون على تحديد الطرف الذي يملك الحقيقة، وضع الثنائي الشيعي نفسه في مواجهة من يعتقدون أنّ النظام السوري يتحمل المسؤولية السياسية عن دماء سالت في لبنان خلال وصايته، وأنّ حلفاءه اللبنانيين تحملوها بالوراثة في غيابه.

من شروط الحوار الناجح إدارة محايدة تتمثل، في ظل الأوضاع الطبيعية، بالدولة ومؤسساتها ولا سيما البرلمان. الميليشيات استبدلت الحوار بالحرب الأهلية؛ نظام الوصاية ألغاه بشنه حروباً ضد المسيحيين وضد منظمة التحرير الفلسطينية وضد الحركة الوطنية اللبنانية، وألغى الدولة ومؤسساتها، حارماً اللبنانيين من فرص التلاقي وفارضاً عليهم انقساماً حاداً يستحيل معه وجود طرف داخلي فاعل يقف على مسافة واحدة من فرقاء الصراع.

ليس لهذه الأسباب وحدها لا يعترف خصومه له بالحيادية، ولهذا حرموه آخر مرة من شبه إجماع دائم على رئاسته البرلمان. ذلك أنّهم يتهمونه بتعطيل النصاب وتعطيل المجلس النيابي وإقفال أبوابه، وبتعطيل الحركة الاقتصادية في محيط ساحة النجمة، ويتهمون جيران الخندق الغميق بالاعتداء على الثورة وشرطة المجلس بفقء عيون الثوار.

إذا كان أنصار الرئيس بري يعتقدون أنّ بعض ما يؤخذ عليه ينطوي على شيء من التجني، فمما لا شك فيه أنّ بعضه الآخر يحرمه من حيادية ينبغي توافرها في إدارة الحوار. إذاً ما الحل؟ الحل بالدولة وبرجال دولة يلتزمون الحياد وأحكام الدستور.

حيادية رئيس البرلمان أو مدير الحوار تعني أن يدع المرشحين يترشحون وألا يكون له مرشح، وأن يلتزم مع كتلته بتأمين النصاب وأن يبحث عن رئيس لا يشكل تحدياً لأي من الفريقين المتواجهين.


MISS 3