بشارة شربل

"حزب الله"... بين الفرصة واللدغة

13 آذار 2023

02 : 00

"سواء أنجح الاتفاق السعودي - الايراني في إطلاق مسار تعاون اقليمي بنَّاء أم أخفق في الإقلاع، فإن ما قبل مفاجأة العاشر من آذار لن يشبه ما بعده. اختبار النوايا قصير، وتنفيذ الأجندة لا يحمل أي التباس. اليمن محكٌ أول، و"لا بدَّ من صنعاء مهما طال السفر".

في لبنان يعنينا الاتفاق كثيراً. ليس لأنه يخفف التوتر بين دولتين إقليميتين مؤثرتين فحسب، بل لأنّ عنوان "عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى" يفتح طريق استعادة دول المنطقة وضعاً طبيعياً تفتقده منذ قررت "الجمهورية الإسلامية في إيران" أن حدودها أضيق من طموحاتها، وأن أيديولوجيتها مشروع خارق لسيادة الأوطان ونسيجها الطائفي.

للطرفين مصلحة في الاتفاق. لكن طهران سعت إليه بإلحاح لجملة أسباب، ليست على رأسها العقوبات، ولا سقوط 60 في المئة من الشعب تحت خط الفقر، ولا صحوة ضمير ناجمة عن تحوّل العواصم الأربع التي هلَّل سليماني للسيطرة عليها بؤرَ عدم استقرار، بل خصوصاً تلك الكلفة الباهظة لطموحها الإقليمي وثبوت فشل تصدير "النموذج"، ناهيك عن اهتزاز مشروعية النظام الايديولوجية والأخلاقية بعدما تحوّلت الدولة الخمينية قوة عارية تخشى شعر فتاة وتعاقب الإعتراض بالإعدام.

هي فرصة للبنان ولـ"حزب الله" بالتحديد ليستخلص عبرة استثنائية من تركه على قارعة الاتفاق، وتأكده من أن ملكية 100 ألف صاروخ تحوِّله حين تدق ساعة مصلحة "ولي الأمر" من مارد يُحسب له في الداخل والإقليم ألف حساب الى بيدق مشاغب على رقعة اللاعبين الكبار.

أسوأ ما يمكن أن يلجأ اليه "حزب الله" هو الإنتظار بدل اقتناص اللحظة للانخراط كطرف وازن وتشكيل رافعة لاستعادة الدولة وظائفها البديهية على غرار دول كل الناس. وهو انخراط يبدأ من قناعة بأن مشروع المحور كله صار ماضياً، ومشروعه للطائفة الشيعية المتجاوز الدولة الوطنية وسقف الدستور وصل الى ذروته بالتدخل العسكري في سوريا وبمسارالاستقواء الداخلي الذي تُوج بترئيس ميشال عون الجمهورية. وربما على "الحزب" الاعتراف انه اليوم، وقبل "صدمة بكين"، في منحنى انحداري لن يفرمله ايصال فرنجية الى قصر بعبدا، ولا محاولات إحياء المنظومة الفاسدة بجرعات غاز قانا الموعود، أو بـ"أصول الدولة" المهددة بالعرض في سوق النخاسة لتعويض المودعين.

ضيَّع "حزب الله" على نفسه وعلى لبنان فرصتين تاريخيتين، أي منهما كانت لتُجنّب البلاد بئس المصير. ويتحمّل الحزب المسؤولية الأساسية لأنه صاحب اليد الطولى والقرار.

سنحت الفرصة عقب التحرير في العام 2000 حين كان في عزّ قوته ووهْجه وتقديره المحلي والعربي، لكنه اعتبر الإنجاز مكسباً لنظام الوصاية ومحور الممانعة يجب صرفه استقواءً على شركاء الوطن والشرعية.

أما الثانية فكانت في لحظات ضعفه إثر اغتيال رفيق الحريري. حينها فضَّل رفع سقف المواجهة بدل الانحناء لـ"الحقيقة" والدولة الجامعة. ثم كان ما كان من يوم 7 أيار وما تلاه، ومن القمصان السود وتوابعها، حتى انتهينا في زمن اللادولة والساحة المستباحة والإفلاس بدل دولة القانون السيدة، وسادت المنظومة بدل النظام.

هو اختبار أخير. محكُّه واحد من خيارين، إما الإصرار على ترشيح فرنجية لمتابعة نهج العدمية ومقاومة الإصلاح، او الاسراع الى خيارٍ ثالث انقاذي في مصلحة كل لبنان. رهان جديد، رغم انّ المواطن لُدِغ من الجُحر مرَّات ومرَّات!