توفيق شمبور

مصرف لبنان يتعمّد تفسيراً مغلوطاً للمادة 7 من قانون النقد والتسليف

القانون اللبناني لا يُلزم ردّ الوديعة المصرفية بالعملة الأجنبية... بالليرة اللبنانية!

15 آذار 2023

02 : 01

انحرافات بالجملة!

* ممارسات تظهر عدم تقيّد المركزي بمقتضيات الحيطة والدقّة ما يرتّب أساساً لمطالبة المتضرّرين بالتعويض عن الأذى

* لحق بالمودعين أذى جرّاء الانحرافات المرتكبة وتجدر المطالبة بإلغاء جميع التعاميم والقرارات ذات الصلة بهذه الانحرافات

* اعتماد الليرة حصراً كقوّة ايرانية يشكل بالنسبة للبنوك والبنك المركزي اثراء مدنياً بلا سبب وإثراء غير مشروع جزائياً 

* ليلرة السحوبات من الودائع كلياً أو جزئياً مقرونة بهيركات في منتهى القساوة بهدف تذويب خسائر المصرف ومصرف لبنان



ينسب الى المصرفي الانكليزي الشهير Amschel Rothschild القول التالي: «أعطني صلاحية الرقابة والاشراف على النقد وسأريك كيف أتخطى هؤلاء الذين يضعون القوانين».

Donnez - moi le contrôle de la monnaie

et je me passerai de ceux qui font les lois

مصرف لبنان تجاوز هذه المقولة، فلم يكتف بتجاوز المشرع اللبناني في ما قضى من احكام اساسية في قانون النقد والتسليف تخص ادارته وعملياته في مجال الاقراض للقطاع العام والدعم، بل تجاوز ايضاً الفقه والقضاء في مواضيع جد حيوية في مقدمها ردّ الوديعة بالعملة الاجنبية.



تفسير مغلوط للمادة 307 من قانون التجارة

أسطع مثال على ذلك تفسيره لأحكام المادة 307 من قانون التجارة على نحو مغلوط يعطي الحق للمصرف التجاري برد ودائع زبائنه بالعملات الاجنبية بالليرة اللبنانية، واستند في ذلك الى المادة 7 من قانون النقد والتسليف التي تذكر ان «للاوراق النقدية التي تساوي قيمتها الليرة الواحدة وما فوق قوة ابرائية غير محدودة في اراضي الجمهورية اللبنانية»، والى المادة 192 من القانون المذكور ونصها التالي: «تطبق على من يمتنع عن قبول العملة اللبنانية بالشروط المحددة في المادتين 7 و 8 العقوبات المنصوص عليها بالمادة 319 عقوبات».

ذات التوجه اعتمده مصرف لبنان في علاقته مع المصارف، فقد أخطرها بأن رد ودائعها بالعملات الاجنبية لديه سيكون ايضاً وحسب الظروف بالليرة اللبنانية.

للأسف، خلاصة كتابات الفقهاء وأحكام القضاء المقارن على الاخص الفرنسي تقولان بنقيض موقف مصرف لبنان. وأسانيدهم في ذلك متعددة منها التالي:

(أولاً): الفرق بين النقود الورقية والنقود المصرفية

ان المادة 7 التي تمّ الاستناد اليها لتبرير الزامية قبول الايفاء بالليرة اللبنانية ولو كان الدين بالعملة الاجنبية يجب تفسيرها حصراً وكما يذكر نصها بالنقود الورقية monnaies fiduciaires المصدرة عن مصرف لبنان وليس بالنقود المصرفية monnaies scripturales اي نقود حسابات الودائع. وفي هذا تذكر الدكتورة Laure Nurit-Pontier استاذة القانون النقدي في جامعة Nantes في الصفحة 126 من كتابها عن الاطار القانوني للعملة الاجنبية والمعنون Le Statut Juridique de La Monnaie Etrangère التالي عن المادة R 30-11 المقابلة للمادة 7:

L’article R30-11 a une portée pratique extrêmement limitée. En effet une lecture attentive du texte montre que son champ d’application est beaucoup plus restreint qu›il n’y paraît, puisque seuls les paiements fiduciaires semblent avoir été envisagés par le texte. En effet l’article R 30-11, en évoquant «les espèces» ou encore «la monnaie non fausse», ne saurait raisonnablement être considéré comme applicable aux paiements scripturaux.

(ثانياً) عاملا الوقت والضمانة

إن ادراج العملة الاجنبية في العقد يعني ضمناً ان العقد لن ينفذ فوراً بعد اتمام الخدمة او تقديم السلعة المقابلة، وان التنفيذ يدخل فيه عنصر الوقت. وفي هكذا حالة استعمال العملة الاجنبية يعني ان ارادة المتعاقدين كانت بالحصول وقت الايفاء على قيمة اقرب ما تكون في ما لو كان الايفاء نقدياً في التعاملات الواقعية، حيث تكون العملة الاجنبية ضماناً لعدم تدهور قيمة العملة الوطنية. وفي هذا تقول الدكتورة Nurit-Pontier في الصفحة 33 من كتابها التالي:

D’une manière générale, il convient de remarquer, qu’au moins pour ce qui concerne les contrats purement internes, la décision de libeller l’obligation de l’une des parties (ou des deux) en monnaie étrangère n’a d’intérêt que dans les cas où le paiement ne fait pas immédiatement suite à la transaction, ou encore quand l’opération consiste en une suite de prestations qui doivent se poursuivre pendant un certain temps. Dans de telles hypothèses, en effet, le recours à une monnaie étrangère pour libeller leurs obligations, traduit la volonté des parties d’obtenir, au moment du paiement, une valeur aussi proche que possible de celle qu’elles auraient obtenu dans le cas de paiement immédiate. La monnaie étrangère est envisagée comme le moyen de faire échec à la dépréciation de la monnaie nationale.

(ثالثاً) قوة إبرائية لليرة لا تنطبق على العملة الاجنبية

ان ما تنص عليه المادة 7 نقد وتسليف من قوة ابرائية للاوراق النقدية من فئة الليرة وما فوق هو اعلان يسري فقط على الالتزامات بالليرة اللبنانية وليس على ايفاء الالتزامات المحررة بالعملة الاجنبية، لان الامر يتطلب في الحالة الاخيرة اضافة جملة او فقرة على المادة 7 تفيد عن سعر الصرف الذي يتعين اعتماده اصولاً للعملة الاجنبية عند السداد بما يعادلها بالليرة اللبنانية، تماماً كما فعلت المادة R 30-11 من قانون العقوبات الفرنسي المقابلة للمادة 319 عقوبات لبناني. وفي غياب هذه الاضافة لا يمكن اعمال المادة الاخيرة 319 لان قانون العقوبات هو قانون خاص ولا يجوز التوسع بتفسيره وتطبيقه الا عند اكتمال جميع عناصر المخالفة في مادة العقاب.

علماً ان التعاملات المالية تشهد راهناً اسعار صرف متعددة تقررت جميعها، ما عدا سعر صرف السوق الموازي او سوق التعاملات الواقعية، بقرار اداري من قبل مصرف لبنان خلافاً للاصول المحددة في المادة 65 من الدستور معطوفة على المادة 75 نقد وتسليف، ما يحول دون تطبيق الجزاء المقرر في المادة 319 عقوبات والتي تفترض وجود موجب قانوني واضح تمت مخالفته لا موجبات متعددة تقررت بمقتضى قرارات ادارية على نحو غير اصولي دستورياً وقانونياً. وفي هذا تذكر الدكتورة Nurit-Pontier التالي:

Le cours légal instauré en 1870, est assorti d’une sanction pénale, contenu dans l’ancien article 475 du code pénal, devenu l’article R 30-11, qui érige en contravention « le refus de recevoir les espèces et monnaies nationales non fausses ni altérées selon la valeur pour laquelle elles ont cours » Page 125

De surcroît, le principe même d’interprétation stricte des dispositions pénales empêche toute extension de l’application du texte a des tels paiements ( paiements scripturaux) Page 126



القانون يطلب ردّ وديعة الدولار بالدولار



(رابعاً) حق التعاقد لرد الدين بالعملة الاجنبية

إن مضمون السعر الالزامي le cours forcé والذي اعتمد في مؤتمر Bruxelles عام1920 حيث تقرر الدعوة الى انشاء مصرف مركزي في كل دولة لم ينشأ فيها بعد، يقوم باصدار اوراق نقدية مسندة الى ما يحوزه من ذهب وعملات اجنبية، من دون ان يكون من حق المواطن مطالبة المصرف بتسليمه ذهباً او عملة اجنبية مسندة الى الذهب مقابل ما يعرضه عليه من اوراق نقدية مصدرة من المصرف.

ولكن هذا لا يعني، ولا يجب ان يعني، منع الافراد والاشخاص من ابرام عقود يلتزم فيها المدين برد دينه الى الدائن بالذهب او بعملة اجنبية في حال الاتفاق على ذلك بينهما. وفي هذا تذكرالدكتورة Nurit-Pontier التالي في الصفحة 123 من كتابها:

En effet la Banque de France est bien dispensée de donner de l’or ou de l’argent, mais cela ne peut en aucun cas justifier qu’un débiteur soit, lui, dispensé de fournir de telles espèces d’or ou d’argent s il en a pris l’engagement.

Ainsi selon la Cour d’appel le cours forcé ne régit que les rapports du détenteur de billets de la Banque de France, et ne peut en aucun cas faire échec au principe fondamental de liberté des conventions qui continuer à régir les rapports créancier- débiteur

(خامساً) لا استبعاد للقوة الإبرائية الأخرى

واستطراداً لما ذكر في (رابعاً) ان مضمون السعر القانوني والذي هو منح القوة الابرائية لليرة اللبنانية لا يفسر ولا يجب ان يفسر استبعاد القوة الابرائية لاية عملة اجنبية في حال وجود اتفاق على ذلك. وفي هذا تذكرالدكتورة Nurit-Pontier التالي في الصفحة 127 من كتابها:

En effet en, le cours légal donne à la monnaie nationale un pouvoir libératoire absolu. Doit-on pour autant en conclure que tout pouvoir libératoire est exclu pour toute autre monnaie?

Certainement pas: donner un certain pouvoir libératoire à une monnaie étrangère, ne retire rien au caractère absolu du pouvoir libératoire de la monnaie nationale. Chaque fois qu’un paiement sera proposé en francs, il libérera le débiteur et ce, même si l’on admet qu’un paiement dans une autre monnaie puisse également être de nature à le libérer, si une telle hypothèse a été prévue dans sa convention avec le créancier



(سادساً) صحة التعاقد بالعملة الأجنبية

يذكر البروفسور M savatier والبروفسور M Malaisie ان العملة الاجنبية هي بالنهاية بضاعة او صك. والسعر القانوني للعملة الوطنية والقوة الابرائية المتفرعة عنه لهذه العملة لا علاقة لها، ولا يجب ان تكون لها اي علاقة، في ما خص تعاقد الافراد على السلع وتوريدها في الوقت والشروط المتفق عليها. وعليه لا علاقة البتة بالقوة الابرائية المقررة لليرة اللبنانية في التعاقد بعملة اجنبية وتوريدها من المدين الى الدائن في الوقت والشروط المحددة. الصفحة 127 من كتاب الدكتورة Nurit-Pontier

M Savatier, écrit-il: on ne voit pas en quoi cela (le cours légal) empêcherait les monnaies étrangères d’être en France, des marchandises librement négociées, et dont, par conséquent, la livraison peut être librement stipulée.

M Malaisie: « Ce n’est pas le cours légal qui peut interdire de faire de la monnaie étrangère une monnaie de paiement. Sans doute est-il de principe que tout paiement fait en France doit être effectué en monnaie française, ce qui généralement résorbe la clause libellée en monnaie étrangère en monnaie de compte, mais pendant longtemps ce ne fut pas un principe gênant car la monnaie étrangère pouvait être, comme toute marchandise, l’objet d’un contrat et non plus seulement instrument de compte ».



(سابعاً) السعر الإلزامي أو السعر القانوني

إذا كان مفهوماً بمقتضى ريادة السعر الالزامي cours forcé تعليق حق حامل الاوراق النقدية باسترداد قيمتها ذهباً من المصرف المركزي الذي اصدرها، فان التوسع بالامر الى منع التعاقد بالعملات الاجنبية فيه الكثير من المغالاة غير المبررة بعد ان تم فك الارتباط القانوني بين جميع العملات الاجنبية والذهب.

وعليه فلا مانع يحول دون تعاقد الافراد والاشخاص بالعملات الاجنبية وفرض شروط الايفاء بها من دون ان تكون هناك اي امكانية بتعذر ذلك بسبب السعر الالزامي cours forcé ( او السعر القانوني cours légal كما سبق). الصفحة 124 من كتاب الدكتورة Nurit-Pontier

En effet s’il a d’abord pu paraître normal, en période de cours forcé, ou la convertibilité en or est suspendue, de condamner les clauses or, l’interdiction des clauses monnaie étrangère est beaucoup plus arbitraire, dans la mesure où toutes les monnaies sont désormais détachées de l’or. Dès lors, l’on ne saurait raisonnablement assimiler or et monnaie étrangère, alors que ces dernières n’ont plus aucun rapport avec lui, et l’argumentation qui pouvait rendre à interdire les clauses de paiement en or ne saurait valoir pour les clauses de paiement en monnaie étrangère.



تناقض كبير في تفسير مصرف لبنان

واضح مما سبق، التناقض الكبير بين تفسير مصرف لبنان لمضمون القوة الابرائية للنقود القانونية وبين ما هو معتمد من قبل الفقهاء والقضاء المقارن وحتى من قبل عدد من القضاة والمحاكم اللبنانية.

وتأثيرات هذا التناقض ليست عرضية او جانبية، فقد وضع تفسير مصرف لبنان المغلوط القاعدة المدماك لسلسلة من الانحرافات المتتالية البالغة الخطورة والتي ما كان بالامكان اتيانها لو لم يمهد للامر بالتفسير المغلوط.

إنحرافات بدأت بالليلرة والهيركات

وقد بدأت هذه الانحرافات بالزام المودعين اصحاب الحسابات بالعملات الاجنبية بالليلرة اي بسحوبات بالليرة على اسعار صرف متدنية عن المتعامل بها ما يشكل هيركات جد قاسية تتراوح نسبها بين الـ 85% والـ 65% من قيمة السحوبات. وقد ساعد هذا الامر على تذويب خسارات المصارف وايضاً خسارات مصرف لبنان كما تذويب حسابات العملات الاجنبية ذاتها بأبخس الاثمان. بصورة متوازية تم اعتماد ذات المنحى في علاقة مصرف لبنان مع المصارف. فقد عمد الاول الى رد قسم مهم من توظيفات وودائع المصارف لديه بالعملات الاجنبية بالليرة اللبنانية، ما ساعده على توفير الموارد بهذه العملات لعمليات تمويل ودعم متنوعة للخزينة غير مبررة وغير قانونية ما استنفد القسم الاعظم من موجودات مصرف لبنان بهذه العملات.

إطلاق موجة تضخم متصاعدة

الإنحرافات السابقة، والتي اعتبرها البعض مقصودة ولزوم خطة الظل الرديفة الجاري تنفيذها، تمخضت عن اطلاق موجة تضخم متصاعدة اودت الى مآسٍ انسانية واجتماعية واقتصادية عميقة.

ضياع ثقة المودعين

يبقى الخطر البليغ الوصمة البالغة السوء التي زرعها التفسير المغلوط لمصرف لبنان للمادة 7 نقد وتسليف امام استعادة القطاع المصرفي عافيته. فهذا التفسير المغلوط سيكون عائقاً امام استرجاع هذا القطاع ثقة المودعين به مستقبلاً لانه ستكون هناك على الدوام خشية من ان ترفع امامهم مرة اخرى مقولة جواز رد المصارف لودائعهم بالعملات الاجنبية، بالليرة اللبنانية، عند اي انتكاسة مستقبلية. لقد صدق المفكر الفرنسي Voltaire عندما نبه في يوم من الايام من خطر سوء تفسير قانون واضح المرمى وجلي المحتوى فقد اعتبر هذا الامر في اغلب الاحوال من نوع الفساد. وهو امر يجب بالتأكيد تجنبه من قبل اي مصرف مركزي في العالم.

Que toute loi soit claire, uniforme et précise:

l›interpréter, c›est presque toujours la corrompre.

(*) استاذ محاضر في قوانين النقد والمصارف المركزية

واقع سوريالي

ان موقف مصرف لبنان خالف بشكل واضح وفاقع مضمون احكام المادة 7 من قانون النقد والتسليف بتقديم

ما نجم عنه كواقع سوريالي يتمثل بالتالي: قضاة يحكمون برد الوديعة بالعملة الاجنبية التي تم الايداع بها وحاكم مصرف يفتي برد الوديعة المذكورة جزئياً او كلياً بالليرة اللبنانية، وتصدر على اساس ذلك عن المصرف قرارات وتعاميم تجبر المودعين بالعملات الاجنبية بليلرة سحوباتهم كلياً او جزئياً مقرونة بهيركات في منتهى القساوة بهدف تذويب خسائر المصارف ومصرف لبنان ما يشكل اثراء مدنياً، بلا سبب، واثراء غير مشروع جزائياً.

ممارسات تظهر عدم تقيد مصرف لبنان بـ»مقتضيات الحيطة والدقة». ما يرتب حسب قرار محكمة العدل الاوروبية الصادر في تاريخ 13 ايلول 2022 (ادناه مقطع منه) المسؤولية القانونية على المصرف والقيمين عليه ويشكل بالتالي اساساً لمطالبة المتضررين بالتعويض الناجم عن الاذى الذي لحقهم من الانحرافات المرتكبة وايضاً المطالبة بالغاء جميع التعاميم والقرارات ذات الصلة بهذه الانحرافات.

Une banque centrale est tenue responsable lorsqu’elle-même ou les personnes qu’elle a habilitées à agir en son nom ont agi en méconnaissance grave de leur obligation de diligence.


MISS 3