وليد شقير

"بكين" وخفض التوتر السنّي - الشيعي

15 آذار 2023

02 : 05

كررت الولايات المتحدة الأميركية في الساعات الماضية إعلانها أنّ الاتفاق بين السعودية وإيران «إيجابي لوقف تصعيد التوترات في المنطقة، وهو أمر جيد»، على لسان مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان.

وعلى رغم أنّ أسئلة كثيرة، مشروعة طُرحت حول مدى سرور الإدارة الأميركية بهذا الاتفاق لأنّ الصين عرابه، ولأنه يعزز قدرة بكين على زيادة نفوذها الإقليمي، فإنّ واشنطن نفسها أعلنت مجدداً أنها كانت على تواصل مع الرياض في شأن المحادثات التي كانت تجرى بين المملكة وإيران.

السؤال عن مدى ارتياح إدارة الرئيس جو بايدن إلى الدور الصيني فيه، يعود أيضاً إلى الخلافات التي تصعد وتخبو بين الحين والآخر بينها وبين الجانب السعودي، في ظل ميل السياسة الخارجية السعودية نحو قدر من الاستقلالية في تموضعها في الأزمات العالمية، وآخرها قبل أشهر، كان الخلاف حول الطلب الأميركي رفع كمية إنتاج النفط، من أجل خفض تأثير ارتفاع أسعاره على الاقتصادات الغربية والأميركية، الأمر الذي لم تستجب له المملكة وأبقت على التزامها باتفاق «أوبك +» مع روسيا، الأمر الذي أثار حفيظة الجانب الأميركي.

في معظم الحالات وجدت الخلافات الأميركية السعودية طريقها إلى المعالجة في الأطر العديدة للعلاقات الاستراتيجية بين البلدين، والتي تحتاج إلى إعادة صياغة، وكانت القمة الخليجية التي انعقدت في الرياض في تموز 2022 بدايتها.

في استعادة تبادل السفراء بين الرياض وطهران يبدو أن ما يهم إدارة بايدن مدى انزعاج إسرائيل من الخطوة أكثر من أي شيء. ولربما عبّر بايدن عن ملاحظته في هذا الصدد من أجل طمأنة إسرائيل أكثر، تجنباً لكشف امتعاضه من الدور الصيني في الاتفاق.

لكن اتفاق بكين يعالج واحداً من عناوين التباينات الأميركية - السعودية والخليجية التي ظهرت منذ عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، الذي كان مفهومه للصراع السعودي- الإيراني على أنه صراع سني - شيعي، في مرحلة التوصل إلى الاتفاق على النووي عام 2015. في ذلك الحين اقتضت المقاربة الأميركية للخلافات العربية مع إيران دعوة القوتين الإقليميتين ولا سيما الجانب العربي، إلى التفاهم وحل الخلافات الإقليمية بينهما، لأنّ ما كان يهمه في حينها إنجاز الاتفاق ولذلك قدم تنازلات كثيرة لإيران على الصعيد الإقليمي سمحت لها بتوسيع نفوذها، على رغم أنها أبقت عينها، وبحريتها في الخليج على أمن ممرات النفط والتجارة العالمية في مضيق هرمز وباب المندب، لمنع إيران من تهديدها.

في موضوع حرب اليمن بقي الموقف الأميركي متأرجحاً بين اتهام إيران بالتسبب بتصعيد الصراع وتوسيعه وصولاً إلى قصف الأراضي والمنشآت النفطية السعودية، وبين التساهل مع الحوثيين، الأداة الإيرانية التي عملت طهران على تربيتها على مدى 3 عقود، وعلى نفخها وتزويدها بالأسلحة الصاروخية والمسيرات... منذ جرى رفع تنظيم «أنصار الله» عن لائحة العقوبات من قبل بايدن، بعيد دخوله البيت الأبيض.

جاء اتفاق استعادة تبادل السفراء في وقت باتت طهران في حاجة إلى خفض منسوب الصراع السني - الشيعي الذي أججته في أكثر من ميدان ودولة عربية، بعدما خنقتها وحاصرتها العقوبات الأميركية اقتصادياً، وبعدما تسبب حكم الملالي والقمع فيها بتأجيج احتجاجات الأقليات في الداخل الإيراني، الطائفية والعرقية فاختلطت مع النقمة الشبابية والنسائية.

عندما يعتبر وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود أنّ المملكة «ماضية في التهدئة وخفض التصعيد لدورها ومسؤوليتها في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي»، فإنّ بين الأمور المقصودة خفض التوتر السني - الشيعي الذي صعّدته الاختراقات الإيرانية في عدد من الدول، يتعدى اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وصولاً إلى معظم دول الخليج وبعض المغرب العربي، أثناء وبعد اتفاق 2015 على النووي.

وإذ أكد الوزير بن فرحان أنّ اتفاق بكين «لا يعني حل كل الخلافات» مع إيران، فإنّ خفض التوتر السني- الشيعي واحد من الأمور التي لا تستطيع واشنطن الاعتراض عليها، كون الإدارة الديموقراطية أيام أوباما كانت دعت إلى معالجتها بين دول الإقليم.

لم يعرف بعد أي الملفات خصصت لها مهلة الشهرين التي هي مهلة اختبار وتحضير، وتضمنها بيان بكين، غير ملف اليمن الذي تجرى محاولات التوصل لاتفاقات في شأنه في مسقط وجنيف.

يبقى الاختبار حول كيفية استكمال خفض التوتر السني - الشيعي في لبنان. فرغم أنّ القيادات المعنية عملت في العقد الماضي على كبته (بعد أضرار 7 أيار 2008) فإنها لم تتمكن من إنهائه بفعل نهج «حزب الله»، الذي لم يُطلق حتى الآن أشارات الى استعداده للانسجام مع المرحلة الجديدة.


MISS 3