لا يوفر الشيعة، من قادة الصف الأول إلى طلّاب الرابع إبتدائي، مناسبة من دون التعرّض لأشقائهم الموارنة غير المشبعين بهرمونات العروبة والذين يعانون جينياً من نقص في المناعة الوطنية. ويزعم الزعماء الزمنيون التاريخيون، ويرد من خلفهم القادة الروحيون، ومسؤولو التعبئة المناطقية واختصاصيو الفح والبخ أن وراء إصرار "الموارنة" على اللامركزية الموسعة، ومطالبتهم بإعادة النظر في صيغة الحكم نزعة فدرالية تقسيمية تندرج في مخطط تفتيت لبنان.
تبدو الفدرالية كحلم يقظة يراود الموارنة كلّما شعروا أنهم باتوا أولاد جارية، أو أنهم أصبحوا مواطنين يعلفون البقر والآخرون يحلبونها. ( راجع الياس الهراوي ـ أقوال للتاريخ) أو كلما أحسوا بخطر كياني يتهدد وجودهم ومستقبل أولادهم.
واقع الأمر أن الموارنة "ما بيطلع من أمرهم شي"، يثرثرون همساً فيما شركاؤهم في الوطن، الشيعة بوجه أخص، يطبّقون النظام الفدرالي بشكل عملي وقد وُضعت لبنته الأساسية في 6 شباط 1984 والعين على جبنة الآخرين.
للشيعة نظامهم المالي المستقل، ولهم قضاؤهم، ولهم أمنهم الداخلي، وجيشهم المحلي، وجيشهم العامل خارج الحدود. لديهم قوانينهم الشرعية. ولبوسهم الشرعي وأحزابهم الصافية (شيعياً) ولديهم مدارسهم وثقافتهم وأناشيدهم وشوارعهم ومناطقهم وبلدياتهم وسوبرماركاتهم التي تفتح أذراعتها بكل محبة للمتسوقات العابرات بثقة من الأشرفية إلى الطيونة والغبيري إلى ما هنالك. لديهم جزرهم المتمتعة باستقلال ذاتي في الجبل وكسروان وجبيل والكورة والمتن الشمالي والتي ترفع علم الولاء الأصفر.
ويمارس القادة الشيعة التطهير السياسي والفكري من وقت لآخر ضمن المنطق الفدرالي الضيق وضمن الحدود الفدرالية الضيقة وخارجها، إلى درجة أن أحمد بك الأسعد لم يحتملوه فطهّروه... واختفى! ومن لم يزح من طريق المشروع الفدرالي الممانع بريحة طيبة أزاحوه.
قبل نحو شهرين قرأت مقالاً معمّقاً حول الفدرالية في "نداء الوطن"، بقلم جاري الباحث طانيوس شهوان، جاء فيه أن المسلمين اللبنانيين أوّل من طرح الحل الفدرالي في العام 1925 "من خلال النائبين السنيّين البيروتيين عمر الداعوق وعمر بيهم، حين طالبا، عند إنشاء لجنة إعداد الدستور أن يتم التفاوض مع زعماء المسلمين، الرافضين للتعامل مع تلك اللجنة آنذاك، في شأن مطلبهم بتقسيم لبنان إلى فدراليتين: الأولى مؤلفة من جبل لبنان، والثانية من المناطق التي ضمت إلى جبل لبنان في إطار لبنان الكبير" أختم هذه الجولة الطائفية البغيضة بمحطة درزية. فالدروز الذين يرجمون الفدرالية ثلاث مرات في اليوم، مرة مع صياح الديكة ومرة في منتصف النهار ومرة عند الغروب، هم أنفسهم طبّقوا في نصف قرن فدراليتين: واحدة صريحة وفجّة بين العامين 1976 و1990 والثانية "ممكيجة" ومرنة من العام 1990 حتى تاريخه.