سامي نادر

الموازنة اللقيطة

15 تموز 2019

11 : 15

ها هي الموازنة تسلك طريقها إلى الجلسة العامة في مجلس النواب، بعدما أشبعتها لجنة المال والموازنة نقاشات ماراتونية لم تفضِ عملياً سوى إلى بدع و"هندسات ضرائبية" و550 مليار دولار قيل إنها تخفيضات في النفقات بينما المطلوب أضعاف أضعاف ذلك. لن يحفظ المراقب المعني سوى أن هذه الموازنة أطلت علينا عملياً بضريبة على البضائع المستوردة، بعدما أعيدت هندستها، ليست سوى ضريبة مقنعة على الإستهلاك ومحفز إضافي للتهرب الجمركي.



تسلك الموازنة طريقها إلى الجلسة العامة كطفل لقيط، بعدما رفضت عملياً سائر القوى السياسية التي عملت على صياغتها تبنيها. كل تلك القوى تجمع أن هذه الموازنة دون التحديات، كلها تعترف أنها تفتقر إلى الإصلاحات. ومع ذلك كلها سوف "تبكي وتروح" وتصوت عليها. ربما قد يحجب البعض الثقة عنها، ولكن ما من أحد سوف يجرؤ على الإستقالة. إنه نمط العمل السياسي في جمهورية التسويات، القوى السائدة تلعب الدورين : دور المعارضة والموالاة في آن.



وما إن تصل الموازنة العرجاء إلى ساحة النجمة، سوف يلاقيها هناك الخطباء وقد حجزوا من الآن المنابر. كيف لا، والجلسات تحظى بتغطية إعلامية مباشرة. هناك سوف ينقض عليها الخطباء الأشاوس، سوف يتكلمون عن الوضع الإقتصادي الخانق وما يعانيه المواطنون من ضيق وعوز وفقر. هناك تلقى الخطابات الرنانة عن ضرورة الإصلاحات. ولكن في المحصلة الموازنة تمر "زي ما هي" ربما بعد ابتداع 50 أو 100 مليار حصر إنفاق إضافي على إنجاز الـ 550.



كم كنا نتمنى أن يقف أحدهم من داخل مجلس النواب ليقول إن الموازنات ليست مجرد عمليات حسابية تقوم على استحداث وإختراع ضرائب لتمويل نفقات لا أحد يجرؤ على وضعها على المشرحة، أحد يجاهر بضرورة إعادة النظر بأعداد العاملين في القطاع العام بعدما تجاوز كل المقاييس والمعايير؛ أحد يقول إن الموازنات لا يجوز أن تخضع إلى منطق "مرقلي تمرقلك". نفقة من عندي مقابل نفقة من عندك.



نتمنى أن يقف أحد نواب الأمة ليقول إن الفرضيات التي استندت إليها الموازنة مفرطة بالتفاؤل، وذلك قبل أن تدعونا إحدى المؤسسات الدولية، مرة أخرى، إلى شيء من الواقعية في الحسابات. وأن النمو المتوقع صعب المنال إستناداً إلى واقع اليوم، وبالتالي العائدات الحكومية الموعودة غير أكيدة، خصوصاً بعد إقرار الضرائب والرسوم من كل حدب وصوب. نريد صوتاً من ساحة النجمة يحذر من أن رفع الضرائب في هذه الأوضاع تحديداً يعمق الركود.


نريد صوتاً يجاهر أن الموازنات الحسابية كما يتم وضعها هي موازنات شاخصة إلى الوراء، عالقة في الماضي المأزوم، لا تنظر إلى الأمام، لا تستند إلى رؤية إقتصادية إجتماعية وبالتالي لا تفتح آفاقاً للمستقبل. نعني بآفاق المستقبل أفاق النمو. لم نرَ بعد، وبالرغم من كل الجلسلت الماراتونية، إقتراحاً واحداً من شأنه أن يطلق دورة النمو. غياب النمو، هذا هو التحدي الأساس وسيدر إن حصل غير كاف لإطلاق محركاته.



النمو بحاجة إلى تحفيزات ضريبية، تدابير لتشجيع المبادرة والتوظيف، لم نرَ شيئاً منها في مشروع موازنة 2019، وأعمال لجنة المال والموازنة التي تلتها. إستراتيجيات النمو تفترض تحرير بعض القدرات التمويلية لتغذية الإقتصاد الحي، ولجم أسعار الفوائد على الودائع المصرفية الماضية بصعودها الجنوني...وهي ذاهبة عاجلاً أو آجلاً لإطعام الدينوصور.


MISS 3