مصر أعلنت الحداد العام ثلاثة أيّام بعد وفاته

مبارك... رحيل وجه جديد من "النظام العربي القديم"!

11 : 08

مبارك مع وجوه "غابت" عن الساحة العربيّة والأفريقيّة (أ ف ب)

توفي الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك بالأمس عن 91 عاماً في مستشفى عسكري، بعد أن حكم مصر بلا منازع على مدى ثلاثة عقود قبل سقوطه تحت ضغط الثورة الشعبيّة العام 2011، ليرحل بذلك وجه سياسي جديد من "النظام العربي القديم".

ونعت الرئاسة المصريّة والقيادة العامة للجيش المصري وفاة "أحد قادة وأبطال حرب أكتوبر المجيدة (1973)"، إذ تولّى قيادة القوّات الجوّية أثناء الحرب التي "أعادت الكرامة والعزّة للأمة العربيّة". كما أعلنت الرئاسة "الحداد العام في كافة أنحاء الجمهوريّة لمدّة ثلاثة أيّام اعتباراً من (اليوم) الأربعاء". ومنذ أن أسقط المصريّون مبارك من الحكم في شباط 2011، بعد 18 يوماً من انطلاق ثورة شعبيّة في أنحاء البلاد ضدّ "نظامه الفاسد"، وهو يُعاني من المرض. وعند ظهوره للمرّة الأولى أمام القضاء في القاهرة لمحاكمته بتهمة قتل متظاهرين، كان ممدّداً على سرير بسبب وضعه الصحي. لكن المحكمة برّأته نهائيّاً من هذه التهمة في آذار 2017، وأُفرج عنه من مستشفى القاهرة العسكري، حيث كان محتجزاً منذ العام 2011. وخضع مبارك الشهر الماضي لعمليّة جراحيّة، بحسب ما كتب نجله علاء مبارك في تغريدة، وبقي منذ ذلك الحين في غرفة الرعاية المركّزة.


مبارك وعرفات وكلينتون ورابين والملك حسين في البيت الأبيض العام 1995 (أ ف ب)



وأيّدت محكمة النقض المصريّة في كانون الثاني 2016 حكماً بالسجن ثلاث سنوات على مبارك ونجلَيْه علاء وجمال، في قضيّة فساد عُرِفَت إعلاميّاً باسم "القصور الرئاسيّة". وبسبب هذا الحكم، ظنّ البعض أن مبارك قد يُجرّد من أوسمته ونياشينه العسكريّة، لكن محكمة القضاء الإداري حَكَمَت في كانون الأوّل الماضي بعدم قبول دعوى إلزام السلطات بسحبها منه، في حين قضت محكمة مصريّة السبت الماضي ببراءة نجلَيْ مبارك و6 آخرين في القضيّة المعروفة إعلاميّاً في مصر بـ"التلاعب بالبورصة"، بعد 8 سنوات في دوائر التقاضي.

وتربّع حسني مبارك على عرش مصر بلا منازع لثلاثين عاماً، قبل أن تُسقطه ثورة شعبيّة غاضبة من تجاوزات جهازه الأمني وأحلام نجله جمال في وراثة الحكم، إذ اضطرّ في 11 شباط 2011 إلى التخلّي عن السلطة وتسليمها للجيش، الذي قرّر الاصطفاف مع المنتفضين آنذاك في "ميدان التحرير" والتخلّص في الوقت عينه من الجنرال السابق ومن طموحات نجله جمال السياسيّة. وكانت علاقات مبارك ونجليه برجال الأعمال محلّ شكوك وتساؤلات كبيرة طوال العقد الأخير من حكمه، وكانت المعارضة المصريّة تعتبر أن نظامه قائم على "التزاوج بين السلطة والثروة".

وشهد العقد الأخير من حياة حسني مبارك تقلّبات كبرى حوّلته من "ديكتاتور فاسد" حكم البلاد لثلاثة عقود بفضل جهاز أمني مطلق اليد، إلى أوّل رئيس مصري يمثل أمام محكمة، قبل أن يُصبح رئيساً سابقاً بعيداً من الأضواء.

وولد محمد حسني مبارك في الرابع من أيّار 1928 في عائلة من الطبقة الريفيّة المتوسّطة في دلتا مصر. وصعد سلّم الرتب العسكريّة في الجيش إلى أن أصبح قائداً للقوّات الجوّية ثمّ نائباً للرئيس في نيسان 1975. وفُتِحَ الباب أمام مبارك لتولّي الرئاسة بعد اغتيال الرئيس الأسبق أنور السادات على يد إسلاميين في العام 1981 حين كان نائباً للرئيس، في وقت لم يكن أحد يتوقّع مستقبلاً كبيراً لهذا الرجل الذي يفتقد إلى الكاريزما، بحيث أشار مقرّبون منه إلى أن أقصى أمانيه كانت أن يُعيّن سفيراً لمصر في لندن بعد تقاعده من منصبه العسكري.

وخلال مسيرته الطويلة، تعرّض لـ6 محاولات اغتيال جعلته يرفض رفع "حال الطوارئ" في البلاد على مدى توليه الحكم، فيما عوّل على أجهزة أمنيّة قويّة ونظام سياسي يُهيمن عليه "الحزب الحاكم". وعُرِفَ عن مبارك أنّه رجل براغماتي، غير أنّه فقد شيئاً فشيئاً صلته بالشعب وأصبح عنيداً ومتكبّراً، واعتمد على جهاز أمني مخيف. ونجح على مدى سنوات حكمه في أن يطرح مصر كركيزة للاستقرار في المنطقة ووسيط رئيسي في النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي. ورغم كلّ المعارضة والاحتجاجات تمسّك بمعاهدة السلام التي أبرمها سلفه مع إسرائيل العام 1979، وحرص على أن يبقى ضمن ما عُرِفَ قبل "الربيع العربي" بمعسكر "الاعتدال" في العالم العربي، فضمن تأييد الغرب لنظامه، خصوصاً الولايات المتحدة التي ظلّ حليفاً لها على الدوام.




وأكمل مفاوضات السلام التي بدأها أنور السادات مع إسرائيل في "كامب ديفيد"، واستعادت القاهرة في عهده الأراضي المصريّة التي كانت تحتلّها إسرائيل، وتمّ حلّ الخلاف الحدودي حول طابا بالتحكيم الدولي وانسحبت إسرائيل منها بالكامل في نيسان العام 1989. ويُنظر إلى تحرير طابا بأنّه أعاد السيادة المصريّة على كامل سيناء، في انتصار كبير للديبلوماسيّة المصريّة في عهده.

وبعد وصوله إلى الحكم، عمل مبارك على تعزيز العلاقات مع الدول العربيّة وإعادتها إلى طبيعتها بعد انقطاع دام سنوات في أعقاب توقيع مبادرة السادات للسلام مع إسرائيل، وعادت مصر إلى عضويّة الجامعة العربيّة، وعاد مقرّها إلى القاهرة بعدما نُقِلَ موَقتاً إلى تونس. كما قدّم الرئيس الراحل دعماً عسكريّاً لقوّات التحالف الذي شُكّل لإخراج القوّات العراقيّة من الكويت بعد الحرب التي اندلعت في كانون الثاني 1991.

وظلّ مبارك بشعره الأسود المصبوغ وبنظرته التي يُخفيها في غالب الأحيان خلف نظارات سوداء، وجهاً مألوفاً في الاجتماعات الدوليّة على مدى سنين حكمه. وبالرغم من تصدّيه بقوّة للجماعات الإسلاميّة المتطرّفة، لم يتمكّن من وقف صعود الإسلام السياسي الذي تُجسّده خصوصاً جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر.

في غضون ذلك، بعث العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، برقيّتَيْ عزاء ومواساة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في وفاة مبارك. كما نعت الإمارات الرئيس المصري الأسبق، معتبرةً أنّه "صاحب مواقف وطنيّة وتاريخيّة كبيرة".



مبارك متوسّطاً نجليه داخل المحكمة في القاهرة العام 2015 (أ ف ب)


كذلك، نعى الإسرائيليّون والفلسطينيّون مبارك، فأشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو بزعيم "قاد شعبه نحو تحقيق السلام"، فيما أثنى رئيس السلطة الفلسطينيّة محمود عباس على دعمه للقضيّة الفلسطينيّة، إذ قال عباس إنّ مبارك "دعم الشعب الفلسطيني من أجل نيله الحرّية والاستقلال".

من جهته، قال نتنياهو: "باسم الشعب الإسرائيلي والحكومة الإسرائيليّة، أودّ أن أُعبّر عن حزني البالغ على رحيل الرئيس حسني مبارك"، مشيراً إلى أن مبارك "كان زعيماً قاد شعبه نحو تحقيق السلام والأمن، ونحو تحقيق السلام مع إسرائيل"، وأوضح أنّه كان "صديقاً شخصيّاً لي، وقد التقيت به مرّات عدّة وأُعجبت بالتزامه من أجل السلام"، مضيفاً: "سنُواصل المضي قدماً على هذا الطريق المشترك".


MISS 3