وليد شقير

إجتماع 5 نيسان وتحرّك الفاتيكان

20 آذار 2023

02 : 00

علامَ يستند البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في دعوته النواب المسيحيين الـ64 إلى يوم صلاة في بكركي في 5 نيسان المقبل، في حضور سائر البطاركة المسيحيين الذين كانوا أساساً وراء تلك الفكرة لمحاولة جمع القوى المسيحية المشتتة؟

صحيح أنّ العجز عن إنهاء الشغور الرئاسي الذي بدأت بكركي تحذّر منه قبل أشهر من وقوعه، وتواصل الشكوى من تقاعس البرلمان عن إنهائه في كل عظة ومناسبة، مستمرّان بسبب تشتّت الكتل النيابية سواء المسيحية أم المختلطة أم الإسلامية في البرلمان، إلا أنّ الأمر يعود في العمق إلى عدم سلوك العملية الانتخابية للرئيس طريقها الدستوري داخل المؤسسة البرلمانية، وخضوعها لضغوط خارج إطار اللعبة الديموقراطية التقليدية، ولحسابات خارجية تتّصل بالتموضع الإقليمي للبلد في السنوات الست المقبلة، وبالتالي للرئيس الذي يفترض أن يدير اللعبة السياسية في الداخل والخارج.

فكيف لاجتماع النواب المسيحيين برعاية الكنيسة أن يتوصّل إلى مخرج من هذا المأزق المتشابك مع وضع إقليمي متحرّك، يحمل معه كل يوم جديداً جوهرياً وعاملاً إضافياً؟

فضلاً عن الصعوبات التي يمكن أن تواجه مخرجات الاجتماع المنتظرة، بحيث يمكن أن ينتهي إلى نتائج تغلب عليها المبادئ العامة، فإنّ تصوّرات عديدة تسبق وترافق حصوله. بالإضافة إلى أنّه تعويض عن الجهود الفاشلة لجمع الفريقين الأساسيين اللذين يتمثّلان في البرلمان بالكتلتين النيابيتين الكبريين، أي حزب «القوات اللبنانية» (19 نائباً) و»التيار الوطني الحر» (17 نائباً من دون نوّاب «الطاشناق» الثلاثة)، فإنه سيصعب توحيد موقف هؤلاء النواب على اسم أو لائحة مصغّرة للتوافق على أحد الأسماء مع الكتل الأخرى. لقاء نواب الكتل المسيحية المختلفين في التوجّهات قد يرمز إلى تفاهم الحدّ الأدنى الذي يرخي بثقله هذه المرة على الكتل النيابية الأخرى التي تقودها زعامات إسلامية، لا سيّما «حزب الله» وحركة «أمل».

يتنازع اجتماع بكركي المرتقب 3 توجّهات قبل الحديث عن صعوبة أو عدم صعوبة اتفاق النوّاب على اسم أو أكثر: الأوّل يرى أنه ليس جائزاً أن يسمّي «الثنائي الشيعي» الرئيس المسيحي، في إطار نظرية «الميثاقية» التي اخترعها «الثنائي الشيعي» عام 2006 من أجل الإطاحة بحكومة الرئيس فؤاد السنيورة بسبب المحكمة الدولية لكشف المتورّطين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ثم أخذ يتسلّح بها «التيار الوطني الحر» ضد الثنائي نفسه. وبهذه الحجّة يرفض «التيار الوطني الحر» ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، فيما يرفضه حزب «القوات» لأسباب أخرى تتعلّق بتحالفه مع «حزب الله» ونتيجة الخصومة الشمالية... إضافة إلى هذا السبب.

وفي هذا السياق ينقل بعض الأوساط عن الرئيس السابق العماد ميشال عون أنه أبلغ وفد «حزب الله» الذي زاره في مطلع شهر كانون الثاني لتهنئته بالأعياد، أنّه «نحن من يسمّي رئيس الجمهورية وأنتم تؤيّدونه وليس العكس»... وهذا التوجّه تنامى بقوة في المرحلة الأخيرة، لا سيّما بعد تصاعد الخلاف بين «التيار الوطني الحر» و»الحزب». ولذلك اضطرّ الأمين العام لـ»الحزب» السيد حسن نصرالله إلى القول في أحد خطاباته إنه «دستورياً لا يوجد شيء اسمه أن رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو رئيس المجلس حصرياً لطائفته حق ترشيحه»... لكنّ فرقاء مسيحيين آخرين يعتبرون أنّ «الحزب» يفرض على سائر القوى السياسية رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان بحجّة أن هناك إجماعاً شيعياً عليه، ورئيس الحكومة.

الاتجاه الثاني هو الذي يمثله عدد من النوّاب «الوسطيين» وبعضهم متحالف مع «الثنائي» إضافة إلى البطاركة المسيحيين، القائل بأنّه لا بدّ للفرقاء المسيحيين من أن يُقبِلوا على تسوية على الرئاسة، سواء أكان ذلك بفرنجية أم بغيره لأنّ الوضع في البلد يحتاج توافقاً والشراكة تتطلّب تدوير الزوايا، ذلك أنّ دور النوّاب المسيحيين لا يقتصر على تحديد من يتولّى الموقع الأول، بل على رأيهم بكافة المواقع والقضايا الأخرى.

الاتجاه الثالث الذي يحرص على أن تترافق جهود إنهاء الفراغ الرئاسي الذي يتسبّب استمراره في إضعاف الدور المسيحي في البلد مع خطوات لاستنهاض أوضاع المسيحيين في لبنان، وهذا ما يعمل له الفاتيكان الذي لا يحبّذ طروحات الفيدرالية وأفكار فصل مناطق عن بعضها ويتمسّك باتفاق الطائف، ويعمل بصمت وخصوصاً مع فرنسا ومع الولايات المتحدة الأميركية، من أجل استعجال انتخاب رئيس الجمهورية وصيانة الوجود المسيحي في الصيغة اللبنانية. كما أنّ الفاتيكان يدعو إلى التوافق مع الفرقاء الآخرين على الرئاسة الأولى. وتدعو الأوساط العارفة بتحرك الفاتيكان إلى ترقّب نتائج اتصالاته المتواصلة نظراً إلى أهميّتها.


MISS 3