مايا الخوري

الإختصاصية النفسية شارلوت خليل للأم المحرومة من أطفالها: إعتني بنفسك

21 آذار 2023

02 : 01

يأتي عيد الأم هذا العام مع صرخة متجددة لإقرار قانون الأحوال الشخصية والبتّ بالملفات القضائية العالقة على صعيد ملفات الحضانة وحقّ الأم برؤية أطفالها. فأطفال كثيرون محرومون من دفء الأمومة، وأمّهاتهم يتوسّلن مقابل عناق قصير. فما التأثير النفسي للفراق والحرمان على الأم والطفل على حدٍّ سواء وكيف يتحقق الصمود بوجه الظلم.

منذ 4 سنوات تعيش سحر (إسم مستعار) المحرومة من رؤية ابنتها حالاً من التخبّط العاطفي ما بين مشاعر الشوق والقلق والخوف والذنب. فتدور جلساتها العلاجية حول محور ابنتها، متسائلة عمّا تفكّر فيها الآن، وهل كان يُفترض بقاؤها إلى جانبها وتحمّل التعنيف رغم أنها غير قادرة على حمايتها.

إنه صراع داخلي كبير يتفاقم لديها، كلّما مرّ عيد الأم، ومرّ معه عام جديد بعيداً من طفلتها. نسألها عن إحساسها اليوم، فتعبّر عن كرهٍ لهذا العيد، لأنه يزيد من لوعة الفراق ويُفقدها الأمل باللقاء، فتمضي يومها تستذكر كيف احتفلتا سابقاً.

"سحر"، هي إحدى السيدات التي انضمّت إلى برنامج الدعم في جمعية "كفى عنف واستغلال"، وإحدى القضايا العالقة بسبب التعطيل القضائي والوضع العام في البلد الذي أدّى إلى تأخير البتّ في الملفات، ما انعكس سلباً على وضع الأمهات المحرومات من الحضانة ورؤية أطفالهن.

في هذا الإطار، تتحدث شارلوت خليل، اختصاصية نفسية في مركز الدعم في جمعية "كفى عنف واستغلال"، عن جرح الحرمان النازف أكثر فأكثر في كل مناسبة خاصة وفي كل عيدٍ يُفترض أن تكون فيه الأم إلى جانب أطفالها، وخصوصاً عيد الأم الذي يسبقه عيد الطفل.

"يكون التأثير النفسي والعاطفي كبيراً لجهة شعور السيدة بالفقدان والذنب واللوم والوحدة وغيرها من المشاعر السلبية". وتدعم جمعية "كفى" السيّدة منذ اللحظة الأولى لإنضمامها إلى برنامج الدعم، عبر تقديم رعاية إجتماعية ونفسية وقانونية على مدار السنة. مع الأخذ في الإعتبار المناسبات الخاصة ومن ضمنها هذا العيد.

وتقول خليل: "كإختصاصيين نفسيين واجتماعيين، نأخذ في الإعتبار هذه المناسبة، متوقّعين الأمور التي ممكن أن تختبرها الأم، والتي تعبّر عنها في الجلسات العلاجية والمتابعات الإجتماعية. لذا من الضروري تأمين مساحة آمنة لها من أجل التعبير عن مشاعرها وتعليمها كيفية وضع كلمات لوصفها، وتكثيف العمل على الإرشادات حول كيفية التعامل مع الأحاسيس الصعبة وكيفية إدارتها ومساعدتها على فهم ما تمرّ فيه".

وتضيف أنّ "مساعدة الأم في التعبير عن نفسها وتعلّم إستراتيجيات إدارة المشاعر يساعدانها كثيراً، خصوصاً في الأوقات الحساسّة مثل عيد الأم، فنعمل على تطوير آليات التأقلم، فضلاً عن تدريبها على تقنيات معيّنة من أجل إدارة التوتّر".

من جهة أخرى، تُدرّب السيدة، أو الأم، على العناية الذاتية والنفسية لأنها فعلياً لا تدرك ضرورة الإعتناء بنفسها. إلى ذلك، تقوم النساء، من ضمن مجموعات، بدعم بعضهن البعض بمواكبة نفسية وإجتماعية وقانونية مع شرح حقوقهن في ما يتعلق بالوصاية وحقّ زيارة الأطفال، لأن الإطلاع على هذه الأمور عامل مساعد لهنّ.

وتشير خليل إلى التداعيات النفسية الناجمة عن فقدان إتصال الأم بأطفالها وعدم قدرتها على رؤيتهم، وعلى أداء دور الأمومة كاملاً. ما قد يوصلها إلى مرحلة الإكتئاب، بسبب عيشها قلقاً مستمراً تجاه أوضاعهم وتأثير غيابها عنهم، إضافة إلى انعكاس هذا الحرمان على نظرتها إلى نفسها كمربية صالحة وكأمٍ، فتفقد ثقتها بنفسها وتشعر بالتقصير تجاه مسؤولياتها التربوية لأنها بعيدة عنهم. إضافة إلى شعورها بالوحدة والعزلة. وقد تتعرّض السيدة إلى ظروف معيّنة بعد الإنفصال في المجتمع والعائلة المحيطة بها. فضلاً عن مشاعر الغضب والإحتقان والنقمة على القوانين والظروف التي حالت دون بقائها إلى جانب أطفالها ورؤيتهم. خصوصاً أن ثمة محرومات من الحضانة أو من رؤية الأولاد بشكل عادلٍ، يضطّررن إلى التوسّل من أجل رؤيتهم مرّة واحدة فقط في الأسبوع بدلاً من الحرمان منهم نهائياً.

وردّاً على سؤال حول النصائح التي تقدّمها للأمهات المعانيات، تقول خليل: "أنصحهن أوّلاً بالإعتناء بأنفسهن جسدياً ونفسياً لأن الطريق طويل، لذا يجب أن يسندن أنفسهن ليتمكّن من الإستمرار والمطالبة بحقوقهن وحقوق أولادهن.

ثانياً، أدعوالأم إلى تحديد موارد الدعم، أي العائلة أو الأصدقاء أو الجهات المساندة التي قد تكون جمعية مثل "كفى"، لأن الإنسان يحتاج في الأوقات الصعبة إلى مساعدة عملانية بهدف الصمود.

ثالثاً، محاولة الإبقاء على التواصل الهاتفي إن أمكن مع الأطفال في حال الحرمان من الرؤية، وإن لم يتوافر، الإطمئنان عليهم من المعارف والمحيط، لأن ذلك يُطمئن قلب الأم.

رابعاً، نسعى أحياناً كثيرة إلى تعزيز إستقلالية الأم، خصوصاً المادية، لأنها تشكّل موارد دعم أساسية لها. كما ندعوها إلى التركيز على الإيجابيات في حياتها.

خامساً، أنصح الأم المحرومة نهائياً من رؤية أولادها، بإنشاء مدوّنة مؤرخة وفق المناسبات للكتابة لهم، فهم سيطلعون عليها يوماً، ما يريحها نفسياً حالياً ويريحهم مستقبلاً".

وعن إستغلال تعلّق الأم بأطفالها لفرض شروط معيّنة تقول: "تضعف أحياناً رغم الدعم، فتُستغلّ مشاعرها للضغظ عليها وابتزازها. إنما ليست هذه الوسيلة الوحيدة المستخدمة، فأحياناً يأتي الأسلوب مختلفاً، مبنياً على موروثات المجتمع وعلى أفكار تُزرع في رأسها بضرورة التضحية من أجل أولادها، وعدم التخلي عنهم. فنُشعرها بالذنب في حين أنها الضحية، ونحمّلها المسؤولية في مجتمع ذكوري لا يعطيها أدنى حقوقها، لذا يجب تسليحها بأدوات الدفاع عن النفس لتتمكّن من إصلاح الأمور".

وتتوّجه خليل إلى الأم بالقول: "أنت مثال لأولادك في صمودك وعزمك، ورغم الضغوطات، ضعي نفسك في مواقف أخرى من أجل إتخاذ القرار الصحيح".

وردّاً على سؤال حول تداعيات هذا الحرمان على الطفل تقول: "يعاني تداعيات مماثلة لما تعانيه الأم على صعيد الصحة النفسية، وقد تختلف هذه الإنعكاسات من طفل إلى آخر بحسب الوضع العام وتاريخ الحرمان وما شهده في فترة الإنفصال، وكمية الصدمات التي تعرّض لها بطريقة أو بأخرى. وتظهر لديه مشاعر قلق وتوتر وحرمان ولاإستقرار، تبدو واضحة في سلوكياته. فنلاحظ مشكلات سلوكية عدّة مثل العصبية والعنف والعدوانية وتراجع في المستويين الدراسي والأكاديمي والإنعزال الذي يؤثر في علاقاته الإجتماعية. وقد تتضاعف هذه المشاعر حتى بلوغ الحزن الكبير والشعور بالألم والتهميش أحياناً ويبلغ بعضهم حدّ الإكتئاب".

وتضيف: "بغضّ النظر عما إذا تأمّن للطفل كل احتياجاته المادية والعاطفية أم لا، وبغض النظر عما إذا تأمّنت له الرعاية اللازمة، تبقى رؤيته لأمه حقّه الشرعي. خصوصاً أن التداعيات لا تنتهي في سنّ الرشد، بل ونلحظ تأثيراتها على العلاقات الأسرية والعاطفية لاحقاً".

إن الحل الأساس لوقف هذا الظلم بحق الأم والطفل برأي خليل، هو إقرار قانون موحّد للأحوال الشخصية الذي يساهم في معالجة هذه القضايا وغيرها. إنه الخطوة الأولى الفعلية المؤسسة لوضع أفضل للمرأة والطفل ولإقامة علاقة صحيّة وإيجابية بين جميع أفراد الأسرة على المدى البعيد حتّى بعد وقوع الإنفصال.

وتعتبر شارلوت النساء والأطفال من الفئات الإجتماعية الأكثر هشاشة، لذا تدعو كل من له دور في الحرمان، سواء كان مسؤولاً أو فرداً في العائلة، إلى التفكير جيّداً بالتأثير النفسي والعاطفي والإجتماعي والإنساني الذي سيلحق بهم على المديين القصير والبعيد. كما تدعوه للتفكير بمصلحة الطفل بالدرجة الأولى قبل إتخاذ أي قرار، لأن التواصل بينه وبين أمّه هو حقّ بديهي وشرط أساس لضمان الإستقرارين النفسي والعاطفي.

وتطلق خليل أخيراً صرخة كبيرة بوجه القرارات الظالمة لأنها تنعكس سلباً على مجالات كثيرة في حياة الفرد وتحدد مستقبله، ومن خلاله مستقبل المجتمع بكامله. لذا يجب أن نكون دقيقين جداً تجاه مسؤولياتنا وقراراتنا فلا تكون مبنية على إنفعالات ومزاج ومعتقدات معيّنة، تؤذي الأم والطفل على حدٍ سواء وتجعلنا نندم كثيراً عندما نعي أن ما إرتكبناه أثّر بشكل كبير على مستقبل أطفالنا.


MISS 3