ريتا ابراهيم فريد

الياس باسيل يُطلق كليب "إلى نفسي": نحن نستحقّ الحب الذي نعطيه للآخرين

22 آذار 2023

02 : 05

لقطة من الكليب
حين ننشغل بالإهتمام بمن نحبّ، يحدث أننا قد نتجاهل أنفسنا وقد ننسى أننا نحن أيضاً نستحقّ الحب. وأحياناً ندخل في علاقات سامّة تشوّه صورتنا في عيون الآخرين، وعيوننا. الصحافي الياس باسيل الذي اعتاد منذ سنوات على إطلاق أفلام قصيرة تحاكي الحياة اليومية للشباب اللبناني، أطلق منذ فترة قصيرة كليب "إلى نفسي" ونشره عبر صفحاته على مواقع التواصل الإجتماعي. وهو عمل من كتابته وإخراج جوزف مالك وتعليق صوتي لهيثم المصري، توجّه من خلاله لكلّ من انجرف في تقديم التضحيات للآخرين على حساب سعادته.



عنوان الكليب "إلى نفسي". لكنّه فعلياً يتوجّه الى الشباب الذين لا يولون الأهمية اللازمة لأنفسهم. ما الرسالة من وراء هذا العمل وما هي ظروف إطلاقه؟

كتبتُ النصّ بشكلٍ عفوي يوم عيد الحب في شباط 2020 وشاركتُه من خلال الكليب بعد 3 سنوات. أردتُه شهادة توثيق أو ختمٍ يؤكّد على أنّني تخطّيتُ علاقة سامّة كنتُ أعيشها وسبّبت لي الكثير من الأذى. مع الإشارة الى أنّ المقصود هُنا ليس بالضرورة علاقة حب، بل قد تكون علاقة صداقة، ولم أشعر فعلياً بأنّي خرجتُ منها ومن كل تأثيراتها السلبية عليّ إلا حين كتبتُ هذا النصّ.

في ذلك اليوم لاحظتُ انشغال الناس بالتعبير عن حبّهم للآخرين، حتى أنّهم قد ينسون أنفسهم. وهذا لا ينطبق على عيد الحب فحسب، إنّما قد يستمرّ طوال أيام السنة. كما أنّها كانت المرة الأولى التي أكتب فيها باللغة الفصحى، إذ شعرتُ أنني أمام قاعدة ذهبية أتوجّه بها الى نفسي.

في البداية كان الأمر مجرّد تعبير أو فشّة خلق، لكني أردتُ في ما بعد أن أتوجّه الى كلّ من يعيش علاقة حبّ أو صداقة فاشلة كي أقول له: نفسك أولاً. نفسك الأهمّ والأحقّ بكلّ الحب والتضحية التي تقدّمها للآخرين، والتي يجب أن تمنحها الى ذاتك أولاً.

كن لنفسك كل شيء، فأنت جميل كما أنت. وممنوع على أحد أن يشكّك بذلك.




من وحي موضوع الكليب: بين الإهتمام المفرط بالنفس الذي يولّد الأنانية، وبين الإفراط في التنازل وتقديم التضحيات للآخرين. ما هو الحدّ الفاصل كي يبقى الإنسان في دائرة التوازن؟



علينا أن نحبّ أنفسنا كما هي، بعدما نتعرّف عليها ونفهمها بكلّ إيجابياتها وسلبياتها. هو مسار طويل ويستغرق وقتاً بلا شكّ. وكما ذكرتُ في الكليب "نفسي ستُصغي الى صوت نفسها فقط". فنحن في أعماقنا نمتلك الأجوبة على تساؤلاتنا، ونعرف ما نحبّ وما لا نحبّ، وندرك من نحن حين ننظر الى أنفسنا أمام المرآة. علماً أنني لستُ ضدّ الأخذ بنصائح الآخرين والاستماع لهم، خصوصاً حين نكون في فترات صعبة. لكنّ الإصغاء الى صوت قلبنا والإهتداء بنور روحنا هما أساس التوازن.




ظهرت في بداية الفيديو وأنت تبكي. هل القصد من ذلك أنّ لا عيب في أن يُظهر الرجال ضعفهم وانكساراتهم؟ أم هناك رسالة أخرى؟

سأكون صادقاً معكِ، كلّ المشاهد في الكليب صوّرناها بطريقة عفوية، ولم يكن هناك أيّ خطة أو ما يسمى بالـStory board. حملتُ الكاميرا مع زميلي المخرج جوزف مالك ومشينا في الطبيعة وعلى شاطئ البحر. وبالعودة الى مشهد البكاء، كان حقيقياً جداً ولم يكن متعمّداً. من هُنا أودّ أن أشير الى أنني لا أخاف أو أخجل من التعبير عن مشاعري. فالكاتب هو شخص جريء، خصوصاً حين تنبع كتاباته من تجارب شخصية ومن واقع حياته. والتعبير عن الضعف هو بحدّ ذاته قوّة. البكاء لا ينتقص أبداً من قيمة الرجل، على العكس، بل يصقل شخصيته ويجوهرها.




ما الدلالة على اختيارك شاطئ البحر للتصوير، وماذا عن لونَي الأسود والأبيض؟



أنا شخصياً أشعر بأنّ الشاطئ هو المكان الذي أكون فيه أكثر قرباً الى أعماقي. حين كنا بصدد إنهاء عملية المونتاج قبل إطلاق الكليب، اقترح عليّ أحد الأصدقاء الذي يعمل في مجال التصوير والإخراج أن تكون ألوان العمل موحّدة ضمن الأسود والأبيض، كونها ترمز بشكلٍ عام الى الشفافية والحقيقة. وقد أقنعني بذلك، بحيث يكون التركيز على المحتوى والمشاعر قبل طريقة التصوير أو الألوان. وهذا ما أردته من العمل.




أنت مصرّ منذ سنوات على إنتاج الأفلام القصيرة والكليبات رغم الإمكانات المحدودة. ما الذي يعطيك هذا الاندفاع المستمرّ؟



صحيح، لأنّها الطريقة الوحيدة التي تساعدني على التعبير عمّا أعيشه. ربّما ليس إصراراً، إنما ممارسة عفوية تأتي نتيجة اختباري شعوراً ما، سلبياً أو إيجابياً. وحين يصارحني البعض بأنّني عبّرتُ عن إحساس يشعرون به لكنهم لم يعرفوا كيف يرتّبونه، أو تعليقات تشكرني لأني ترجمتُ أفكارهم بصوتي، هذه العبارات تمنحني الدافع الأكبر. مع الإشارة الى أنّ العمل يصل الى القلوب بقدر ما يكون صادقاً، بغضّ النظر عن التكلفة المادية لإنتاجه.




كيف تتعامل مع التعليقات وردود الفعل بعد كلّ عمل؟



التعليقات الإيجابية تشعرني بالكثير من الفرح والإمتنان، وتمنحني دافعاً كبيراً كي أستمرّ. في المقابل، إذا تلقّيتُ تعليقات سلبية من أشخاص أعلم أنّهم يحبونني ويتمنّون لي الخير وأنهم يحكمون على العمل بطريقة موضوعية، أحرص كثيراً على أخذ رأيهم بالإعتبار، لأنّ انتقادهم لم يأتِ عن حسد. أما الذين ينتقدون لمجرّد تحطيم الآخرين فلا أهتمّ لتعليقاتهم، خصوصاً إن كانوا غير محترفين في الكتابة أو السينما والتصوير.









معظم الشباب اللبناني يخوض اليوم معارك عنيفة بين يأس وإحباط وأحلام فارغة. انطلاقاً من كليب "الى نفسي"، كيف ترى أهمية التوعية حول الصحة النفسية؟



ربّما أكثر ما يحتاجه مجتمعنا اليوم هو التوعية حول هذه المسألة. على الفئة الشبابية أن تدرك أنّه ليس عيباً أن نشعر بأننا لسنا بخير أحياناً. وأنّ الخيبات والإنكسارات التي نعيشها هي أمر طبيعي. فحياتنا ليست مثالية، وليس بالضرورة أن تكون كذلك. وحين نقارن حياتنا بحياة غيرنا، خصوصاً من خلال ما نراه عبر مواقع التواصل الإجتماعي سنشعر بالإحباط. ليس عيباً أن نطلب المساعدة والدعم. ومن الصحّي أن نلجأ الى معالج نفسي، لأنّ كلّ شخص منا يحمل في داخله ندوباً من الماضي. وشخصياً أرى أنّ العلاقات الصحية وتواصلنا مع أشخاص إيجابيين وداعمين، إضافة الى الإيمان بربنا، أمران يشكّلان نصف العلاج لمعظم إضطراباتنا النفسية. والنصف الآخر يمكن أن نتخلّص منه عبر لجوئنا الى متابعة نفسية مع إختصاصيين.




MISS 3