لماذا لا يطبّق المسيحيون وغيرهم من اللبنانيين بقوة الأمر الواقع اللامركزية الموسّعة وأكثر وهو أمر يطبقه «حزب الله» في مناطق نفوذه ويمكن لباقي القوى اللبنانية أن تتخذه نموذجاً باستثناء السلاح، وأن تلتزم الدولة المركزية بعدم تطبيق سياسة الصيف والشتاء فوق سقفٍ واحدٍ، فتمنع عن باقي المواطنين ما تبيحه لـ»الحزب»، علماً أنّ ما يمكن القيام به لن يكون بالضرورة مخالفاً للقانون.
وفي هذا المجال يتحدث البعض مثلاً عن «القرض الحسن» لدى «حزب الله» ونظامه هو أنّه بإمكانك الحصول على قرضٍ مالي مقابل رهن الذهب وأن تعيد هذه الأموال من دون تقاضي فوائد عليها، والسؤال ألا يمكن لأي حزبٍ مسيحيٍ كبير أن يقوم بخطوةٍ مماثلةٍ تؤمن قروضاً للمحتاجين في مجالات معينة ولا سيما الإسكان؟ قد يقول البعض إنّ «حزب الله» يحصل سنوياً على مئات ملايين الدولارات من إيران، فمن أين سنأتي نحن بالأموال؟
من المؤكد أنّ هناك مئات المتمولين اللبنانيين المسيحيين في لبنان والخارج هم على استعدادٍ للمساعدة إذا ما قدمت لهم مشاريع تنفذ بطريقة شفافة وحوكمة رشيدة وتضمن النتائج ليس فقط في مجال القروض، بل في مجالاتٍ أخرى مثل دعم بلدياتٍ واتحادات بلديات في مشاريع إنمائية وخدماتية من النقل إلى الكهرباء والمحروقات إلى النفايات إلى البيئة إلى المياه، ويمكن أيضاً الذهاب بهذه المشاريع إلى مجالات أوسع كالإستشفاء والتعليم.
إن الهدف الإساسي من هكذا مبادرات ومشاريع وتحركات هو خلق إكتفاءٍ ذاتي في كل قرية وبلدة ومدينة ومنطقة بحيث لا يتأثر السكان هناك بأي نقصٍ ناجم عن عجز لدى الدولة المركزية، وعدم هدر أموالهم في دفع رسوم لقاء ما تبقى من خدمات محدودة للدولة يستفيد من عائداتها المالية من لا يقوم بواجباته تجاهها.
قد يحاول البعض أن يقول إنّ طروحات كهذه ليست منطقيةً وتحتاج إلى إمكاناتٍ كبيرة، ولكن الرد أنّ الإمكانات موجودة بالتأكيد وتستطيع الكنيسة أيضاً أن تلعب دوراً كبيراً في هذا الإطار، ولكن ما قد لا يكون متوفراً هو إرادة العمل والتحدي عند البعض وعجزهم عن وضع مشاريع لا تشوبها شائبة، علماً أنّ التنافس في هذا الإطار هو تنافس على فعل الخير وحفظ هوية لبنان وتعدديته، ولن يكون المواطنون المستفيدون من هكذا مشاريع ومبادرات سوى خط الدفاع الأول والصلب عن الجهات التي بادرت، ولن يتوانى هؤلاء عن التصدي حتى للسلطة المركزية إن حاولت عرقلة خطواتٍ من هذا النوع.
إن انتظار قيام دولة في لبنان قد يطول، وانتظار إقرار اللامركزية رسمياً قد لا يحصل، وأثبتت كل التجارب في هذا البلد أنّ فرض الأمر الواقع هو الحل الوحيد الذي يعطيك ما تريد ويُلزم الآخرين بالاعتراف بدورك ووجودك في شكل فعلي وليس في سياق كلامٍ لا يستقيم مع الواقع.