رفيق خوري

الرجم بالغيب الرئاسي ومعاناة "الدولرة السياسية"

25 آذار 2023

02 : 00

كان تيب أونيل رئيس مجلس النواب التابع للكونغرس يقول: "كل السياسات محلية". لا في بلد صغير معزول بل في أميركا القوة العظمى على قمة العالم والتي لها اليوم 800 قاعدة عسكرية في الكثير من البلدان. أما في لبنان التاعس الذي جاء في المرتبة 136 قبل أفغانستان من بين 137 دولة حسب تصنيف الدول الأكثر سعادة، فإن كل السياسات تدور كأنها محلية، وتدار على أساس أنها خارجية. وليس ما نسمعه في أزمة الشغور بعد خمسة أشهر سوى تنويع في الرجم بالغيب الرئاسي. مواقف بعض الكتل والنواب مدار تصورات وخيالات. والأحاديث عن مواقف الدول تكهنات وأمنيات. و"محور الممانعة" الذي يكرر الخطاب عن "حصار أميركي" على لبنان يعمل على "كسره"، يتعلق بحبل هواء هو كلام ديبلوماسي أميركي يخفي السياسة، ويأمل في تغيير الموقف السعودي.

ذلك أن لعبة الأسماء التي يهرب منها كثيرون في الإستحقاق الرئاسي هي مسألة خلاف أعمق بين فريقين ومشروعين: فريق يريد الإستمرار في القبض على الجمهورية مقابل مظاهر الرئاسة. وفريق يريد إستعادة الجمهورية والرئاسة الفعلية. ولا أحد منهما قادر على تحقيق ما يريده. فالبلد محكوم بمعادلة رهيبة: عقم سياسي في أخطر أزمة وطنية وسياسية، وكثرة توالد أزمات مالية وإقتصادية وإجتماعية. والذين يتحركون بين من لا يلتقون ولا حوار بينهم بل سجال سخيف، هم السفراء والزوار العرب والدوليون.

والوقت حان للتوقف عن خداع النفس والآخرين. فالمشكلة قبل دولرة الأسعار هي "الدولرة السياسية". ولا جدوى من الألعاب التي يقوم بها حاكم البنك المركزي، ضمن سياسة نقدية بلا نظام مصرفي فعلي ولا إقتصاد حقيقي. ولا فائدة من الدعوات والرهانات في الداخل والخارج على قيام المافيا السياسية والمالية والميليشيوية الحاكمة والمتحكمة بإجراء إصلاحات والتوصل الى إتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي وإعادة الإنتظام الى المؤسسات. فالوضع الحالي الفالت من أية رقابة ومحاسبة والمفتوح على الفساد والهدر والسطو وضمان المصالح الشخصية والفئوية هو الوضع المثالي بالنسبة الى المافيا. واللامعقول هو أن نراها تعيد الحيوية الى المؤسسات وتعمل على مشروع بناء دولة.

واللبنانيون المتروكون لمواجهة قدرهم متروكون عملياً لمواجهة ما هو أخطر. فالقدر قد يكون رحيماً. أما قدر المافيا الذي نحن تحت رحمته، فإنه لا يرحم. وأما الثورة الشعبية على المافيا، فإنها حلم ليلة صيف، بعدما رأينا ما فعلته المافيا بحلم ليلة خريف عام 2019. ومن الصعب أن يتكرر في لبنان المشهد الذي رأيناه في سريلانكا. حتى تقليد اللبنانيين لفرنسا في أمور كثيرة، فإنه يتوقف عند النموذج الحالي، حيث التظاهرات الصاخبة في الشوارع ضد قضية أبسط بكثير من قضايانا هي رفع سن التقاعد من 62 الى 64 سنة. ومع أن كل من يضرب ويطالب بتحسين وضعه في لبنان هو على حق، فإن الحقيقة هي أن المافيا لم تترك لهم شيئاً.

المفكر السلوفيني سلافوي جيجيك يتخوف من "همجية بوجه إنساني". لكن اللبنانيين ضحايا إنسانية كاذبة بوجه همجي حقيقي.


MISS 3