مع كل "طلعة شمس" تتأكد المنظومة الحاكمة أنّ أرضية الدولة لم تعد أرضاً خصبة لزرع بذور الصفقات وقطف ثمار السمسرات بعيداً عن مساءلة الناس والإعلام الحر في البلد، وما إجهاض فضيحة صفقة توسعة المطار سوى صفعة جديدة في هذا الإطار سارع "حزب الله" إلى احتوائها بعد افتضاح أمرها بشكل فاقع أمام الرأي العام الداخلي والخارجي، فعمل على تداركها وتطويق ذيولها بأن بادر إلى "لحس" توقيع وزيره علي حمية عن عقد التراضي دافعاً إياه إلى الخروج بمؤتمر صحافي ليعلن بلسانه: "بناءً على طلب من الجهة التي أتشرف في تمثيلها في الحكومة اللبنانية وهي "حزب الله"، وحسماً للاختلاف الحاصل والجدل الحاصل أعلنها وبكل شجاعة عدم السير بالعقد واعتباره وكأنه غير موجود".
فبعدما فاحت روائح الفساد من هذه "الصفقة"، رأت مصادر مواكبة للقضية أنّ "حزب الله" لم يجد أمامه سوى المسارعة إلى انتشال نفسه من مستنقع الشبهات الذي أغرقه به حمية، عبر إجباره على إلغاء الصفقة بعد أقل من أسبوع على تفاخره بإنجازها "بالتراضي" من خارج إطار قانون الشراء العام، داعيةً إلى مواصلة الضغط "لإعادة النظر فوراً في صفقات أخرى كان قد مررها الوزير نفسه بالتراضي وأبرزها في مرفأ بيروت".
أما على المستوى الخارجي، فعلّقت مصادر ديبلوماسية دولية على هذه الفضيحة، بالإعراب عن أسفها لحجم الترهل الحاصل في إدارة شؤون الدولة اللبنانية، مبديةً استغرابها لكيفية "إبرام عقد بهذه الخطورة وإلغائه بهذه البساطة" بوصفه مؤشراً إن دلّ على شيء فعلى تكريس وتعميق حالة "انعدام الثقة الدولية بشفافية المسؤولين في السلطة اللبنانية".
وتزامناً، برز أمس تشديد الولايات المتحدة على أنّ "لبنان ليس لديه مخرج آخر من أزمته سوى التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي" حسبما أكدت مساعدة وزير الخارجية الأميركي باربارا ليف، بالتوازي مع تجديد الخارجية الأميركية دعوتها الأفرقاء اللبنانيين إلى "الإسراع في انتخاب رئيس جديد للبلاد".
وعلى المقلب الفرنسي من الأزمة الرئاسية، استرعى الانتباه أمس استدعاء باريس لمرشح "الثنائي الشيعي" رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية إثر اتصال عاجل ورده من المسؤول عن الملف اللبناني في الإليزيه باتريك دوريل دعاه خلاله إلى زيارة فرنسا اليوم للتشاور في مستجدات الموقف من الاستحقاق الرئاسي.
وأوضح مصدر مطلع على مستجدات الحراك الرئاسي أنّ "السبب الرئيس الذي جعل فرنجية يتريث في عقد مؤتمر صحافي لإعلان ترشيحه وبرنامجه للرئاسة، هو التوجّس المتعاظم لديه من أن تؤدي المعادلات الإقليمية التي تصاغ راهناً إلى تراجع "حزب الله" عن دعم ترشيحه في حال ثبت له أنّ هذا الترشيح لم يعد يتماشى مع ضرورات التقارب الإيراني مع المملكة العربية السعودية".
وأوضح المصدر أنّ ما تواتر من معلومات ومعطيات في هذا السياق يشي بأنّ "هناك إنطلاقة إيرانية جدّية باتجاه محاولة تصفير الأزمات مع الرياض في المنطقة بدءاً من اليمن، الأمر الذي سينسحب بطبيعة الحال على سائر ملفات الإقليم ومن ضمنها الملف اللبناني"، كاشفاً أنّ "فريق العمل المحيط برئيس "تيار المردة"، والذي يخوض معركته الرئاسية، تبدو حالة الترقب جلية عليه في الآونة الأخيرة تحت وطأة القلق المتزايد من انعكاس الاتفاق الإيراني - السعودي على موقف "حزب الله" الرئاسي، ربطاً بالقناعة بأنه إذا تم الذهاب إلى تسوية شاملة تحت سقف هذا الاتفاق، فحينها لن تسمح طهران بأن تجعل من ملف الرئاسة اللبناني سبباً لإعادة توتير العلاقة مع السعودية التي صار واضحاً أنها لن تتخلى عن موقفها المبدئي وكلمتها الوازنة في هذا الاستحقاق".