بشارة شربل

شراكة في العنصرية

7 نيسان 2023

02 : 00

ما كنت لأدخل في سجال وزير الثقافة محمد وسام المرتضى والسياسي العوني ناجي حايك، ليس تعفّفاً ولا تشاوفاً، بل لأنني، كما كثيرين، سئمت شحذ السكاكين في كلّ ما يشبه برامج "التوك الشو".

غيَّرت رأيي كون المتساجلَين غير هامشيين. المرتضى يمثل رأياً عاماً شيعياً وازناً بحكم أنه وزير "الثنائي" وأبرز وجوهه الثقافية، فيما حايك قيادي معروف يمثل رأياً مسيحياً شعبياً عابراً لـ"البيئة" المسيحية، وكلاهما شريك في "تفاهم مار مخايل". وهالَني أن السجال بين الطبيب العالي النبرة والفج الصراحة، وبين القاضي البارع في "مكيجة" قناعات منافية لقيم العالم الحديث، عبَّر بوضوح عن لا ديموقراطية عميقة وكشف بطن العنصرية الكامنة لدى الطرفين وجمهوريهما حول مسائل بديهية تتعلق بإنسانية الانسان وبالحقوق الأصلية لأي فرد أو شعب.

بتوتره المعهود وأفكاره المسبقة واتهاماته الجاهزة وخوفه الأقلوي المكبوت، انفجر حايك رافضاً أن يطلق الوزير اسمَ شيرين أبو عاقلة على إحدى قاعات المكتبة الوطنية التابعة لوزارة الثقافة، داعياً الى استشارته في هذا الأمر انطلاقاً من قناعة لديه بأن القضية الفلسطينية ليست شأناً لبنانياً.

سقط حايك مرّتين. الأولى، لأن لا قاعة باسم الصحافية الشهيدة، بل صورة في زاوية. وثانياً، لأنه أظهر عنصرية مقيتة تجاه الفلسطينيين لا يستطيع تجميلها بالنأي عن النفس عن "قضيتهم العادلة" خصوصاً أن وتَره الطائفي لم ينبض لمسيحية شيرين أو يشفع لصورتها بأن تحتل مقدار حجمها في المكتبة.

ردُّ الوزير المرتضى لم يكن أفضل بكثير. أنيق الشكل، فصيح العبارات. لكن عنصريته أوسع من ضيق أفق خصمه وافتقاده أدوات التعبير. ترفَّع عن تسمية حايك مستعيناً بمخائيل نعيمة (لأنه اسم مسيحي، فيما معتقدات ناسك الشخروب لا يحدُّها كتاب واحد) لينعته بالجهل، وحاشراً "الشهداء" من خارج السياق ليجعل الآخر مدنِّساً للمقدسات. ألاعيب لغوية جديرة ببروباغندا جهاز دعائي. أو أن معاليه اعتقد نفسه في حلبة ملاكمة، من قواعدها أن تضرب خصمك على الأنف ليدمى، ثم تعاجله على الرأس ليختل، قبل أن تطرحه بـ"القاضية". أما "فصل المقال" في السجال فأراد به الوزير دغدغة مشاعر المسيحيين، معتبراً أن شيرين قُتلت "على أيدي من وصفهم المسيح بأنهم القتلة بنو القتلة". ويا للهول فقد ذكَّر المسيحيين بأن اليهود صلبوا يسوع إبن الله وكأنه يعيِّرهم بأنهم بعد مرور أكثر من ألفيتين يقعدون عن واجب الجهاد والثأر لضعف العقيدة وقلة الايمان وذهاب إرادة القتال!

حايك والمرتضى شريكان في العمق، ولا تزال تعتمل في داخلهما مشاعر "الحرب الأهلية" وتوابعها، ولو بمفعول رجعي.

الأول، فهِم المصالحة المسيحية الفلسطينية بأنها انعتاق من قضية الفلسطينيين، والآخر يُسقط الاستقواء الشيعي الحالي على حالة مريضة ليظهر بمظهر المنتصر سياسياً وفكرياً وأخلاقياً. حايك لم يستوعب أن شيرين أيقونة عالمية، لكلّ حرّ وذي كرامة حصة فيها. إعلامية مقدامة سقطت برصاص إجرامي متعمّد لجيشٍ محتل. أما قصة الفلسطينيين في لبنان فالأفضل الاكتفاء باعتراف منظمة التحرير بأنها تورّطت وورّطت اللبنانيين في حرب لا نزال نجرّ أذيالها. من هنا، قليلٌ أن نفرد لشيرين زاوية في مكتبة، أو أن نسمّي شارعاً باسمها، وتستحق أن نجعلها عنوان شراكة دائمة قوامها حقّ الشعوب في الحرية وحقّ الصحافة في الشهادة للحق.

الثاني، يعتقد أن الثقافة هي البلاغة، وأن الغرْف من قاموس الممانعة يحصِّن موقعه الثقافي. هو القاضي الذي أخطأ تكراراً في الحيثيات والأحكام، من تأييده تنفيذ فتوى الخميني بسلمان رشدي، مروراً بالمشهد "التاريخي" في مجلس الوزراء منعاً لتنفيذ مذكرات البيطار، وصولاً الى التحريض على اليهود كدين وليس على الصهاينة المحتلين، من غير أن ينتبه الى المصالحات التي كرّسها البابا بولس السادس مشيداً بالشراكة في "العهد القديم" والى سائر خطوات "التعايش" الفاتيكانية مع كل الديانات الابراهيمية.

في "الجمعة العظيمة"، تذكير لمعالي الوزير بأن المسيح قال "على الصليب": إغفر لهم يا أبتاه لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون؟". أتكون معنياً معاليك بالثأر أكثر من الذي "عُلِّق على خشبة؟".


MISS 3