جواد الصايغ

ليلة "الإنقلاب الكبير" في الانتخابات الأميركيّة

5 آذار 2020

08 : 00

بايدن يُخاطب حشداً من مؤيّديه في لوس أنجليس أمس الأوّل (أ ف ب)

ليلة إستثنائيّة بكلّ المقاييس عاشها جو بايدن في انتخابات «الثلثاء الكبير»، فنائب الرئيس السابق الذي كان قبل أيّام قليلة في موقع لا يُحسد عليه بين المرشّحين الديموقراطيين للإنتخابات الرئاسيّة، إكتسح معظم الولايات في يوم واحد محقّقاً نتائج كبيرة وفارضاً نفسه المرشّح الأبرز بين نظرائه، بحيث ساهمت أرقامه الكبيرة في اتخاذ مايكل بلومبيرغ قراره بالانسحاب من الانتخابات وإعلان دعمه الكامل له.وبمقابل نشوة الإنتصارات التي عاشها بايدن، أسدل «الثلثاء الكبير» الستارة على اكتمال فصول «الإنقلاب الإنتخابي الكبير» على سيناتور فيرمونت بيرني ساندرز، الذي وعلى الرغم من فوزه في ولايات كولورادو وكاليفورنيا وفيرمونت ويوتاه، غير أنّه وبقراءة معمّقة للأرقام يتبيّن أنّه خرج بخسارة فادحة في يوم كان يُعوّل عليه كثيراً لقطع شوط كبير في سبيل نيل بطاقة ترشيح الحزب الديموقراطي.

عوامل عديدة ساهمت بتصدّر بايدن للمشهد الإنتخابي، فالإنتصار الذي حقّقه ليل السبت في ساوث كارولاينا أعاد الحياة إلى حملته بعد ثلاث خسائر كبيرة في آيوا ونيوهامبشير ونيفادا، وتوالت الأنباء السارة مع ساعات المساء الأولى يوم الأحد الفائت عقب إعلان عمدة ساوث بيند السابق بيت بوتيدجيدج إنسحابه من السباق الرئاسي، وما كاد نهار الإثنين ينقضي حتّى أعلنت سيناتور مينيسوتا إيمي كلوبوشار إنسحابها أيضاً ودعمها لبايدن، حالها كحال بوتيدجيدج، ليظهر بعد ذلك المرشّح السابق بيتو أوروك إلى جانبه في تكساس معلناً دعمه لحملته الإنتخابيّة، الأمر الذي ساهم بقلب المعادلة في ثاني أكبر الولايات رأساً على عقب، فتمكّن من الفوز بها تاركاً ساندرز في مهبّ الريح.وفعل انسحاب بوتيدجيدج وكلوبوشار فعله، خصوصاً وأن القاعدة الشعبيّة للمرشّحَيْن تنتمي بمعظمها إلى شريحة المعتدلين الديموقراطيين، ما يعني أن حصّة الأسد من أصواتها ستذهب لصالح بايدن. هذه العوامل مجتمعة إنعكست بشكل رئيسي على الناخبين الديموقراطيين الذين كانوا حتّى الساعات الأخيرة قبل فتح مراكز الاقتراع لم يحسموا نواياهم التصويتيّة، ولكنّهم صوّتوا بمعظمهم لبايدن في نهاية المطاف.

التغيّرات الكبيرة على الخريطة، جعلت ساندرز في موقف صعب، فمن جهة لم يكن قادراً على جذب نسبة كبيرة من أنصار المنسحبين رغم محاولاته، ومن جهة ثانية إنشغل في تثبيت مواقعه داخل الجناح اليساري في وجه سيناتور ماساتشوستس اليزابيث وورن، التي تُقاسمه إلى حدّ كبير القواعد الشعبيّة نفسها.


ومع انتهاء اليوم الإنتخابي، تبيّن أن جو بايدن فاز في ولايات ماساتشوستس، فيرجينيا، ألاباما، أوكلاهوما، أركنساس، مينيسوتا، نورث كارولاينا، وتكساس التي كانت التوقّعات تُشير إلى خروجه خالي الوفاض منها، بينما حصد ساندرز ولايات يوتاه، فيرمونت، كاليفورنيا وكولورادو. أمّا مايكل بلومبيرغ فقد ظهر للمرّة الأولى في لوائح الفائزين حاصداً أصوات خمسة مندوبين في جزر ساموا من أصل ستة، لكن انتصاره اليتيم لم يكن ذي طعم مقارنةً بالثروة الطائلة التي أنفقها استعداداً ليوم «الثلثاء الكبير».


ساندرز يُحيي مناصريه في معقله في فيرمونت أمس الأوّل (أ ف ب)



صحيح أن ساندرز فاز بعدد من الولايات بينها كاليفورنيا، لكن قراءة الأرقام تكشف الواقع الصعب لسيناتور فيرمونت بعد خروج بوتيدجيدج وكلوبوشار من المنافسة، والبداية من الشمال الشرقي للولايات المتحدة وتحديداً من معقله في فيرمونت، حيث حصل على 11 مندوباً وبايدن على 5 بواقع 75 ألف صوت مقابل حوالى 33 ألف صوت.

ويتّضح التراجع الكبير لساندرز في هذه الولاية عن انتخابات 2016، عندما تمكّن من انزال هزيمة كاسحة بهيلاري كلينتون، التي خرجت برصيد صفر مندوبين وبنتيجة تاريخيّة، إذ حصلت فقط على 18338 مقابل 116900 صوت لساندرز.

ومن فيرمونت إلى جارتها ماساتشوستس، التي كان ساندرز مرشّحاً فوق العادة للفوز بها رغم كونها أرض اليزابيث وورن، حقّق بايدن انتصاراً عريضاً فيها حارماً منافسه من الحفاظ حتّى على الأرقام التي حقّقها العام 2016 يوم نال أصوات 45 مندوباً، وجاءت وورن في المركز الثالث.

وجدير بالذكر أن نائب الرئيس لم يعر هذه الولاية أي اهتمام على صعيد المهرجانات الانتخابيّة والانفاق على الإعلانات، واكتمل المشهد السيّئ لساندرز في ماين التي سيتقاسم أصواتها مع منافسه في أحسن الأحوال.وإذا كان فوز بايدن في فيرجينيا ونورث كارولاينا وألاباما متوقّعاً إلى حدّ ما، في ظلّ الدعم الكبير الذي يلقاه من قبل الناخبين الأميركيين من أصل أفريقي، إذ حصد أصوات أكثر من 60 في المئة منهم، فإنّ فوزه في أركنساس وأوكلاهوما مثّل صدمة كبيرة لعمدة نيويورك السابق مايكل بلومبيرغ، الذي كان يمني النفس بالفوز بالولايتَيْن لكنّه خرج بنتيجة هزيلة جدّاً لم يتوقّعها أشدّ المتشائمين له، واستفاد بايدن كثيراً من انسحاب كلوبوشار بعدما أضاف ولايتها مينيسوتا إلى رصيده، وسجّل أيضاً انتصاراً كبيراً في تينيسي وحلّ ساندرز ثانياً مع تراجع جديد في أرقامه مقارنة بـ2016.

وبالمقابل، فإنّ انتصارات ساندرز عكّرتها النتائج، ففي يوتاه تمكّن بلومبيرغ ومعه ساندرز من انتزاع أصوات عدد من المندوبين في الولاية الصغيرة أساساً، ولم تختلف الظروف كثيراً في كولورادو. أمّا في كاليفورنيا، فرغم فوزه غير أن تداعيات انسحاب كلوبوشار وبوتيدجيدج ظهرت بشكل جلي فيها، فاستطلاعات الرأي التي أُجريت السبت الماضي كانت تُشير إلى إمكانيّة عدم تمكّن جميع منافسيه من الحصول على 15 في المئة من الأصوات، أي النسبة التي تُخوّلهم فعليّاً الحصول على أصوات بعض المندوبين، ولكن النتائج التي بدأت بالصدور في الولاية تظهر حصول بايدن على حوالى 24 في المئة، واقتراب بلومبيرغ من 15 في المئة، ويتصدّر سيناتور فيرمونت بنسبة 33 في المئة.وفي تصوّر أوّلي لتوزّع أصوات المندوبين، يُنتظر أن يحصل بايدن على 453 مندوباً، مقابل 390 تقريباً لساندرز، وستتراوح حصّة وورن بين 50 و60 مندوباً وسيأتي مايكل بلومبيرغ في المركز الرابع.ومع انتهاء فعاليّة «الثلثاء الكبير» الإنتخابيّة، أصبح بايدن مرشّحاً فوق العادة لكسب ترشيح حزبه، وسيستفيد في الأيّام المقبلة من عوامل جديدة ستدخل على الخط، أبرزها من دون أدنى شك انسحاب مايكل بلومبيرغ الذي لن تشذّ قاعدته الانتخابيّة عن قواعد بوتيدجيدج وكلوبوشار، وبالتالي أصوات جديدة ستُضاف إلى رصيده، كما أن المواجهات الانتخابيّة المقبلة ستجرى في ولايات يُتوقع أن يكسبها بسهولة، خصوصاً تلك المعروفة بولايات «حزام الصدأ» كبنسلفانيا وأوهايو وويسكونسن، وسيكون مرشحاً للفوز في فلوريدا ونيويورك وايلينوي، وبدرجة أقلّ في ميتشيغان.


MISS 3