ريتشي إينغار

"سيليكون فالي" تسبق واشنطن في انفصالها عن الصين

12 نيسان 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

"سيليكون فالي"، كاليفورنيا | الولايات المتحدة الأميركية

بعدما تدفّق أصحاب الرساميل الأميركيون إلى الصين على مرّ أكثر من عشر سنوات، بدأ هؤلاء يخفّفون تواصلهم مع القطاع التكنولوجي الصيني في السنوات الأخيرة، ويتعلّق السبب الأساسي بزيادة التوتر الجيوسياسي وتصاعد القيود الاستثمارية في واشنطن وبكين في آن.



وفق بيانات شركة "بيتش بوك" البحثية، شارك المستثمرون الأميركيون في صفقات بقيمة 7.2 مليارات دولار في القطاع التكنولوجي الصيني خلال السنة الماضية، وقد تراجعت هذه القيمة بعدما بلغت ذروتها (35.6 مليار دولار) في العام 2018. كذلك، بلغ عدد الصفقات أدنى مستوياته منذ خمس سنوات. لامت شركة التداول العالمية "إس أند بي غلوبال" ، التي نشرت أرقاماً مشابهة، سياسة "صفر إصابات" الصينية الصارمة، والمشاكل الناجمة عنها على مستوى سلسلة الإمدادات، وتصاعد التوتر بين بكين وواشنطن، "ما دفع بعض المستثمرين إلى التحرك بحذر مضاعف".

يقول محامٍ من شنغهاي يقدّم التوصيات إلى المستثمرين الأميركيين والصينيين على حد سواء (تكلم شرط عدم الإفصاح عن هويته) إن الاستثمارات في القطاع التكنولوجي في كل من البلدين "انهارت بكل وضوح" في النصف الثاني من عهد دونالد ترامب، وهو يعتبر 90% من هذا التراجع "سياسياً" بطبيعته.

ورغم رحيل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، من المستبعد أن يتغيّر هذا الوضع في أي وقت قريب. تابع الرئيس جو بايدن جزءاً من مقاربة سلفه المتشددة تجاه الصين، حتى أنه وسّع نطاقها أحياناً، ففرض قيوداً متزايدة على تصدير أشباه الموصلات المتقدمة وأطلق حملة موسّعة لحظر التطبيـــق الصينـي "تيك توك". كذلك، فرضت إدارة بايدن عوائق إضافية على الاستثمارات التكنولوجية الصينية في الولايات المتحدة عبر إصدار أمر تنفيذي، في شهر أيلول الماضي، وهي تستعدّ لاتخاذ خطوات مشابهة في مجال الاستثمارات الأميركية الخارجية، ويُفترض أن تتخذ هذه القرارات طابعاً رسمياً خلال الأشهر المقبلة.

يبدو أصحاب الرساميل مستعدين لهذه المرحلة. تفيد التقارير بأن شركة Sequoia Capital (واحدة من أكبر الشركات الاستثمارية في "سيليكون فالي" وتشمل تعاملاتها مع الصين الشركة الأم لتطبيق "تيك توك"، ByteDance، وقد حصد فرعها الصيني أكثر من 8 مليارات دولار في السنة الماضية) استعانت بخبراء خارجيين في مجال الأمن القومي للتدقيق برهاناتها الصينية. رفضت الشركة التعليق على الموضوع.

تقول روي ما، محللة تكنولوجية في سان فرانسيسكو ومستثمرة أسست موقع Tech Buzz China: "أصبحت الاستثمارات بين البلدين غير مترابطة بأي شكل في الوقت الراهن، ويتعلّق السبب الأساسي بالقيود التي تزيد الأعباء على من يقرر استثمار الرساميل الصينية في الولايات المتحدة واحتمال فرض ضوابط قد تُصعّب على الولايات المتحدة الاستثمار في الصين. تتمحور الرساميل الاستثمارية في المقام الأول حول التحكّم بالمخاطر. يقوم المستثمر في هذه الحالة بصفقات كبرى، ويتعامل مع ظروف السوق، ويواجه أحياناً مخاطر تكنولوجية معينة حين يستثمر في هذه الشركات، ما يعني أنه لن يرغب في التعامل مع مخاطر سياسية أو جيوسياسية أيضاً، إذ يبقى هذا النوع من المخاطر خارجاً عن السيطرة".

انتقل آندي تانغ، شريك في شركة الرساميل الاستثمارية Draper Associates، إلى الصين في العام 2006 لإنشاء صندوق Draper Dragon والتركيز على الاستثمارات العابرة للحدود بين البلدين، ثم عاد إلى منطقة خليج سان فرانسيسكو في العام 2010. يتابع صندوق Draper Dragon نشاطاته، لكن يديره الآن فريق في الصين، وهو يجمع الأموال راهناً من مستثمرين صينيين بالعملة الصينية.

يوضح تانغ: "بالنسبة إلينا، بدأ فك الارتباط الاستثماري فعلياً في العام 2015، وقد أصبحت الاستثمارات بين الطرفَين غير مترابطة بأي شكل اعتباراً من المرحلة الراهنة. يتولى الفريق الأميركي الاستثمارات الأميركية، بينما يتولّى الفريق الصيني الاستثمارات الصينية. نحن نتقاسم الماركة نفسها والإرث عينه، لكن حصل فك الترابط بطريقة شبه تلقائية. أصبح المستثمرون الأميركيون والصينيون أكثر ميلاً إلى الاستثمار محلياً، ويتعلق جزء من السبب بـ"قوى السوق" (أصبحت الفرص الاستثمارية والرساميل في البلدين وافرة اليوم)، لكن حصل ذلك أيضاً لأن المعنيين يدركون طبيعة المناخ الجيوسياسي". في "سيليكون فالي"، بدأ الشرخ يتوسّع بغض النظر عن الخطوات التي تتّخذها واشنطن. يقول جيف فيلدز، مساعد المسؤول الخاص عن الفرع التابع لمكتب التحقيقات الفدرالي في سان فرانسيسكو والمعنيّ بشؤون مكافحة التجسس، إنه وجد جمهوراً يزداد تجاوباً مع تحذيراته بشأن التجسّس عن طريق الاستثمار. يتمحور معظم نشاطات فيلدز حول التواصل مع أعضاء من مجتمع "سيليكون فالي"، بما في ذلك مؤسسو الشركات الناشئة، والمستثمرون، والأكاديميون، بشأن مخاطر الخصوم الذين يسرقون تقنياتهم أو يسيئون استعمالها عبر اللجوء إلى طرق شرعية مثل المشاريع المشتركة والاستثمارات الاستراتيجية.يضيف فيلدز: "يبرع خصومنا، لا سيما الصين، في رصد كل واحدة من نقاط الضعف في تلك البيئة ويجيدون استعمالها لمصلحتهم عبر وسائل التجسس التقليدية، لكنهم يستغلونها أيضاً عبر أساليب يسهل إخفاؤها. ثمة سبب وجيه وراء رغبتهم في إجبار الشركات على قبول المشاريع المشتركة، فهم يستطيعون في هذه الحالة استعمال قوانينهم وسياساتهم المحلية لإضعاف الشركات غير الصينية".

يظن فيلدز أن نزعة "سيليكون فالي" إلى التواصل مع فريقه شهدت "زيادة متسارعة" في الفترة الأخيرة لأن الحرب في أوكرانيا جلبت مخاطر التجسس الخارجي إلى البلد بعدما بدا هذا التهديد نظرياً في السابق.

لكن لا يبحث الجميع عن مخرج. في كانون الثاني، بعد أشهر من بذل جهود شاقة وإتمام معاملات ورقية وافرة، نقل تايلور أوغان شركته الاستثمارية Snow Bull Capital من بوسطن إلى معقل التكنولوجيا الصيني في شنجن. ثم انضم إليه موظفان (سينتقل موظف ثالث في وقتٍ لاحق من هذه السنة)، وتلقّى في الفترة الأخيرة موافقة من الحكومة الصينية لبدء توظيف مواطنين محليين، وهو أمر يطالب به المسؤولون في شنجن.

صرّح أوغان في مقابلة أجراها في شهر آذار، بعد شهرَين تقريباً على وصوله إلى الصين: "أشعر بأنني أحمق جداً لأني لم أنتقل إلى هنا قبل هذه المرحلة. إنه البلد الأكثر إبهاراً. تبدو الفرص الاستثمارية في هذا المكان ناضجة لأقصى حد". هو تكلم في حديث جانبي عن عدد السيارات الكهربائية وذاتية القيادة التي يستطيع رؤيتها من نافذته. لكنه يعترف بأن قراره بالانتقال إلى الصين يجعله دخيلاً على مجتمع الاستثمارات الأميركية.

يضيف أوغان: "يصعب على أصحاب الرساميل الأميركيين أن يخبروا المستثمرين بأنهم يجدون فرصاً هائلة في الصين، حتى لو كانوا متأكدين من وجود تلك الفرص". بدأت الشركات الصينية الكبرى "تضخّ الأموال" في الشركات الناشئة، ما يعني أن مصادر التمويل تغيّرت ولم تعد تتّكل على أصحاب الرساميل الأميركيين... منذ ثلاث أو أربع سنوات، كان أصحاب الرساميل الأميركيون ليتلقوا معاملة الملوك هنا".

لكن تطرح القيود الأميركية المرتقبة والمناخ العدائي العام مخاوف واضحة برأيه. مع ذلك، يظنّ أوغان أن "الشركات الصينية ستجد الثغرات التي تسمح لها بالتحايل على الوضع". هو يعترف بأنه لم يواجه أي ضغوط من المسؤولين في الصين: "نحن نملك خططاً لجميع حالات الطوارئ المحتملة. لكننا نقتنع بأننا قد لا نحتاج إليها كلما فهمنا طبيعة الصين".

لكن نظراً إلى توسّع النزعات السائدة في الاستثمارات التكنولوجية، تتعلق المسألة الأساسية اليوم بمعرفة مدى قدرة فك الارتباط بين البلدين على الصمود، أو احتمال عودة الاستثمارات إلى ذروتها قريباً. على غرار تانغ، يعبّر البعض عن خيبة أمله بالوضع الراهن لكن يتمسك هذا المعسكر بالأمل. يقول تانغ: "أظن أن فك الارتباط لا يفيد أياً من الطرفين على المدى الطويل لأننا نتكلم هنا عن أكبر اقتصادَين في العالم. لهذا السبب، لا مفرّ من تجدّد التلاقي بينهما في نهاية المطاف".

لكن لا يحمل آخرون نظرة تفاؤلية بالقدر نفسه. يقول المحامي من شنغهاي: "ما لم تحصل معجزة، سيستمرّ الوضع الراهن طوال 10 سنوات أو 15 سنة".




تايلور اوغان


MISS 3