طوني فرنسيس

بين موجودات المصارف وموجودات الطغمة

7 آذار 2020

02 : 50

لم يُتح للبنانيين في تاريخهم إجراء محاسبة حقيقية لحكامهم. لا في انتخابات عامة ولا أمام القضاء، حتى تجددت لديهم القناعة التي سبق لأجدادهم ان توصلوا اليها، ورسختها طويلاً سلطات بني عثمان، مفادها أن "الله يحاسب الجميع".

دائماً كان الغضب الشعبي على ممارسات السلطة يتحول إلى وقود لجزء من السلطة في انقلابها على جزء آخر. غالباً ما كان ذلك يحصل محتفظاً بالطابع الوطني العام، فيتحرك جزء متنوع طائفياً ضد جزءٍ آخر متنوعٍ أيضاً. إلا أنه في المرحلة التي سبقت اتفاق الطائف وتلك التي تلته، بات استسهال الانقلاب بإسم فئة طائفية مذهبية أمراً عادياً. ولم يحصل ذلك في التعامل مع قضايا بسيطة يمكن تمريرها. فالمنطق الطائفي قاد إلى جعل الخارج شريكاً وصاحب قرارٍ حاسم في كل ما يمس حياة البلد ومصير مواطنيه. بات انتخاب رئيس للدولة رهن قرار دولة اخرى، تبني قرارها استناداً إلى رؤية تمدها بها طائفة أو فئة مُلحقة تسيطر مجموعة محددة على قرارها.

كل ذلك يعرفه اللبنانيون، ويعرفون بدقة أن القرارات التي رسمت مسار حياتهم أقلًه منذ ثلاثين سنة كانت تتخذ في دائرتين: الأولى الدائرة المؤسساتية ممثلة بمجلس النواب والحكومات المنبثقة عنه ورؤساء الجمهورية الذين فُرضوا عليه فنزلوا سمناً وعسلاً على قلبه... والدائرة الثانية هي السلاح خارج الدولة. فُرضَ ذلك السلاح بعد اتفاق الطائف نتيجة قرار إقليمي سوري إيراني، في ظل استمرار الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان، إلا أنه استمر بعد انسحاب اسرائيل من الجنوب نتيجة القرار إياه، ليتحول إلى سلاح إيراني بحت بعد خروج الجيش السوري من لبنان في 2005.

بين تلاعب مجلس "سيد نفسه" بأساسيات الديموقراطية الطبيعية، وفي صلبها سن القوانين والتشريعات، بما فيها المالية، ومراقبة تطبيقها...، واحتفاظ أكثريته بالبصم على تركيبات "الطغمة" المالية والإدارية... وخضوع الحياة العامة لإرادة السلاح في محطات أساسية غابت عنها مؤسسات الدولة الأمنية والقضائية والمالية... (من أيار 2008إلى الدوحة إلى فتح الحروب الخارجية والمعابر إليها... والى الدولة الخاصة)، بين الطغمة والميليشيا ترنّح لبنان طوال العقود الثلاثة الماضية وتطورت في خدمتهما فئات متعددة الاختصاصات منها المصرفية التي تتعرض اليوم لغضب تستحقه!

لكن الحقيقة يجب ان تقال: من يجب أن يحاسب هو تلك الطغمة أو الأوليغارشيا التي عادت إلينا من الكتب، بشقيها السياسي والميليشيوي، وعندها يصبح الكشف على "الصندوق" من باب تحصيل الحاصل. معنى ذلك أن قرار القاضي ابراهيم كان عليه أن يدمج هؤلاء بأولئك فيخضع الجميع لـ"المنع من التصرف"، فإذ ذاك يبدأ العمل الجدي.


MISS 3