نوال نصر

على قاعدة "لا يعجز قوم إذا تعاونوا"

المديرية العامة للتعاونيات: اليأس وراءكم والعمل التعاوني أمامكم

20 نيسان 2023

02 : 00

للنساء دورهنّ
لا يعجز قوم إذا تعاونوا. هذا هو المبدأ لكن، هل نحن جماعة نفهم مبادئ التعاون؟ جميعنا يعلم أن نحلة واحدة لا تجني العسل لكننا لا نرضى إلا التناحر وعيوننا على بعضنا البعض ملؤها الحسد لا لنتعلم ونستخرج العبر. فهل يحدث هذا لأننا في دولة يتناتش ناسها المال العام وترعى فساداً في كل المؤسسات والوزارات والمديريات؟ مهلاً، هناك في الدولة مديرية عامة للتعاونيات، فهل تعرفونها؟ هل سمعتم بها؟ ذهبنا إلى هناك، إلى مقرها الكائن في بعبدا، وسمعنا ما يفترض أن تعرفوه بالتفاصيل عن أهمية وجود التعاونيات في المناطق وهو ما نسمع به ولا نعرف عنه الكثير. تشعرون باليأس؟ بالإنقباض؟ بالقلق؟ إفتحوا آذانكم وانصتوا وافتحوا عيونكم واقرأوا علّ في القراءة تجدون الحلّ في تعاونية ستكون واجهة أعمالكم اليوم لغدٍ أفضل.

هنا المديرية العامة للتعاونيات. هنا المديرية التي كانت تتبع قبل العام 2000 وزارة الإسكان والتعاونيات، وألحقت بعد إلغاء وزارة الإسكان بوزارة الزراعة كما ألحقت مديرية الإسكان بوزارة الشؤون الإجتماعية. غلوريا أبو زيد هي المديرة العامة، نراها مليئة بالقيَم، وبكثير كثير من الشغف وهي تتحدث عن أعمال مديريتها وإن كانت اليد قصيرة والعين بصيرة. لديها كثير من المآخذ على ما كتب ويكتب عن المديرية العامة للتعاونيات وتصرّ على الشرح من الألف الى الياء. تقول «إستلمتُ المديرية بالوكالة أواخر العام 2014 وفي العام 2015 أصبحت مديرة عامة أصيلة. وتستطرد: وزارة الزراعة هي المظلة للمديرية وللمشروع الأخضر ولمصلحة الأبحاث العلمية الزراعية. ومهمتنا، الى التعاون الزراعي، الإهتمام بكل ما هو تعاوني، ويحمل صفة التعاونية، باستثناء تعاونية موظفي الدولة وتعاونية الجيش. ومن يعمل بصفة تعاونية خارج إطار المديرية يخالف القانون. ممنوع استخدام اسم تعاونية بلا تسجيل في المديرية».



وللشباب أفكارهم أيضاً

لكل موسم مشكلاته

غلوريا أبو زيد





البعض هدفه الهبات

يد الله مع الجماعة. يد الله مع من يتعاونون. المديرة العامة للتعاونيات تقول «حين استلمت مهامي في المديرية اكتشفت أن مساعدات كثيرة وصلت الى التعاونيات فاقت 800 مليون دولار لكن لم يكن يظهر لها الأثر الإيجابي المتوقع. ثمة أخطاء إقترفت سببها أن بعض من كانوا يطلبون تأسيس تعاونية إنما كان هدفهم الحصول على المال والهبات وليس التعاون».

تسلق بوابة التعاونيات الزراعية لأهداف مالية سريعة خطأ «إستولد» ظهور عشرات التعاونيات الوهمية. والسؤال، كم كان عدد التعاونيات يوم استلمت غلوريا أبو زيد المديرية؟ تجيب: «كان عددها 1,240 تعاونية. وعملت على حلّ 360 تعاونية. وتشددنا كثيرا في تأسيس تعاونيات جديدة». هل عدد التعاونيات التي تأسست قريب من عدد التي حلّت؟ تقول أبو زيد «عدد التعاونيات اليوم هو 904. والتعاونيات التي أسسناها لم يتجاوز عددها 12. هناك أشخاص يتذمرون من أن المديرية لا تعطي تراخيص إنشاء تعاونيات جديدة ونحن نجيبهم: بلى، نحن نعطي تراخيص لكن بعد أن نتأكد من أن المشروع سيكون مستداماً وإلا لن نمنحه إياه. فهدفنا ليس تراكم تعاونيات بل أن ننشئ تعاونيات ذات جدوى إقتصادية وإجتماعية».

التعاونية ليست جمعية خيرية ولا شركة. ثمة مبادئ وقيَم مختلفة للتعاونيات. والسؤال، هل إلغاء 360 تعاونية كان سببه أنها كانت وهمية؟ تجيب المديرة العامة للتعاونيات «هناك تعاونيات أخذت مساعدات واختفت. ثمة واجبات على التعاونيات القائمة أسوة بما لها من حقوق. من واجب التعاونيات - المعفية من الضرائب - تقديم محاضر إجتماعاتها الى المديرية، والتبليغ عن موازنتها، لكن هناك تعاونيات تقصّر بذلك. إنها تعاونيات أخذت ولا تعطي. إستفادت ولا تقوم بواجباتها». لا تتأسس تعاونية إلا إذا ضمّت عشرة أعضاء على الأقل، أما سقف عدد الأعضاء فمفتوح، ويجب، لمن لا يعرف، أن يكون لها هدف إقتصادي وإجتماعي. إنها «بيزنس» على ما قالت غلوريا أبو زيد «It’s a business with a purpose» أضافت «تستطيع التعاونيات - إذا التزمت - صناعة مجتمع عادل. ما يعجز الفرد عن فعله يصبح أسهل مع تعاون الجماعة. لكن، كما سبق وقلت، حدثت أخطاء. هناك تعاونية حرفية أرتيزانا حصلت من جهة مانحة على «تراكتور». هل تتصورون ذلك؟ الكل ساهموا بضرب القطاع. هناك جهات مانحة تعمل وكأن امامها واجب «devoir» بالتبليغ عن حجم الهبات التي وزعتها بغض النظر عن الفائدة مما تفعل. وتستطرد: نحن فقدنا القدرة على توزيع المساعدات بعدما كان حجم ما نقدمه يتجاوز المليار ليرة (على دولار 1500)».

تعاون مجدٍ

تتعاون المديرية حالياً مع الفاو ومع مؤسسات يهمها كل قرش أين يذهب، في أي اتجاه. «عملنا مع الفاو على مشروع «رائدات الريف»، حيث جرت مساعدة 150 مجموعة تعاونية وغير رسمية، وتمّ تدريب أكثر من 850 شخصاً تقنياً، معظمهم نساء، إختيرت من بينهم 150 مجموعة، ودعمت بمنحة نقدية قيمتها 8000 دولار للقيام بمشاريع. مؤسسة البابا يوحنا الثاني دعمت أيضا تعاونيات الكرز والمشمش في البقاع الشمالي وتأسست خمس تعاونيات وبدأت تصدير الإنتاج الى أندونيسيا والبحرين وسواهما. والجودة أصبحت رائعة. وهناك مشروع آخر يستهدف الحمضيات». وتقول أبو زيد: «نعمل أيضاً على إدخال مفهوم التعاونيات الى المدارس وتعليم الطلاب القيم التعاونية. التعاون يفترض ان يكون في حياتنا اليومية. إنه يعلّم الناس كيف يحدثون الفرق في مجتمعاتهم».

جمعية «لاند أوليكس» تساعد حالياً 12 تعاونية وتساهم في تثقيف طلاب الجامعات على المبادئ التعاونية. وتقول غلوريا أبو زيد «درستُ في الجامعة الأميركية وتخرجت منها من دون أن أعرف مبادئ العمل التعاوني الذي اختبرته لاحقاً في عملي في الشأن العام. هذا قطاع إقتصادي ذو جدوى عالية. الموازنة المخصصة للمديرية الآن توازي صفراً. الدولة تدفع فقط الرواتب وإيجار موقع المديرية في بعبدا. ونسبة الشغور في المديرية يقترب من 80 في المئة. لكن الموظفين الباقين يأتون يومياً. هو الشغف يدفعهم الى ذلك».

أعدت المديرية منصة تجتمع من خلالها المؤسسات الداعمة والجهات المانحة ويصار من خلالها الى عرض جميع المعلومات المتوافرة كي تظهر المساعدات في أي اتجاه تذهب، ومن نال مساعدة من USAID مثلا لا يمكنه أن يأخذ من الفاو، بل فلتحصل تعاونية اخرى أيضاً على المساعدة، لتذهب المنح في الإتجاه الصحيح. إنها الشفافية المطلوبة في العمل. أمرٌ آخر كان لا بُدّ منه اليوم وهو إنشاء الجمعية الإعدادية التي تضم الأشخاص الذين يودون في الظروف الحالية - بعدما اشتدت الأزمات - الإنخراط في العمل التعاوني الزراعي ولا يعرفون عنه الكثير وتقول المديرة العامة «أسسنا الجمعية الإعدادية لتدريب مجموعات جديدة، على ان تعطى فرصة التأسيس خلال عامين، هذا إذا عملت بشكل صحيح وقدمت ميزانياتها، فتصبح جمعية. تتخرج بمعنى أكثر بساطة. وقد أسسنا 12 جمعية إعدادية عام 2022».



التعاون نقيض التنافس

الذهنية تغيرت في لبنان بالنسبة الى الزراعة جراء كل الازمات التي نعيشها وضرورة تعزيز الامن الغذائي. ومهمة المديرية حالياً تعزيز التوعية حول ذلك ومتابعة التأسيس والمراقبة والدعم والتدريب ومفهوم التعاون. وتقول أبو زيد «اي نشاط تقوم به مجموعة من عشرة أشخاص على الأقل يمكن أن يتحول الى تعاونية. ونحن نساعد أيضا في التسويق. وهو ما كنا نقوم به من خلال إقامة معارض. وننوي تمويل إقامة معرض دائم للتعاونيات».

فلنقل إننا نريد إنشاء تعاونية فهل هناك مبالغ محددة، على شكل منح، الى كل أنواع التعاونيات؟ تجيب غلوريا أبو زيد «الفاو تمنح 8000 دولار، في حين أن لاند اولكيس تمنح 15 ألفاً، أما مؤسسة جان بول الثاني فتصل مساعدتها الى مئة ألف، وهي تشترط أحد المبادئ الأساسية في العمل التعاوني وهو أن يكون الإنتساب مفتوحاً». تضيف: «مسموح تأسيس تعاونية واحدة لهدف واحد في كل ضيعة. يحق لكل ضيعة تضم 20 ألف نسمة - على سبيل المثال - تعاونية واحدة للتفاح، ولا يحق إنشاء تعاونية تفاح أخرى، لأن التعاون نقيض التنافس. وكل مواطن يزرع التفاح يمكنه الإنتساب الى التعاونية. وهناك ديموقراطية في العمل التعاوني، فبقدر الأسهم التي يملكها العضو يكون له حق التصويت بصوت واحد على قاعدة: One man one vote او One woman one vote».

كلما فهمنا العمل التعاوني أكثر اعجبنا به أكثر. وكلما كان عدد الأعضاء في التعاونية أكبر كلما أصبحت أقوى. لكن، ما هي الإجراءات الإدارية لتأسيس تعاونية زراعية؟ تجيب غلوريا أبو زيد «يحتاج الملف أحيانا الى أشهر لينجز. يقدم الملف عادة في مكاتب المناطق، ويدرس أولا هناك للتأكد من حيازته الشروط واكتماله، ثم يحول الى مركز المديرية الرئيسي. هنا يعرض على هيئتين للتأكد مجدداً من استيفائه الشروط. والتأسيس يكون مجانياً. لا يحتاج الملف الى رسوم. ونتأكد من طبيعة التمويل وكيف سيعود بالفائدة على المجتمع والأعضاء. وإذا احتجنا الى إيضاحات نطلبها. وإذا شعرنا أن لا أمل به ولا مصلحة نرده. يهمنا ان يكون مقدمو الطلب جديين».

سؤال بديهي، لماذا يفترض بمن يريدون إفتتاح تعاونية الإنتساب الى المديرية العامة للتعاونيات وهم مدركون أن مخصصاتها صفر ويدها قصيرة عن مساعدتهم عينيا؟ تجيب أبو زيد «نحن نعمل على المحافظة على حقوق كل عضو في حال نشبت خلافات لاحقاً بين الأعضاء، كما ان الجهات المانحة تحب أن تدعم تعاونيات تأسست شرعياً».

هلّق وقتا. حان الوقت الآن ليفكر من يريد عملاً منتجاً تعاونياً ذا جدوى إقتصادية واجتماعية بالعمل التعاوني. هناك مشاكل كثيرة و»إيد وإجر» في توزيع المنح والمساعدات؟ فلتعمل التعاونيات القائمة على أن يكون ملفها - ويبقى- صحيحاَ ليُصبح صوتها مسموعاً. وتقول في هذا الإطار مديرة المديرية العامة للتعاونيات «حين استلمت مهامي، سمعت عن كثير من التعاونيات تتذمر من عدم حصولها على مساعدة في حين غيرها يحصل على ذلك، وبأن لا عدالة في المنح. وكنت موقنة حينها أن 95 في المئة من التعاونيات التي كانت قائمة لم تكن تعمل بشكل صحيح، وإن كان يتفاوت ذلك بين واحدة وأخرى. يومها، قلت هذا لن يكون حلّاً وأعطيت الجمعيات فرصة ثانية وأرسلت كتباً الى الجميع لنبدأ من جديد. هناك تعاونيات تجاوبت وهناك تعاونيات لم تجب. وعلى هذا الأساس قمنا بحلّ جمعيات تعاونية. رأيت يومها وجوب أن يبقى القطاع التعاوني وان لا يذهب الصالح بعزا الطالح عملا بمبدأ أن المجتمع التعاوني قائم على العدالة. إنه العدالة». وتستطرد: «أن اكثر التعاونيات الناجحة هي نسائية. ونحن، حين نُمكّن المرأة نُمكّن العائلة بأسرها».

إمرأة؟ آن الوقت بالنسبة إليك أيضا أن تفكري بمشروع تعاوني.

يبقى أننا زرعنا المديرية العامة للتعاونيات في مبناها في بعبدا لكن، لا نعرف أين سنجدها في المرة القادمة، لأن المبنى مستأجر والدولة ما عادت قادرة على السداد. هل سينزل موظفوها، أو من تبقى من موظفيها، الى مبنى وزارة الزراعة؟ الإجابة حاسمة: لا مكان شاغراً في الوزارة. لكن بالتعاون كل شيء سيُحلّ. قولوا الله.