مجلس كنائس الشّرق الأوسط أحيا ذكرى خطف مطرانَي حلب.. ودعوة إلى العمل الجاد لكشف مصيرهما

13 : 21

أقيمت ندوة في مجلس كنائس الشرق الأوسط، إحياءً للذكرى السنوية العاشرة لخطف مطرانَي حلب بولس يازجي ومار غريغوريوس يوحنا ابراهيم.


وبعد النشيد الوطني، كانت كلمة لكاثوليكوس بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك ورئيس مجلس كنائس الشرق الأوسط عن العائلة الكاثوليكية البطريرك روفائيل بيدروس الحادي والعشرين ميناسيان، تبعه بيانٌ مشترك عن بطريركيتَي أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس والسريان الأرثوذكس، ثم كلمة للأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط ميشال عبس.


ميناسيان

وألقى البطريرك ميناسيان، كلمة قال فيها: "اليوم نحن مجتمعون في هذا المكان، لكي نتذكر سوياً الفاجعة التي وقعت منذ عشر سنوات على اختطاف إخوتنا المطارنة من جهة، والكهنة الأجلاء من جهة أخرى، الذين منذ ذلك اليوم لم يُعرف إلى ماذا آلت أحوالهم، غارقين في المجهول، تاركين ذويهم بقلبٍ مكسورٍ بعدم حصولهم على أي حقيقة عن غيابهم. وما يُؤلم أكثر، هناك بعض المسؤولين الذين يعرفون الحقيقة ويخفونها، يخفون الحقائق الاجرامية ويتفاخرون بالعفة والعدالة. اليوم نعود ونجتمع مرة أخرى لنتذكر أحباءَنا المفقودين بحسرة وحزن عميق، مناشدين المراجع المختصة المحلية والدولية بالبحث والبوح بمصير المطرانين المجهول حتّى يومنا هذا".


أضاف: "صرختي اليوم أوجهها إلى الضمائر الدولية النائمة التي تعوّدت منذ زمنٍ بعيد بأن تكتفي بالمشاهدة لهذه الجرائم الدولية وتبقى مكتوفة الأيدي، ساكتة على الإجرام. صرختي اليوم، تذهب إلى أبعد من الماضي القريب. فمنذ 100 عام وأكثر بثمانية أعوام، ذُبِح أكثر من مليون ونصف المليون من الأرمن من أجل إيمانهم، ومنذ ذلك اليوم، والضمير الدولي في سكون، لم يتحرك شعرة ولم يقُم بإدانة أحد ولا العمل لإحلال العدالة لهذا الشعب المظلوم. فها هو الماضي يعيد نفسه، وما جرى من قبل يتكرر مراراً حتّى يومنا هذا، وموقف الدول الآمرة لم يتغير، فلا تُحرّك ساكناً ولا تُهدّد مصالحها الشخصية بل تتوارى وتختفي وتعمل ما يخدمها".


وتابع: "أستخلص من كلمتي، بأنه لا أمل لنا سوى بيسوع المسيح، كما يقول لنا القديس بولس في رسالته الثانية إلى كورنثوس: لأننا نعلم أنه إن نقض بيت خيمتنا الارضي، فلنا في السماوات بناء من الله، بيت غير مصنوع بيد، ابدي. فمهما آلت إليه أنفسنا من ضيقات وصعاب حتى الموت فلا شيء سيبقى، فيسوع مخلصنا وفادينا بقيامته المجيدة أعطانا الرجاء. لذا، أود أن أختم دعائي هذا بأمل ورجاء مستذكراً ما جاء في الرسالة إلى العبرانيين: لنتمسّك دائماً بالرجاء الذي نعترف به، من دون أن نشك بأنه سيتحقق، لإن الذي وعدنا بتحقيقه هو امين وصادق".


البيان المشترك

وكان بيان مشترك صادر عن بطريركيتي أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس وأنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس جاء فيه: "عشر سنوات على اختطاف مطراني حلب، أيها الإخوة والأبناء الروحيون الأعزاء، المسيح قام، حقا قام. نقولها اليوم في رهجة وحبور القيامة وعيننا على صليب الألم الذي حوله رب المجد إلى صليب مجد. نقولها ونستذكر صليب هذا الشرق الذي عاشه المسيحيون مع سواهم قتلاً وتهجيراً وإرهاباً. نقولها اليوم ونستذكر تلك الحربة التي، وكغيرها من الحراب على مدى ألفي عام، دمغت جلجلة آلامنا كمسيحيين قبل عشر سنوات من اليوم ولم يندمل جرحها حتى الساعة. نقولها اليوم ونستذكر حادثة خطف أخوينا مطراني حلب يوحنا إبراهيم وبولس يازجي في 22 نيسان 2013. عشر سنوات مرت ولسان حالنا كمسيحيين؛ نحن نعول على ربنا فقط في وجودنا ههنا على هذه الأرض المشرقية. عشر سنوات مرت لنقول إننا مغروسون ههنا رغم كل شيء، نحن ههنا في شهادة حية لذاك الناصري الذي أحببنا ونحب. عشر سنوات مرت ونحن نتعقب هذا الملف. طرقنا أبواب حكومات وسفارات ومرجعيات دينية ومدنية محلية وأجنبية على أمل أن نحظى ولو ببارقة أمل. نقول كل هذا لنشارككم أيها الإخوة كل ما عملنا ونعمل في هذا الملف وغيره. وإلى هذه اللحظة نسعى وبكل قوة أن نتبين الشيء اليقين في عتمة كل ما يُثار عن هذه القضية التي تستحق أن تكون عنواناً يختصر شيئاً من عذاب الخطف وامتهان الكرامة الإنسانية. تحتاج هذه القضية الى أكثر من مجرّد الكلام المعسول عن حقوق الإنسان التي تسيس حسب المصالح وتستحق من المجتمع الدولي ومن سائر الحكومات العمل الجاد بدلاً من التعامي والتعاجز والاكتفاء ببيانات الشجب والإدانة".


أضاف البيان: "في أسبوع الفصح المجيد، نضع أمام أعيننا أولاً وأخيراً أنّنا قياميون رغم كل شدة. ونذكر أيضاً أنّ دموع النسوة حاملات الطيب على المسيح، انقلبت بعد القيامة دموع فرح وابتهاج بسيّد غلب الموت ونقض قوة المحال. كمسيحيين، يدعونا خطف المطرانين إلى أن نتأمل ونستفحص وندرك أن الجميع مستهدف في هذا الشرق. لم يسأل خاطفو المطرانين عن طائفة ولا عن انتماء ولا عن دين. خطف المطرانان لأنهما ضوع عطر فواح من عبير شهادة كنيسة أنطاكية ابنة هذه الديار، موطئ أقدام الرسل والمهد الفكري الأول للمسيحية، والتي لن يقوى عليها زلزال أو شدة مهما كانت. كل هذا يدعونا دوماً إلى نظرة وجوديّة عميقة، إلى تاريخ وجودنا ههنا، وإلى ضرورة تلاحمنا في هذا الشرق الجريح ككنيسة تشهد لربها لا بالإشراف على الهياكل الحجرية وحسب، لا بل بأصالة إيمان أبنائها وبأصالة وجودهم في أرض أجدادهم وبابتعادهم عن كل تشدد إثني أو فئوي يضعف من شهادتهم الواحدة للمسيح يسوع الذي أرادنا واحداً. في غمرة القيامة البهية، نتطلع دوماً إلى وجه يسوع ونستمد منه قوة ورحمة وسط كلّ ما يحيط بنا. ونصرخ إليه من عمق القلب حانين ركبة النفس ونناجيه قائلين: أردتنا وجبلتنا من أديم هذه الأرض وشئتنا فيها شهوداً لاسمك القدّوس. قوِّنا يا ربّ لنكون على قدر الشهادة المناطة بنا وامسح أتعابنا بنور قيامتك. أسكت جماح الحروب واغرس فينا روح سلامك. كن يا الله مع المخطوفين ومع مَن هُم في شدّة وضيق. إنّ العالم يتوق إلى حلاوة سلامك يا مخلّص. نسألك هذا، في موسم القيامة المجيد ونحني أمامك ركبة قلبنا ساجدين ومرنمين من عمق النفس: "المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور".


عبس

وكانت كلمة لعبس قال فيها: "خلف ستار الحقد وجوه احبة اختفت، توارت في الزمان والمكان، في ظروف نجهلها، ولأسباب، في أكثر الأحيان، نجهلها.الاختفاء، الاختطاف، التغييب، سمِّ الظاهرة ما شئت، انما الفعل واحد، والفاعل واحد، والنتائج متقاربة، او واحدة. هكذا، وبكل بساطة، يكون الانسان بين اهله واحبائه، وفجأة لا يعود. يصبح ذكرى، ولوعة، وشوقاً، وترقباً، وانتظاراً، يعرفهم من يكابدهم من دون جدوى.عندما يكون الانسان مغموساً في نشاطات ذات طابع نزاعي، لا بد له ألّا يستبعد مصيراً من هذا النوع، الاختطاف او التغييب القسري. ولكن لماذا على من لم ينغمس في هذه المعمعة أن يصل إلى هذا المصير؟ هل هي الأضرار الجانبية لنزاعات الجماعات المتناحرة، المتناقضة والمتنابذة؟ أضرار جانبية، كم هو سهل وموجع هذا التعبير في آن، معنى هذا الكلام أنّ الضحايا البريئة هي اضرار رخيصة، حين لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. هي نتائج لا يُحسب لها حساب حين يشتدّ صليل السيوف أو أزيز الرصاص أو دوي المدافع. الأسير خلال المعركة يستفيد من القوانين المتّفق عليها عالمياً، والتي تحمي أسرى الحروب، أمّا المفقود، خطفاً أوتغييباً، فماذا يستفيد؟ أي حماية له، والذي اختطفه أو غيّبه لا يعترف بذلك، ويحل نفسه تاليا من أي مساءلة قانونية؟ خلال المعارك، لا يستطيع من اتخذ أسرى، نكران وجودهم لديه، على ضوء المعاهدات الدولية، أما الذي أخذ "أسرى" خارج المعركة، عن طريق الخطف أو الاستدراج أو نصب المكائد، فما السبيل إلى محاسبته؟ مساكين هم المفقودون، خطفاً وتغييباً قسرياً وغير ذلك من الأساليب. كل مرجعية سياسية أو اجتماعية ترمي وزرهم على الأخرين، وتغسل يديها بطريقة بيلاطسية، فلا يصل أهلهم واحباؤهم الى نتيجة".


أضاف: "انها درب جلجلة لا يعرف أحدا نهايتها، لا بل يعرف الجميع نهاية من سلكها بحثاً عن عزيزٍ اختفى في ظروف غامضة، موجعة ومهينة في آن، مشاهد الاهل يحملون صور مَن فقدوا، يواجهون بها مَن اولوه امر البحث عنهم من دون نتيجة. كيف يمضي هؤلاء الناس أيّامهم ولياليهم؟ كيف يعيشون؟ كيف تمر الساعات والأيام والاشهر والسنوات عليهم؟ كيف يتحملون السّكين يتحرك في الجرح كلّما ذكروا عزيزاً مغيباً أو كلّما تحركت الذكريات؟ هذا إذا نعموا بلحظات من نسيان، إنّه الوجع الذي ما بعده وجع، في الفترات الأولى من التغييب، ينعم المحبّون ببعض الامل، أمل عودة المحبوب ولو كان يحمل آثاراً نفسيّة وجسديّة للاحتجاز. إنهم يقبلونه مهما كان وضعه الصحي، انهم مستعدون للعلاج. المهم أنهم ينتظرون بشكلٍ أو بآخر أخباراً قد تكون مفرحة أو قد تهدئ من روعهم. اما عندما يطول الزمان، فتختلط التوقعات بين الاخبار المفرحة وتلك الموجعة واللا أخبار. وتلك الأخيرة تضيف إلى الوجع عبء الضياع، عبء السير في صحراء من التيه، عبء الانتظار الى ما لا نهاية. هنا تطرح مجموعة مختلفة من الأسئلة نفسها، ليس من جهة الضحية، بل من جهة الجلاد. كيف يستمرّ بحياته مَن مارس الخطف على مخلوقٍ آخر مثله، خصوصاً إذا نكّل به قبل القتل او مثل به بعد القتل؟ الا تسكن مخيلته صور الأحداث التي كان هو "بطلها"؟ ألا تسكن ذاكرته أصوات الصراخ والانين وحشرجة الاحتضار؟ هل يتذكر آخر نظرات ضحيته قبل الاجهاز عليها؟ قد تكون هذه الأسئلة ساذجة إذا تذكرنا أنّ من قام بهذا العمل هو مخلوق قد امتهن إذلال النّفس الانسانيّة وازهاق الروح البشريّة. ولكن لا بد من طرحها، لكي نسأل: أي نوع من المخلوقات هو من يرتكب هكذا أفعال؟ نعم، يبدو أنّ الكائن البشريّ لا زال قادراً على أن يتحول إلى مخلوقٍ مستعدّ للتّجرّد من كل إنسانية، وممارسة أفعال لا تليق بمن هو من المفترض انه خلق على صورة الله ومثاله. هل ننسى الاستهزاء والجلد الّلذين تعرض لهما سيد طريق الجلجلة؟ هل ننسى المسامير تنهش جسد السيد المتجسد والحربة تنحره؟ المشهد ما زال يتكرر منذ آلاف السنين، ولا يبدو انه سوف يتوقف، إذ يتحفنا الاعلام يومياّ بمشاهد من أنحاء العالم تعود الى قرون خلت".


وتابع: "ويلك أيها الانسان من "اخيك" الانسان، انه يتحول، بجزء من الثانية، الى وحش خرج لتوه من عصور بدايات البشرية. الخطف او الاحتجاز او التغييب، هذا القتل البطيء، لا بد أن يكون فاعله حاملاً أمراضاً نفسية يصعب علاجها، خصوصا بعد تمادي هذا المخلوق بأفعاله الشنيعة، إذ كلّما تمادى بهذا العمل كلّما أصبحت هذه الممارسات جزءاً من كيانه المرضي. قل لي أيها المخلوق الصغير، ما هو نوع الارتياح الذي شعرت به عندما احتجزت كائناً بشرياً، ونكلت به وقضيت عليه؟ نحن، في مجلس كنائس الشرق الأوسط، وانطلاقاً من ايماننا المسيحي، نرفض أي ممارسة من هذا النوع ومهما كانت دوافعها أو أسبابها. انّها أولاً، تجريد لإنسانٍ من انسانيته، وثانياً، امتهان لكرامته الانسانية، وثالثاً، إهانة للجنس البشريّ برمته. أبعد من القوانين والمواثيق الدوليّة، مرجعنا هو الانسان بقيمه وقيمته الاجتماعية التي لا تعبر عنها كلمات، ولا تحدُّها نصوص، لا قانونيّة ولا علميّة، بل ممارسات المحبّة التي عليها بُنِي إيماننا المسيحيّ، والإنسانيّ طبعاً".


وقال عبس: "هذه الندوة التاسعة من ندوات الكرامة الإنسانية، حوّلنا فيها، ببركة وتوجيه قيادات المجلس، ذكرى خطف مطرانَي حلب إلى ذكرى نشمل فيها كلّ مَن خُطِف أو غُيِّب قسراً، وعقدناها يوم الّرابع والعشرين من نيسان، يوم ذكرى الإبادة الأرمنيّة، التي ترافقت أيضاً مع إبادة مجموعاتٍ بشريّة كبرى من السريان والروم والاكراد والعلويين واليزيديين، في الاناضول وشمال المشرق الانطاكي. كم مليون إنسان خُطف وغُيّب قسراً قبل أن يقضي نحبه تحت اسنة القتلة هناك؟ لا أحد يجرؤ أن يعترف، بين تغييب الإمام المحبب الى قلوب اللبنانيين والمشرقيين، وخطف حبري حلب المحبوبين من أهلهما في سائر المشرق الانطاكي، خراب أمة وتمزقها وضياعها، وتشرد شعبها في كل أصقاع المعمورة. من لبنان إلى الشام إلى العراق، وقبلهم فلسطين، مسار الدمار واحد لأنّ منبع التآمر واحد والهدف لا لبس فيه. بين الناس الموجوعة التي تُعاني الامرين من غياب من فقدت، وقد ترحل من هذه الفانية حاملة حرقة الفقدان والأحبة المفقودين مجهولي المصير، مع ستار من حقد، لا يمكن ان ترفعه الا المحبة، هذه القيمة العليا التي لم يتعلمها الجلادون من السيّد الذي غفر لجلاديه على الصليب. نخشى ما نخشاه أن يكون أمام البشريّة طريق طويل قبل أن تستحق رضى الرحمن". 

MISS 3