حسان الزين

إلى أين؟

29 نيسان 2023

02 : 00

صار سؤال "إلى أين؟" تعبيراً عن العجز عن طرح أسئلة مفيدة (أ ف ب)

"إلى أين؟" أو "ما الذي سيحصل؟" هو السؤال الأبرز الذي يطرحه اللبنانيّون واللبنانيّات.

يوميّاً، يكرّرونه. ولا جواب.

ليست المشكلة في طرح السؤال، ولا في تكراره، خصوصاً في مثل الظروف التي نمرّ بها.

ولا مشكلة - على الرغم من أنّها مشكلة - في عدم وجود جواب، أو في غياب من يمتلكه أو يدّعي ذلك.

المشكلة في السؤال نفسه، وإن كان القصد منه، في الغالب، سماع بعض المعلومات أو الاطمئنان إلى المستقبل الغامض والمقلق جداً.

المشكلة في السؤال كونه يعبّر، بشكل مؤلم وغير ظاهر، عن استسلام اللبنانيين واللبنانيّات للقضاء والقدر.

ولهذا الاستسلام وجهان: لامبالاة استقالت من متابعة ما يجري، ومبالاة عاجزة عن استشراف المستقبل.

وهنا، يراوح اللبنانيون واللبنانيّات، أو هنا هم غارقون.

وإذ لا يسمعون جواباً، وتبقى حال البلد على ما هي عليه، بل تزداد تدهوراً وغموضاً، يكرّرون السؤال نفسه.

ففيما السؤال، في العادة، رحمٌ يولّد أجوبة أو أسئلة، بات في لبنان جواباً. جواب لسؤال فقد كونه سؤالاً. هو سؤال يتكرّر بشكل عفوي، أوتوماتيكي، ولا ينتظر جواباً، بل يدلّ على غياب الجواب، وعلى العجز عن تجاوز السؤال وفهم ما يجري ومعرفة ما سيحصل.

باختصار، هذا السؤال لم يعد سؤالاً. صار حجراً، أو سوراً، يقف حائلاً في طريق السؤال والوعي.

لقد صار سؤال «إلى أين؟» تعبيراً عن العجز عن طرح أسئلة مفيدة، تترجم بصدق القلق على الأنفس والبلد والمستقبل. أسئلة تطرح المشكلات لتبحث عن حلول حقيقية، ويوجّه منها إلى من يجب التوجّه إليهم ومساءلتهم.

وهذا، على رغم صدقه في التعبير عن واقع الحال، إلا أنه شبه خديعة، للنفس والعقل أولاً. إذ حين يبقى السؤال سؤالاً صريحاً، فهذا يعني أن ثمة صدقاً، وأن ثمة حياة تدبّ في النفس والعقل، وفي اللبنانيين واللبنانيات عموماً، وأن ثمة رغبة أو إرادة لمعرفة ما يجري وما سيحصل، وإلى أين يتّجه البلد. أما حين يغدو السؤال جواباً قائماً بذاته، ويكون لا جواباً في مضمونه، ويزيد الغموض غموضاً، ويُكتَفى بذلك، فهذا يعني أن ثمة مشكلة. ومشكلة كبيرة. مشكلة تتجاوز الاستقالة وخداع النفس والعقل، والآخرين عموماً، إلى قبول التقاعس حتى عن إبقاء السؤال الأوّلي البديهي سؤالاً. فتحويل سؤال «إلى أين؟» جواباً، وعدم توجيهه إلى المسؤولين عن الحال التي وصل إليها البلد، بل كأنه يحيّدهم ويحميهم من أي سؤال ومسّ، هو تعطيل للسؤال وللعقل عموماً. وهذا قمة اليأس أو ما يستدعيه بفرح غامر.


MISS 3