حسان الزين

سيلفانا اللقيس ومحمد لطفي و"الشاطئ الآخر"

6 أيار 2023

02 : 00

يقلّب المخرج ماهر أبي سمرا، في فيلمه الجديد "الشاطئ الآخر"، عدداً من المعادلات. يفعل ذلك بالتكافل والتضامن مع بطليه سيلفانا اللقيس ومحمد لطفي. وهذا أمر جميل، إذ تبدو سيلفانا في إطلالتها الأولى في الفيلم تعاند أبي سمرا. فبينما هو يصوّرها أثناء تذكّرها أحداثاً من الماضي الأسري والشخصي، تتململ واصفة ما تحكيه بأنه غير مهم. ما يوحي بأنّها تريد أخذ الكلام، والفيلم، إلى ما تعتقد أنه مهم. والمهم كما يمكن أن يتوقّع المشاهد الذي يعرف سيلفانا، رئيسة الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوّقين حركياً، هو الجانب النضالي في سيرتها.

لكنّ أبي سمرا لا يستجيب، وتبقى كاميراه تبحث عمّا تريده وتلتقط ما تراه مناسباً في فيلم وثائقي يسعى لالتقاط خيوط الشخصيّتين وعناصر روايتهما.

أمّا محمد فمستجيبٌ للعبة المخرج، أو على الأقل لم يَظهر في الفيلم متململاً ومعانداً، بل يكرّر مزاحه بأنّه سيغيّر مهنته من متخصّص في شؤون الإعاقة إلى التمثيل. وهذا أمر جميل أيضاً، إذ صبّت استجابته، واستجابة سيلفانا بعد تململها، في السياق السينمائي الذي عمل المخرج له. وهو دخول حياتهما. ومن هذه المساحة الجوانية يجمع روايتهما مانحاً لكلِّ جزء حصّته. فلا هو يسيّد البعد الشخصيّ والوجداني على البعد العام، النضالي، ولا العكس.

وهذه أولى المعادلات التي يقلبها المخرج، إذ لم يتناول مسيرتي سيلفانا ومحمد من الخارج، من الكليشيهات السائدة في المجتمع والثقافة والإعلام في لبنان بشأن الأشخاص المعوّقين. وهي كليشيهات تنهار في مطلع الفيلم، في المتحف الوطني. فهذا الصرح الضخم الذي يحوي على نظرة اللبنانيين إلى الجمال، وهي تراوح ما بين التراثين اليوناني الذي يحتفي بالإنسان الكامل المنسّق الأعضاء والفينيقي الأقل التزاماً بالمعايير اليونانية، غير مجهّز لحركة الأشخاص المعوّقين. وكأن في هذا إشارة خفيّة إلى قسوة تعامل المجتمع اللبناني مع المعوّقين ومَن لا تنطبق عليهم المعايير تلك.

المعادلة الثانية التي يقلبها المخرج هي حين يجعل إيقاع الفيلم وحركة الكاميرا وزمن المَشاهد على إيقاع الشرح المرافق للعرض المخصّص للأشخاص المعوّقين بصريّاً، الذين يمكنهم متابعة الفيلم عبر تطبيق. فالمخرج يحول الشرح من توفير خدمة للأشخاص المعوّقين بصرياً إلى أسلوب فنّي سينمائي. وهكذا جعل الوقت الذي يستغرقه الشرح زمناً لإيقاع الفيلم. وإذ يبدو ذلك، في الظاهر، هدوءاً وطريقة في التصوير وتوالي المَشاهد، إلا أنه في المضمون هو دمج لإيقاع الفيلم ولغته البصرية مع الشرح. دمج يجعل ما تلتقطه الكاميرا خاضعاً للشرح ولمن يتوجَّه إليه.

المعادلة الثالثة التي يقلبها الفيلم هي أنه يكشف أن سيلفانا ومحمد، الشخصين المعوّقين، ليسا عالة على أحد، بل هما مسؤولان عن المجتمع وأسرتيهما. وليس هذا لكونهما شخصين قادرين ناجحين فحسب، بل لأن لبنان القاسي مع الأشخاص المعوّقين قاسٍ مع الآخرين أيضاً. فسيلفانا تتقبّل بألم إضطرار شقيقها إلى الهجرة مع أسرته بسبب الظروف. ومحمد قلق على والديه المسنّين اللذين سيتركهما وحيدين إذا ما سافر لمتابعة دراسته وعمله.

بناءً على الانقلابات هذه ينجح أبي سمرا في تقديم فيلم حميم بقدر ما هو قاسٍ. فيلم "الشاطئ الآخر" يغوص في وجدانيّات بطليه وذاكرتيهما بقدر ما يشير إلى الصعوبات التي تواجه الأشخاص المعوّقين، وهم يقاومون كلَّ شيء وخصوصاً المعتقدات الراسخة التي تأسرهم.


MISS 3