نوال نصر

"أقرّينا في الطائف اللامركزية الموسّعة بدل التسمية الأجنبية الفيدرالية"

ميشال معلولي: "زعبرت" أمام صندوق الإقتراع... أهملتُ الاسم وقلت "ورقة بيضا"

6 أيار 2023

02 : 00

مع كتابه
ميشال عيسى معلولي. كثيرون لا يتذكرونه. كثيرون لا يعرفونه. وكثيرون عرفوا عنه شيئاً وغابت عنهم أشياء. هو الأرثوذكسي الذي تبوّأ منصب نائب رئيس المجلس النيابي في خمس دورات، بين عامي 1972 و1992، في عهدَي كامل الأسعد وحسين الحسيني. عشرون عاماً جرت في خلالها خمس إنتخابات لرئاسة الجمهورية اللبنانية، كان شاهداً عليها وعلى أربعة أعوام من ولاية الرئيس سليمان فرنجيه. عشرون عاماً إندلعت فيها الحرب الأهلية، وحصل إتفاق الطائف ودخلنا دهليز الجمهورية الثانية... وفي كلِّها كانت أسرار قد لا تخطر ببال. دولة نائب رئيس المجلس النيابي ميشال عيسى معلولي إعترف بأمر خطير: «نعم، نحن كنا نغشّ ونحن نقرأ اوراق الإقتراع... نعم، في الطائف أقرينا اللامركزية الإدارية الموسعة وهي العبارة العربية التي ارتأينا أن تكون ترجمة لكلمة الفيدرالية الأجنبية». ميشال معلولي، القومي السوري، إبن معلولا السورية، أحد آخر رجالات الطائف لديه ما يستحقّ أن يبقى عبرة للتاريخ:



ساكن بلدة ضبية، قبالته البحر، ووراءه كمّ من الذكريات. ولد قبل 92 عاماً (1931) وإن كان لا يرغب في إفشاء ذلك لأننا حين سألناه عن معرفته بميشال عون أجاب: لا أعرفه ليس من جيلي. استغربنا سائلين: بلى، أنتما من جيل واحد. سأل: كم عمره؟ أجبناه: يقترب من التسعين. فردّ: أنا أصغر. ( إنها كذبة بيضاء)

ما النسيان سوى قلب صفحة (أو صفحات) من كتاب العمر. فكم ينطبق ذلك في حالة ميشال معلولي؟

فلنبدأ من البدايات: من سوريته أو من لبنانيته؟ يجيب: أنا لبناني، ولدت في زحلة، أصلنا من راشيا التي أتينا إليها من «معلولا» في سوريا وهكذا أصبحوا يقولون عنا: إنهم «معلولي» (تيمناً بمعلولا) كما كانت هناك عائلة الحلبي الآتية من حلب وعائلة حمصي الآتية من حمص. أصل العائلة من سوريا أما أنا فلبناني. والدي كان أستاذاً في مدارس البروتستانت. علّم في القدس وفي راشيا وفي زحلة. ولدينا منزل في زحلة، وهناك منزل الأجداد في راشيا، أما في معلولا فليس لدينا منزل».

قيل من زمان: نيال اللي إلو مرقد عنزة في لبنان. بيت معلولي أنشأوا مراقد لهم في لبنان لا في معلولا. لكن، ألا يزور معلولا؟ يجيب «زرتها مرات قليلة جداً. حين كبرت، وأنا تلميذ مدارس البروتستانت التي علمتني الإنكليزية لا الفرنسية، صرتُ أذهب كل يوم أحد الى سوريا لأتعلم الحقوق هناك باللغة التي أعرفها. جامعات لبنان كانت تعلّم بالفرنسية. كان بيتنا في زحلة وأركب باصاً يقلني صبيحة كل أحد الى الشام. هناك التقيت نبيه بري. كان يدرس المحاماة أيضا. وكان خالي فارس معلولي قومي سوري. رافقته دائماً.

في الطائف



أيام الزعيم

كبر وحيداً، بعدما مات شقيقه جورج الذي كان يكبره بعام واحد. وقع عن أرجوحة يلعب عليها ومات. أصبح ميشال معلولي وحيد البيت، لا شقيق ولا شقيقة، وكبُر هادئاً مع والديه عيسى ونظله لا يحب الشغب. وشيئا فشيئاً أصبح يتشرّب مبادئ القومية السورية - لقربِهِ من خاله ويقول «هو رباني وأتذكر أن أنطون سعادة كان مطلوباً. وأخبرني خالي أنه ذات يوم أتى الى لبنان لإقامة مهرجان. وكان يجلس الى جانبه في الطائرة زعيم فلسطيني كبير. وحين دنت الطائرة من الأرض شاهدا الناس، مثل النمل، فتوجه الزعيم الفلسطيني الى زعيم الحزب القومي السوري بالقول: أنظر كم هم الناس في لبنان أوفياء الى القضية الفلسطينية. ظنّ أنهم أتوا لاستقباله. لكنه غادر المطار لاحقاً وحيداً. الجماهير التي احتشدت جاءت لمرافقة أنطون سعاده. كنت صغيراً جداً وشاركت المتظاهرين وانتقلت في الموكب في اتجاه برج البراجنة. هناك حصل مهرجان كبير توجه فيه أنطون سعاده الى أنصاره، مرتجلاً خطاباً قال فيه: إنها أسعد ساعة في حياتي إذ أعود بعد اغتراب قسري دام تسع سنوات لأرى أمة قد رفضت أن يكون قبر التاريخ محلاً لها في الحياة. وأتذكر أن التصفيق دام في تلك اللحظة نحو ربع ساعة. ويومها اخبرني خالي أن بشاره الخوري ورياض الصلح قالا: لو أقيم هذا التجمع الجماهيري في قلب بيروت لكان استلم القوميون السوريون الحكم» يتابع «يومها صدرت مذكرة توقيف في حق أنطون سعاده فهرب الى ضهور الشوير. هناك زرته مع خالي. كنت صغيراً. رأيته يحمل رشاشاً ويرتدي معطفاً طويلا لإخفائه تحته. مكث فوق. وشكّل القوميون درعا حوله كي لا تتجرأ القوى الأمنية أن تأخذه ولو فعلت لكانت حصلت مواجهات دموية».

هل وجوده الدائم الى جانب خاله جعله «يتشرّب» القومية السورية؟ يجيب «هذا صحيح جداً. هذه هي الحياة. تشربتُ المبادئ وبينها: ضرورة فصل الدين عن الدولة. أنا أنتمي الى الطائفة الأرثوذكسية فلماذا يحصرونني سياسياً في طائفتي؟ علمنا أنطون سعاده أن الدين علاقة بيننا وبين الخالق وممنوع على رجال الدين التدخل في السياسة. آمنتُ بذلك. ذهبت لاحقاً الى الجامعة الاميركية في بيروت. نحن لم نكن نملك المال وخالي هو من وضعني في الجامعة ولا أدري إذا كان الحزب القومي هو من سدد القسط».

«حين كبرت أقسمت الولاء للحزب القومي السوري في حدوده الطبيعية. ولائي أصبح للحزب. لكن، ما حدث لاحقاً أن تصرفات كثير من القوميين السوريين تغيرت فتجاوزوا مبادئ الحزب. أصبحوا مع حزب الله وأنا مؤمن بفصل الدين عن الدولة. أصبح لي وجهة نظر مختلفة. قلتُ لقوميين سوريين كثيرين: ما الذي دفعكم الى الإتفاق مع حزب الله؟ أنا قومي لكنني لستُ مع قوميتكم. حزب الله يؤمن بدين ونحن نرفض ذلك».

أبى التسلّط (تصوير رمزي الحاج)



إلى الندوة البرلمانية

ترشح ميشال معلولي أوّل مرة الى الإنتخابات النيابية في العام 1968 ولم يحالفه الحظ. القوميون السوريون طالبوه بالترشح وقالوا له: نحن بحاجة الى أمثالك لتطبيق مبادئ الحزب. أصبحت مرشح الحزب القومي السوري الى مجلس النواب اللبناني. ترشحت من جديد في العام 1972 ونجحت. في تلك السنة انتخب شخص من الكورة نائباً لرئيس مجلس النوّاب (فؤاد غصن) عيّنوه وزيراً بعد خمسة أشهر فحللت مكانه. إنتخبتُ خمسة رؤساء جمهورية. ترك لي رئيس المجلس النيابي كامل الأسعد هامش حركة. كان يقول لي: ما خصني في قانون الإيجارات الذي كان حوله خلاف كبير. قال لي: ترأس الجلسات أنت. ذهبت انا الى اللجان. دعوت المستأجرين والمؤجرين ليتناقشوا ويتفقوا على قانون للإيجارات جديد ودام ذلك نحو ثلاثة أشهر. ويوم عرضنا المشروع في المجلس النيابي رفع نواب أيديهم إعتراضاً فرفضت الإصغاء إليهم وقلت لهم: لماذا لم تشاركوا في عمل اللجان؟ ضربتُ المطرقة على الطاولة وولد قانون الإيجارات: أقرّ».



20 عاماً في المجلس



مَن رئيس المجلس

كان لدى كامل الأسعد إهتمامات أخرى. وذات مرة قال لي كميل شمعون: لم نعد نعرف من هو رئيس المجلس أنت أو كامل. كلما تحركنا نراك في «خلقتنا». كان كامل الأسعد يجد أن بعض المسائل المطروحة ليست من مستواه ليوليها اهتماماً ومتابعة. فهو إبن أحمد بك الأسعد. كان متشاوفاً وممتلئاً من نفسه و... لذلك لم يكن يهتم. في 20 عاماً، انتخبت نائباً للرئيس خمس مرات. ويوم أتى حسين الحسيني تبدلت الأمور. أراد أن يستردّ الصلاحيات كاملة فأصبحت تقريباً بلا عمل. خفّت صلاحياتي ومهماتي كثيراً في المجلس. إختلفتُ معه مراراً. ولم تكن بيننا صداقة ومودة. شعر الحسيني بحسد مني لأنني كنت أتصرف على أنني الرئيس الفعلي. ويوم بدأ تحضير نبيه بري ليخلف الحسيني أخرجوني من المعادلة» ومن البرلمان...

مسائل كثيرة حدثت بعضها «فاقع» أشعرتنا بالذهول. ميشال معلولي يعترف: «كنت أقوم ببعض الممارسات أثناء التصويت. كان طلال المرعبي ( أصغر النوّاب سنّا مع نجاح واكيم في مجلس العام 1972) يسحب الأوراق من صندوق الإقتراع وأنا أعلن نتائجها. وكنت أقول: ورقة بيضاء إذا لم تعجبني الورقة ( الإسم الوارد فيها). «زعبرت» يعني؟ نسأله فيجيب: «أنا أعترف أنني غشيت أمام صندوق الإقتراع مرات. طلال كان يسحب الورقة ويفتحها وأنا اقرأها وأمزقها. ومرات كثيرة قالوا لي: لا تعد الى بيتك لأن هناك من سيقتلك. هربتُ مرة الى أوتيل ألكسندر بعد الإنتخابات. ومرة مكثت في زريبة يملكها أحدهم من بيت أبيلا. ومرة مكثت في «روف» منزل في زحلة».

أُخرج من السياسة



هذا ما قلته لبشير

لحساب مَن كان يتصرف؟ يجيب: «كقومي سوري كان ولائي للحزب». لكن ميشال معلولي القومي السوري إنتخب بشير الجميل الذي عاد وقتله قومي سوري... يقاطعنا بالقول: «نعم إنتخبت بشير ولدي صور معه وآمنت منذ اللحظة الأولى أنه زلمي آدمي وغير أمين. هذا شيء وذاك شيء آخر مختلف تماماً. بيار الجميل أنجب أبيض وأسود. وأتذكر أن بشير زارني ذات يوم بعيد إنتخابه فقلتُ له: أمكث في القصر. أنت الآن رئيس جمهورية ونحن كل مستقبلنا يتعلق بك. وإذا قتلوك فماذا سيحلّ بنا؟ سننتهي. ونصحته أن يأتي بحرس يثق بهم. علمته. قلت له لا تأتي بعسكر لا تعرفهم. واحكم لبنان من القصر».

هل كان خائفاً أن يقتلوه؟ هل كان مدركا أن حزبه سيقتله؟ يجيب: «لم يكن هناك مانع من أن يقتلوه. مرّة قلت في إحدى مقابلاتي: من أين يأتي قومي سوري بمالٍ؟ فنصحني أحدهم بألّا أعود الى بيتي لأنني لن أكلف إلا رصاصة ثمنها خمس ليرات. هناك مرتشون. هناك من لا يستأهلون مناصبهم من السياسيين». نعود لنسأله: أين صدر قرار قتل بشير الجميل؟ يجيب: «ليس له خارطة. ليست لي علاقة بمن اعتبر أن وصول بشير يؤذيه». نسأله مجدداً: من أكثر من كان يؤذيه وصول بشير؟ يجيب: «لا أعرف. ما أعرفه أنهم قتلوه».

ما نعرفه نحن، أن هناك ما لا يريد قوله ميشال معلولي. نسأله: القومي السوري الذي يؤمن هو بمبادئه قال عن قاتل بشير: بطل؟ يجيب «هذا صحيح. والقومي السوري عاد وتحالف مع حزب الله. شو فيي أعمل».

القومي السوري ميشال معلولي إنتخب قائد القوات اللبنانية بشير الجميل عن قناعة. ويقول: «آمنت أنه نظيف. ولاحقاً، نصحت رينيه معوض أيضا أن لا يشارك في الإستعراض العسكري بعد إنتخابه فقرر المشاركة. وقتلوه».

ماذا عن التدخل السوري يومها في مسار الأحداث؟ يجيب «لم يكن هناك تدخل بقدر ما كانت هناك مافيات تقبض من فلان وعلتان».



خلاصة العمر



الطائف والصلاحيات

وصلنا الى الطائف. شارك معلولي في مناقشة الإتفاق وصياغته. فماذا عن ظروف تلك المرحلة؟ يجيب: «كنت هارباً في قبرص حينها. فأقلتني طائرة من هناك الى الطائف. أخذوا هواتفنا كي لا ننقل الأخبار. مكثنا في الفندق. وكنا ننزل أحيانا الى السوق. مكثنا شهراً. كنا نسهر معاً ليلاً وعند العاشرة أخلد الى النوم لأستيقظ عند السابعة صباحا و...». كنتم تلاميذ مدرسة يعني؟ يجيب: لا، لا، لكن لم يكن هناك شيء نفعله. شاركت في النقاشات وكنا أحراراً لكن الطائف الذي صنعناه لم يطبق. وضعنا اللامركزية الإدارية الموسعة أسوة بما حصل في سويسرا التي أسست كونتونات. المسلمون يحق لهم أن يتزوجوا أربع مرات نحن لا. وكل واحد على دينه الله يعينه. لم نقبض مالاً من أحد. على الأقل أنا لم أقبض غيري لا أعرف. ناقشنا التفاصيل فقط لا غير».

لكن، كم كان قرار النواب في أيديهم وقناعاتهم؟ يجيب «حسب كل نائب من صنعه. أنا صنعني القومي. من صنعني يمون عليّ. هو الطربوش والرئيس. ولاحقاً قامت قيامتي على إخفاء محاضر الطائف لكنني لم استطع أن أفعل شيئاً. كنت أقول أنه حين نختلف على المبدأ فعلينا أن نعود الى المحاضر لكن حسين الحسيني أخفى المحاضر. وبدأ يقول هذا هيك وذاك هيك. لكن، ماذا يثبت ما يقول بغياب المحاضر. قلت لهم: هذا أول دستور في العالم بلا محاضر. أخفاها جميعها».

لم يطبق شيء من الطائف. يقول ذلك ويكرره. نتابع الإصغاء إليه: «اللامركزية ضرورة. ماذا يجمع حزب الله والمستقبل؟ لا شيء. ماذا يجمع المسيحيين وحزب الله؟ لا شيء. كيف نكون معه سوياً طالما قراراته تأتي، باعترافه، من إيران. قال حسن نصرالله: أنا آكل واشرب وأتسلح من إيران. هو اعترف بذلك. اللامركزية الإدارية الموسعة التي أقريناها تشبه ما حصل في سويسرا. سويسرا لم تتجاوز صراعاتها إلا بعدما أصبحت كونتونات. (كرر الفكرة أكثر من مرة في خلال الجلسة الطويلة). قلنا إن اللامركزيات تستلم نفسها باستثناء أمرين: الخارجية وقيادة الجيش اللبناني. فليس من المعقول أن يكون لكل لامركزية سفراء وجيش». نكاد نشعر أن ما أقروه فيدراليات مرفوضة اليوم؟ يجيب: «نحن لم نقل فيدرالية. إبتعدنا عن التسمية. صحيح أن ما وقعناه نوع من الفيدرالية لكننا لم نسمه فيدرالية التي هي أساسا كلمة أجنبية لا عربية وترجمتها كانت في الطائف في لغتنا العربية: اللامركزية الإدارية الموسعة».

من المسؤول عن عدم تطبيق الطائف برأي أحد آخر رجالات الطائف؟ يجيب «حين يقول لي احدهم سأقتطع من صلاحياتك عليّ أن أرفض. حين يقولون لي: أنت الرئيس لكن لا يحق لك تعيين رئيس مجلس الوزراء عليّ أن اسأل: لماذا؟». لكن، أنتم من إقتطعتم من صلاحيات الرئيس؟ ميشال عون، آخر رئيس للجمهورية، قال ذلك مرارا؟ يجيب معلولي: «لو طبّق الطائف لتغيرت المسائل كثيرة ولفهمنا ماذا قصدنا بذلك. نحن ضبطنا كثيراً من الأمور. كان يفترض بميشال عون، الذي لا أعرفه كونه كان ضابطاً أثناء وجودي ( في البرلمان)، المطالبة بتطبيق الطائف ومن ثم الحكم عليه. حين يطبقون الطائف يستطيعون أن يحكموا عليه. هل طُبقت اللامركزية الإدارية الموسعة؟ لا. فكيف يمكن إذاً الحكم على الإتفاق».

بعد عودتك من الطائف هل خرجت من المعادلة السياسية؟ يجيب «لم أخرج. هم أخرجوني». من هم هؤلاء الذين أخرجوه؟ يجيب: «سألت أحد النواب الأرمن، الذي كنت انتقل بسيارته، لماذا حصل ذلك معي؟ لم يجبني لكنه صار يرتجف. من كان؟ نسيت إسمه. أدركتُ حينها أنهم قالوا عني: هذا رأسه كبير ولا يسمع من أحد لذلك لا يتلاءم مع المرحلة. القوميون السوريون سألوا بدورهم ما سألته فقيل لهم: لا نعرفه».



على قدّ الحال

يبدو ميشال معلولي اليوم متحسراً على «الخيانة السياسية التي تعرض لها» ويقول: «أنا أسكن اليوم في ضبيه في بيت مساحته 200 متر في حين أن غيري من مشوا كما يريدون منهم يسكنون في راس بيروت. في السياسة كما في الدعارة. هناك إمرأة يقولون لها خذي ألف دولار واتركي أحدهم يلمس يدك فترفض وترميهم بحذائها وهناك من تأخذ مئة دولار وتمضي طوال الليل مع أحدهم. أنا تربيتي مختلفة. صحّ؟ غلط؟ لا أعرف. ما أعرفه أنني نظيف وهذا ما لا يعجبهم. هناك نواب صنعوا من أولادهم نواباً وتدفقت عليهم الخيرات أما أنا فابني وليد يعمل مهندساَ ويتنقل بين لبنان ودبي كي يؤمن معيشته ولم أستطع أن أجعل منه نائباً».

من تدفقت عليهم الخيرات هم من طُولبوا أن يفعلوا «كذا وكذا» وفعلوا. صوتوا مع قوانين عكس مبادئهم وصوتوا ضد قوانين عكس مبادئهم أيضاً. أما أنا فبعد 20 عاماً في السياسة أعيش على «قد الحال». يخبرنا ذلك ميشال معلولي مقهوراً.

هو محام متقاعد ويعيش من راتبين: المعاش التقاعدي من النقابة والمعاش التقاعدي من النيابة. نسأله: كم يتقاضى اليوم؟ يجيب: لا أعرف وينادي زوجته لتساعده. وكيف يقيّم أداء المجلس النيابي اليوم وهو الخبير في كواليسه طوال عقدين؟ يجيب: «إنه زمن أمرك سيدنا yes man.

لميشال معلولي صبي وبنت. أتت البنت أولاً فحزن كل من يحوطون به وينتظرون الصبي لذلك ونكاية بهم سماها ميشال، ميشال معلولي، على اسمه. تزوجت من جورج عريضة وتطلقت منه بعدما أنجبت ولدين: إدوين وغلاند. إنها تقطن حاليا في جزء من البيت الذي يسكنه هو. بعد ميشال وُلد لنا وليد الذي سمى: ميشال ولوقا (فتاة) وإيفان (يوحنا).



لا أصدقاء

يمضي «دولة الرئيس» معظم أوقاته اليوم غالبا في البيت. يقصد النادي العسكري مرتين في الأسبوع، كل ثلاثاء وخميس بعد الظهر، حيث يلعب طاولة الزهر مع بعض الأصدقاء وبينهم نبيل فرحات. ويقصد أحيانا المتجر المجاور لمنزله في ضبيه ويشرب فنجان شاي ثمنه أصبح 600 ألف ليرة. كل شيء تغير. وهو منذ العام 1992 لم يطرح اسمه ليكون في أي مؤسسة رسمية ويقول «يجب أن تكوني مستعدة للسرقة ولديك شركاء ومعلّم لتكوني في المعادلة».

هل يقرأ؟ يجيب: «قليلاً جداً. اسمع أحياناً الموسيقى. اصلي قليلاً ولا أتفق مع رجال الدين أصحاب الأموال وأقول لهم: حلوا عني.

ماذا عن رابطة النواب السابقين التي أسسها؟ يجيب «هم قالوا لي أيضاً: حلّ عنا. كنت أتقاضى من كل نائب سابق منتسب الى الرابطة رسم 10 آلاف ليرة شهرياً وأنظم لهم حفلات في المناسبات.القي كلمة. وفي آخر المطاف قالوا لي: فلّ. لا أعرف إذا كانت الرابطة ما تزال موجودة. طلبت من السكرتيرة أن تشطب إسمي منها.

من هم أصدقاؤه في السياسة؟ يجيب بحزم: لا أصدقاء لي. المصلحة تتقدم. ماذا فعلت أنا ليخرجوني من المعادلة؟ هل كان عليّ أن أقول لهم: أمرك سيدنا؟ لن أفعل». هل نفهم من كلامه أنه لا يزال لديه حنين الى السياسة؟ يجيب: «طبعاً، هذا بلدي فهل أتركه للزعران؟ أعيش الآن آخر أيامي لكن لماذا يجب أن يعيش أولادي واحفادي في القهر؟ حفيدي ميشال مسافر وحفيدي الآخر يطمح الى السفر وحفيدي الثالث بلا عمل... وأخاف على ابنتي إذا خرجت تسهر فأقول لها: إنتبهي وأنت عائدة كي لا «يشلحوك» ويسرقون سيارتك ويذهبون بها الى سوريا».

متزوج أستاذ ميشال من نظيرة الريّس من حاصبيا وهي أيضاً من الطائفة الأرثوذكسية. صوره في كل مكان. يحب الصور التي تعيده بالذاكرة الى أيام غاربة. نسأله: من هو رئيس الجمهورية الذي تفتخر برفع صورتك معه؟ يجيب: لا أحد. نسأله: من هو رئيس المجلس النيابي الذي يجعلك تفتخر برفع صورتك معه؟ تتكرر إجابته: لا أحد. نسأله عن صداقاته من النواب؟ يجيب: مات معظمهم ويستطرد: تناولت الغداء منذ وقت مع إدمون رزق. ويسأل: البارحة، قبل كم يوم، جرى مهرجان في جزين (مهرجان التيار العوني) فهل وجدتِ إدمون بينهم؟ طبعا لا. هم يأتون بأناس لا نعرفهم ليصفقوا لهم.

أصدر معلولي كتابين: «شاهدتُ وشاركت» و»أحداث ومواقف» وفي كليهما أبى أن يسرد كل شيء. ويقول: «أبتعد عن كل الأحداث التي فيها إهانات وفضائح كي لا يقتلوني. لم أكتب عن الفضائح ولا أريد أن أتحدث عنها. ويعود ليكرر خبرية المرأة التي تبيع جسدها في الدعارة.

يقف. نراه يضبط ساعته. نسأله عما إذا كان قد ضبطها على ساعة نبيه بري قبل شهرين؟ يضحك كثيراً ويكتب خلاصة عمره: «أملي في الحياة أن يكون لبنان دولة مستقلة حرّة غير تابعة لأيّ فريق أو سياسي». التوقيع: ميشال معلولي.


MISS 3