علي أبي رعد

مخزون الذهب خط دفاع بعيد والإقتراب منه خطير

9 أيار 2023

02 : 00

كلّما عصفت الأزمات الاقتصادية بلبنان، تتعالى الأصوات بالاستفسار عن الرصيد الذهبي، الذي جُمع منذ ستينيات القرن الماضي، بمبادرة من رئيس المصرف المركزي آنذاك الرئيس الراحل الياس سركيس. إذ كان ذلك متماشياً مع قرارات صندوق النقد الدولي بتغطية جزءٍ من العملات الوطنية بالذهب، على أثر مؤتمر بريتون وودز صيف 1944، والتي سقطت مفاعيله بعد قرار الرئيس الأميركي نيكسون بخروج أميركا عن تحويل الدولار إلى ذهب عام 1970، علماً بأن الليرة اللبنانية التي كانت مغطاة بنسبة 50% بالذهب والموجودات الخارجية، من قيمة النقد المُصْدر. وبات المخزون الذهبي من الأصول التي تلعب كخط دفاع إقتصادي يُشار إليه من بعيد ولا يُمكن الاقتراب منه لأسباب وموانع عديدة... لكن كيف الحال اليوم ويعيش لبنان أسوأ ظروفه الاقتصادية بفضل سياسييه وحكامه بعد أن تدهور الوضع الاقتصادي والمالي ووصوله إلى منزلق غير مسبوق منذ تأسيس لبنان وهذا يطرح المزيد من الأسئلة.

هل تسييل الذهب أو التصرف فيه كأصل تمتلكه الدولة والشعب يُخفف من استفحال الأزمة الاقتصادية والانهيار المريع، أو دونه قيود ومخاطر وشروط؟.

أسئلة يُمكن الإجابة عليها بعد توضيح النقاط التالية:

- يُعاني لبنان الآن أصعب حالاته الاقتصادية والمالية بعد استنزاف احتياطه النقدي نتيجة للسياسات المالية والنقدية منذ أوائل تسعينيات القرن المنصرم، ومنها انتهاج سياسات اقتصادية ريعية واعتبار لبنان بلد خدمات وسط محيطه العربي، فبات لبنان على فالق متأرجح لمصالح الدول المتناقضة.

ترافق ذلك مع سياسات دعم غير مدروسة ولأسباب زبائنية ومنها: الدعم للمواد الأساسية والتي هُرِّبت إلى خارج البلاد وما تبقى جمعه التجار لبيعه بأسعار السوق السوداء. إضافة إلى أرباح المصارف الخيالية، وتبديد الودائع وسوء الإدارة والمواقف السياسية والميدانية تجاه الدول الخليجية والتي جلبت المزيد من العداوات ما جعل لبنان محُاصراً يتخبط بأزماته.

- يحتل لبنان اليوم المرتبة 20 في قائمة الدول التي تحوز على احتياطي الذهب بكمية تبلغ نحو 287 طناً أي حوالى 10 ملايين أونصة... ثلثا هذه الكمية محفوظ في مكان آمن بخزائن المصرف المركزي والثلث الباقي محفوظ تحت حراسة أميركية في قلعة «فورت نوكس» في الولايات المتحدة الأمريكية.

- رهن الذهب أو تسييله والتصرف فيه لمواجهة الأزمة المالية، دونه صعوبات قانونية ومخاطر أهمها:

- منذ ثمانينيات القرن الماضي وبعد اجتياح العدو الإسرائيلي وخروج منظمة التحرير الفلسطينية، تعرض لبنان لأزمة إقتصادية (مالية ونقدية) دفعت بالعديد للإيماء بالسر والعلن حول مخزون المصرف المركزي من الذهب. فمخافة أن تلجأ السلطة يومها إلى التصرف بهذا الذهب عاجل يومها مجلس النواب وبرئاسة الراحل الرئيس حسين الحسيني إلى التصويت على مشروع قانون يمنع بيع الذهب أو التصرف به إلا بقانون يصدر عن مجلس النواب، وبالتالي لا يمكن الحجز عليه في حال الدعاوى ضد الحكومة اللبنانية عندما تتأخر في تسديد ما عليها من ديون.

- ومن الصعوبات أيضاً أن تحريك هذا الملف الذي قد يدفع بالدائنين الدوليين حاملي (اليوروبوندز) إلى

رفع دعاوى أمام محاكم نيويورك التي قد تحتجز الذهب المحفوظ لديها، علماً أن مصرف لبنان وبصفته مؤسسة مستقلة يستطيع التذرع بأن الذهب ملكه وليس ملك الدولة اللبنانية. إلا أن هذه المحاكم قد تلجأ ونتيجة لضعف السلطة أمام القوى الداخلية التي تملي خياراتها على الدولة باعتبار لبنان دولة مارقة يُمكن الحجز على ممتلكاتها كما حصل مع دول أُخرى.

- كما أنه ليس بالسهولة بمكان استرجاع الذهب من الولايات المتحدة الأميركية التي قد تعتبر أن لبنان محكوم من قبل سياسيين فاسدين.

- يبقى أن نقول أن الإستثمار في الذهب وتوظيفه في استثمارات ضمن خطة مدروسة لدفع عجلة الاقتصاد وتحت إدارة رشيدة ليس من المستحيلات. علماً أن الحفاظ على الذهب يزيد قيمته مع الزمن وفقاً لتطور سعره مقوماً بالدولار. إنّما وفي ظل وجود هذه المنظومة فأي رهن أو بيع أو تحريك لهذا الملف يُعتبر تبديداً للثروة الوطنية ولأصول الدولة وعملاً مُجحفاً بحق المواطن والأجيال اللاحقة ومرفوضاً ومن باب المُحرّمات.

(*) أكاديمي وكاتب إقتصادي


MISS 3