ريتا ابراهيم فريد

الحميات الغذائية والتأثير النفسي... حدّ الهوس

18 آذار 2020

10 : 12

يتعرّض كثيرون للتنمّر والسخرية بسبب وزنهم الزائد، ما يدفعهم الى اتباع حميات غذائية قاسية لخسارة الوزن بشكل سريع، وقد يصل بهم الأمر حدّ الهوس. وهنا يظهر الارتباط واضحاً بين "الدايت" وبين التأثير النفسي عند الذين يعيرون اهتماماً مفرطاً لهذا الموضوع. وإذ يعتبر البعض أن اتباع الحمية الغذائية هو نوع من "القصاص" الذي لا مفرّ منه، يصلون أحياناً الى الاكتئاب. لكن بالمقابل يشهد قسم آخر تحوّلاً ملحوظاً في مزاجهم ونظرتهم الى الحياة، وذلك بعد أن يصلوا الى هدفهم في خسارة الوزن المطلوب.

فيما يعمد البعض الى عدم الاكتراث للتعليقات السلبية المتعلقة بزيادة وزنهم، كانت "تانيا" تتعرّض لانتقادات مستمرّة حول سمنتها الزائدة منذ أن كانت في الثالثة عشرة من عمرها، حتى أصبحت مهووسة بالتوقّف عن الطعام وخسرت الكثير من الوزن خلال أقلّ من شهرين، وعندها ظنّ الجميع أنها مريضة. وتشير في حديث لـ"نداء الوطن" الى أنّها حافظت على هذا الوزن الى حين حملت بطفلها الأول، عندها ازداد وزنها ثلاثين كليوغراماً. ثم ازداد أكثر فأكثر حين حملت للمرة الثانية، الى حدّ وصل الى ما يقارب الـ 95 كيلوغراماً، وازدادت معه مشاكلها الصحية. بعدها مرّت بحالة نفسية صعبة وتوقّفت عن تناول الطعام بشكل نهائي حتى خسرت الكثير من الوزن الى حدّ لم يتعرّف إليها أحد، واضطرّت الى تناول الكورتيزون، فعادت من جديد الى السمنة المفرطة وهنا كانت الكارثة على الصعيد النفسي حتى لامست حدود الاكتئاب، فحبست نفسها في المنزل ولم تعد تبتاع الملابس، حتى أنها مزّقت صورها القديمة.

بعدها قررت أن تزور اختصاصية تغذية، وفي البداية كانت تشعر أنها "مقاصصة"، لكنها سرعان ما اعتادت على الحمية وخسرت الوزن المطلوب، مما زاد من حماستها للمتابعة حتى وصلت الى النتيجة المرجوّة. وتقول تانيا في هذا الإطار :"لكنني لا أزال الى اليوم أمنع نفسي من تناول كل ما يحلو لي. كما أني أشعر بالتعب النفسي حين ألاحظ ازدياداً في الوزن حتى لو كان كيلوغراماً واحداً". وتعترف بأنّ هذا يعني أنها تعاني من مشكلة في الثقة بالنفس، وتقول :"هذا الأمر ولد جراء التنمّر الشديد الذي تعرّضتُ له منذ طفولتي، ولا أزال أعاني منه".

بدوره، يشدّد "شربل" على الارتباط الوثيق بين نمط طعامه وبين حالته النفسية، ويقول :"حين أكون غاضباً أو متعباً نفسياً أو عندما تعاكسني ظروف الحياة، ألجأ الى تناول الطعام بشراهة وبكميات كبيرة". وإذ ينفي أن يكون قد وصل الى مرحلة الهوس بالحمية الغذائية، يشير الى أنه قام لمرّتين باتباعها بشكل رسمي، لكنّه يعمد أسبوعياً وبشكل منتظم الى التنبّه لأكله عندما يلاحظ أنّ بطنه انتفخ قليلاً. ويضيف: "اتبعت الحمية الغذائية لأسباب عدة، أولاً كي أتجنّب تعليقات الناس على وزني المتزايد، إضافة الى محاولة المحافظة على شكل لائق لجسدي خاصة قبل حلول فصل الصيف".وعن الإيجابية الكبيرة التي يشعر بها بعد الانتهاء من الحمية، يقول :"سعادة كبيرة تنتابني حين أصل الى النتيجة التي أبتغيها والتي ثابرت من أجلها، إذ أشعر كأني قد حقّقتُ هدفاً وانتصرت".

من جهتها، تشير "جيسي" الى أنّ أسباباً صحية كثيرة أجبرتها على اتباع حمية غذائية مرات عدّة. ومنذ البداية تابعت مع إختصاصية تغذية ولا تزال تزورها. وإذ تؤكّد أنّها لم تهتم يوماً للوصفات التي تُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنها عمدت أكثر من مرة الى اتباع أساليب خاصة للـ"دايت" قامت هي نفسها باختيارها من دون استشارة إختصاصية التغذية، لكنّ النتائج لم تكن إيجابية. وأوضحت :"حاولتُ ذات مرّة أن أتوقّف عن تناول الطعام بشكل نهائي. لكنّ ذلك انعكس بشكل سلبي جداً، فكنتُ متعبة وعانيتُ من هبوط في مخزون السكري. أما على الصعيد النفسي فشعرتُ بتوتّر شديد. كما أن النتيجة انتهت بأنني ربحت وزناً أكثر من السابق، لذلك توقفتُ على الفور وعدتُ الى اختصاصية التغذية".

ولفتت "جيسي" الى أنّ اتباع الحمية جعلها شخصاً أكثر إيجابية وأكثر اندفاعاً، وانعكس ازدياداً في ثقتها بنفسها، وتابعت :"حتى أن اتباع الحمية الصحيحة ساعدني على تحسين النوم وتخفيف سرعة دقات القلب، إضافة الى اتزان في مخزون السكر. كما أن حركتي أصبحت أفضل بكثير وتحسّنت قدرتي على التركيز".




ربى الأسمر : ضرورة التقيّد بالمعايير الطبية وفقاً لنتائج فحص الدم

في الفترة الأخيرة تزايد الإقبال على اتباع حميات غذائية لسببين أساسيين، بحسب ما تشير إختصاصية التغذية ربى الأسمر. السبب الأول هو سعي المجتمع الى الكمال، بحيث بات متأثراً بكل ما يراه من كمال في الأجسام على مواقع التواصل الاجتماعي. والسبب الثاني هو ارتفاع نسبة الوعي في ما يتعلق بتأثير الطعام على صحة الإنسان، وأهمية تناول الأطعمة الصحية للوقاية من أمراض معيّنة كالسرطان أو السكري أو مشاكل ضغط الدم. وتضيف في حديث لـ"نداء الوطن" أنّ هناك مسؤولية تقع على اختصاصيي التغذية لناحية التعامل بطريقة صحيحة منذ البداية مع الشخص الذي يقصدهم، وذلك تجنّباً لأن يصل الى مرحلة الهوس بتخفيض وزنه. وتوضح : "يجب أن نفسّر له أن الحمية الغذائية هي نمط وأسلوب حياة سليم، وليس محصوراً بأسبوع أو بثلاثة أسابيع. وعندما يطلب منا حمية قاسية جداً كي يخسر وزناً كبيراً في وقت سريع، يجب أن نشرح له أن هذا الأمر غير سليم ويؤثر سلباً على صحّته". وإذ تشدّد على ضرورة أن يتقيّد إختصاصيي التغذية بالمعايير الطبية لو مهما كان الهدف، والتي يتمّ تعديلها بحسب نتائج فحص الدم الخاص بكل شخص، تشير الى أنّه يجب إدخال كل أنواع الأغذية في الحمية من طبخ وخبز وأرزّ وبطاطا ولحوم ودجاج وسمك... وعن الهوس بالحمية، تشير الأسمر الى أنّ البعض ينتابهم الشعور بالذنب كلّما تناولوا الأطعمة التي ينهيهم الإختصاصي عن تناولها، ومن هُنا يدخلون في مرحلة الهوس.

من جهة أخرى، أشارت الى ان هناك خطورة كبيرة على صحة الانسان الذي يلجأ الى اتباع حميات غذائية يجدها على مواقع التواصل الاجتماعي، ونصحت هؤلاء الأشخاص بعدم التقيّد بأيّة معلومة يعثرون عليها على الانترنت، لأن معظم هذه المعلومات قائمة على الكذب بهدف التسويق لمنتجات معينة، حسب قولها. وأضافت :"أنصحهم بزيارة المواقع التي تنتهي بـ .org أو بـ .edu أو بـ .gov، فهذه يمكن الوثوق بالمعلومات التي تقدّمها أكثر، لكن مع ضرورة استشارة اختصاصي للتأكد من أن هذه المعلومة صحيحة أم لا، وذلك لأن الحميات غير الدقيقة الموجودة على الانترنت، يمكن أن تسبّب مشاكل صحية أو نقصاً في الفيتامينات وفي نسبة المياه في الجسم، ومن الممكن أن يؤدي ذلك الى وعكة صحية، لا سيما عند بعض الذين يعانون من مشاكل صحية لا يعلمون بها، مثل مخزون السكري أوالضغط أو فقر الدم". كما لفتت الى أنّ اتباع نظام غذائي سليم سيؤدي الى تحسّن في عمل الجسد الذي ينعكس على دماغ الانسان أيضاً، وتلقائيا سيتحسّن مزاجه، وأضافت :"البعض يربطون مشاكلهم بالحياة بخسارة وزنهم، وهذا الأمر خاطئ. وهنا يأتي دورنا بالتوعية على ضرورة اللجوء الى معالج نفسي للمساعدة على حلّ المشاكل النفسية الأخرى، توازياً مع اتباع نظام غذائي سليم".


MISS 3