لم يكن أمام "العسكرية" سوى خيار إخلاء سبيل عامر الفاخوري

شيطنة هيئة المحكمة ورئيسها "جريمة موصوفة لأن ملف الإدعاء فارغ"

03 : 24

"راحت السكرة وجاءت الفكرة" هو قول مأثور للدلالة على ان في الحقيقة وتبيانها تسودّ وجوه وتبيضّ وجوه، شرط ان تكون الحقيقة ناصعة وساطعة ولا تشوبها شائبة تسوية او صفقة او الاختباء خلف "كبش محرقة" تمثل في قضية عامر الفاخوري بشخص رئيس المحكمة العسكرية العميد الركن حسين عبدالله.

والحقيقة التي يجب ان تقال، هي ان المحكمة اصدرت حكمها باسم الشعب اللبناني استناداً الى الاوراق والوقائع والقوانين والتشريعات التي بين يدي ضباطها وقضاتها، وكما اي محكمة مدنية فان القاضي يحكم استناداً لما هو امامه ولا يخترع شيئاً وهمياً يستند إليه لإصدار حكمه، ومن يريد إبعاد السياسة عن القضاء، عليه ان يقبل اولاً واخيراً بالآليات القضائية والأحكام القضائية التي تلحظ الاعتراض والتمييز.

قوى سياسية لا تريد مصارحة جمهورها

ولكن في قضية الفاخوري تبين بما لا يدع مجالا للشك، ان قوى سياسية تريد الّا تصارح جمهورها بالحقيقة القانونية، وهي ان المحكمة لا تستطيع الا ان تحكم وفق ما صدر عنها من حكم، ولو ان هذه القوى السياسية جادة في مسار قضائي مختلف للقضية، لكانت سارعت منذ توقيف الفاخوري الى اقتراح قانون معجل مكرر عبر كتلتها النيابية او كتلها النيابية لتعديل القانون عبر اضافة جملة تستثني من تعامل مع العدو من سقوط الحكم والملاحقة بمرور الزمن العشري، لكنها لم تفعل، وكعادتها عمدت الى تغطية اخفاقها او عدم جرأتها على المواجهة القانونية والتشريعية، باصدار بيانات أقل ما توصف بأنها هدرت دماء هيئة المحكمة وتحديداً العميد عبدالله، الذي هال رفاق سلاحه انطلاقاً مما يعرفونه عنه من مناقبية ووطنية وكفاءة، ان يكون مصيره ونهاية خدمته العسكرية بهذه الطريقة الدراماتيكية وهو المنزّه عن اية غايات.

حقائق في قضية الفاخوري

ويكفي عرض الحقائق المتصلة بقرار إخلاء سبيل الفاخوري لتبيان الحقيقة كما هي، فقد "إستند قرار المحكمة العسكرية الدائمة في بيروت برئاسة العميد الركن حسين عبد الله إلى أسباب سقوط الدعوى العامة:

- العفو العام.

- مرور الزمن.

بتاريخ 5/3/2020 تقدم المتهم عامر الياس الفاخوري وكيلاه الأستاذان فرنسوا الياس وسيلين عطالله بمذكرة دفوع شكلية طلب في خاتمتها ما يلي:

1- قبول الدفع الشكلي والحكم برد الشكوى الحاضرة وجميع الشكاوى والإخبارات المضمومة اليها وعدم سماعها لعلة توافر أحكام البند الثاني من المادة 73 أ.م.ج لناحية الدفع بسقوط الدعوى العامة سنداً لأحكام المادة 10 أ.م.ج.

بناء عليه: يجوز للمدعى عليه تقديم دفوعه الشكلية أمام المحكمة وإن كان قد تقدم بها أمام قاضي التحقيق الذي لا يتمتع القرار الصادر عنه بشأنها بقوة القضية المحكوم بها تجاه المحكمة.

في الدفع بسقوط الدعوى العامة فقد حددت المادة 10أ.م.ج أسباب سقوط دعوى الحق العام ومنها مرور الزمن - العفو العام...

إن المتهم يتذرع في القانون الواجب التطبيق عدلياً بأن دعوى الحق العام قد سقطت بمرور الزمن.

وحيث أنه تأسيساً على ذلك، وفي ضوء عدم جواز تطبيق أحكام المادة الثانية من قانون أصول المحاكمات المدنية، يكون القانون الواجب التطبيق هو القانون الداخلي اللبناني وتحديداً قانون أصول المحاكمات الجزائية وليس قانون مناهضة التعذيب رقم 65/2017 - كما يدلي المتهم - لعدم إنطباقه على الحالة الحاضرة، فالقانون المذكور يعاقب الموظف الرسمي أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية ولا يمكن إعتبار العملاء المنتمين إلى ميليشيا لحد التابعة للعدو الإسرائيلي يتمتعون بهذه الصفة.

وإضافة إلى ذلك، فإن اجتهاد هذه المحكمة قد استقر على تطبيق أحكام مرور الزمن وفق أحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية على جرائم مماثلة متى توافرت شروطه القانونية، فالمحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد الركن ماهر صفي الدين قد أصدرت بتاريخ 16/11/2001 حكماً بجريمة مقتل المعتقلين إبراهيم أبو عزة وبلال السلمان عمداً بحق العميل أنطوان يوسف الحايك بعد رميه قنبلة دخانية سامة داخل زنزانتهما. وهي الواقعة الجرمية عينها التي يلاحق على أساسها المتهم الفاخوري في الملف الراهن والتي لم يلاحق بها مع العميل أنطوان الحايك في حينه. وقد قضى الحكم بإسقاط الحق العام عنه بمرور الزمن العشري سنداً للمادة 10 أ.م.ج لجهة جرم المادة 549 عقوبات بفقرتها الأخيرة و469 عقوبات بفقرتها الثانية. وأن الحكم قد أبرم لجهة مرور الزمن على دعوى الحق العام بجرم المادة 549 عقوبات وأن المحكوم عليه قد ميز الحكم لجهة باقي المواد حيث صدر حكم عن محكمة التمييز العسكرية برئاسة القاضي طربيه رحمة بتاريخ 30/1/2003 قضى بإسقاط الدعوى العامة عن المتهم أنطوان يوسف الحايك لجهة الجنايتين المسندتين إليه بمرور الزمن العشري وإطلاق سراحه فوراً ما لم يكن موقوفاً بداعٍ آخر (يراجع حكم المحكمة العسكرية الدائمة رقم 6409/2001 تاريخ 16/11/2011 في الدعوى رقم 4393/2000، وحكم محكمة التمييز العسكرية رقم 13/2003 تاريخ 30/1/2003، غير منشورين).

وحيث أن المادة 10 أ.م.ج أعتبرت في بندها الثاني أن مرور الزمن مدة عشر سنوات على الجناية هو سبب من أسباب سقوط دعوى الحق العام، واعتبرت في الفقرة الثانية مرور الزمن يبدأ في الجرائم الآتية من تاريخ وقوعها وفي الجرائم المستمرة من تاريخ الحالة الجرمية.

وحيث أن القتل ومحاولة القتل المنصوص عليهما من المادتين 549 و549/201 عقوبات يعتبران جرمين آنيين وقد حصل الأول في العام 1989 أما الثاني فحصل قبل العام 1998 أو خلاله على أبعد تقدير طالما ثبت من التحقيقات أن المتهم إستمر في التعامل مع العدو الإسرائيلي حتى العام 1998، فيبدأ من هذين التاريخين سريان مرور الزمن على دعوى الحق العام، في حين أن جرم حرمان الحرية الشخصية المنصوص عليه في المادة 569 عقوبات يعتبر جرماً مستمراً متعاقباً لحين معرفة مصير المجني عليه أي لحين إطلاق سراحه أو وفاته.

وحيث أن الملاحقة بوشرت في العام 2019 بحق المتهم الفاخوري، بعد إنقضاء تسعة عشر عاماً على تحرير جنوب لبنان من الإحتلال الإسرائيلي في العام 2000 وبعد مرور ثلاثين عاماً على القتل وأكثر من عشرين عاماً على محاولة القتل، وبالتالي بعد ما يزيد عن العشر سنوات، فتكون دعوى الحق العام قد سقطت في ما خص هذين الجرمين بمرور الزمن العشري عملاً بأحكام المادة 10 أ.م.ج.

وحيث أنه بالنسبة إلى جرم الخطف فإن المتهم يدلي في مذكرة الدفوع أن الأسير علي حمزة قد توفي وفق ما جاء في تقرير هيومن رايتس واتش تاريخ 27/10/1999 الذي أشار إلى ان المعتقل في سجن الخيام من العام 1985 ولغاية العام 1999 إبراهيم كلش كان شاهداً على ظروف موت علي حمزة في العام 1985 وقال إنه عري من ثيابه في ليلة باردة ووجد ميتاً في الصباح التالي وقد أبرز إثباتاً لإدلاءاته صورة عن هذا التقرير.

وحيث أنه من العودة إلى أوراق الدعوى، ولا سيما القرار الإتهامي ( ص. 8 و9) يتبين أن الشاهدين يوسف ترمس وأنور ياسين أدليا أنه في العام 1985 قام عامر بإخراج علي عبد الله حمزة من معتقل الخيام وكان علي يلفظ أنفاسه الأخيرة كما يتبين من جواب مديرية المخابرات في الجيش اللبناني رقم 1407/م م/د/س. تاريخ 11/3/2020 على تكليف هذه المحكمة بتزويدها بالمعلومات عن علي عبد الله حمزة تمهيداً للبت بالدفوع الشكلية.

وتوافر في محفوظات مديرية المخابرات المعلومات التالية حول القضية: أن المعتقل عبد الله حمزة توفي في العام 1985 داخل سجن الخيام من جراء تعرضه للتعذيب من قبل العملاء، وانه في 21/2/2006 إستدعي إلى مديرية المخابرات العميلان السابقان فؤاد عبلا، وفؤاد أبو سمرا حيث نفيا مشاركتهما بتعذيب حمزة حتى الموت أو بمعرفتهما بمن أقدم على ذلك أو مكان دفن جثته، ومن جواب المديرية العامة للامن العام رقم 8835/س تاريخ 11/3/2020 أن المعلومات المتوفرة لديها تفيد بأن علي حمزة تم إعتقاله العام 1986 من قبل العميل الأمني في ميليشيا لحد حسين عبد النبي وتم نقله إلى معتقل الخيام وبعد فترة أبلغ بعض المعتقلين المفرج عنهم ذويه أن إبنهم علي حمزة قد إستشهد بعد تعرضه للتعذيب وربطه على عامود في ساحة المعتقل.

وحيث أنه تبين من كل ما تقدم أن المعتقل علي حمزة قد إستشهد داخل المعتقل في حينه ونقل جثمانه إلى مكان مجهول، وبالتالي تبدأ مدة مرور الزمن على جرم المادة 569 عقوبات المنسوب إلى المتهم من هذا التاريخ، وقد مر حتى تاريخ الملاحقة ما يتجاوز الثلاثين عاماً، ويقتضي بالتالي إعلان سقوط دعوى الحق العام بالنسبة إلى جرم المادة 569 عقوبات لمرور الزمن العشري.

وحيث أنه في ضوء كل ما تقدم يقتضي قبول الدفع الشكلي لمرور الزمن العشري بالنسبة إلى الجرائم المسندة إلى المتهم وإعلان سقوط دعوى الحق العام لذلك تقرر بالإجماع:

1 - قبول الدفع بمرور الزمن وكف التعقبات عن المتهم عامر الياس الفاخوري بالنسبة إلى جرائم المواد 549 و549/201 و569 عقوبات لسقوط دعوى الحق العام بمرور الزمن العشري سنداً للمادة 10 أ.م.ج، وإطلاق سراحه فوراً ما لم يكن محكوماً أو موقوفاً بداع آخر.

2 - رد كل ما زاد أو خالف.

3 - حفظ الرسوم وإبلاغ من يلزم".


MISS 3