سيلفانا أبي رميا

في يومها العالمي... متاحف لبنان في جهوزية تامّة لصيفٍ مزدحم

18 أيار 2023

02 : 01

المتحف الوطني

يحتفل العالم اليوم 18 أيار من كل عام بـ"اليوم العالمي للمتاحف"، الذي حدّده "المجلس الدولي للمتاحف" ICOM العام 1977، بهدف زيادة الوعي على أهمية هذه المراكز في تطوير المجتمعات باعتبارها الذاكرة الحية للشعوب، متيحاً الفرصة للمختصين للتواصل مع الجمهور وتنبيههم إلى التحديات التي تواجه هذه المرافق التاريخية. اختار المجلس "قوة المتاحف" شعاراً لهذا العام، وتفتح هذه الصروح أبوابها مجاناً أمام الزوار اليوم في مختلف أقطار العالم. وفي جولةٍ على أهم متاحف لبنان، تمكنت "نداء الوطن" من العودة بباقة أمل بصيفٍ واعد ثقافياً وتراثياً بعدما لمست حركة إقبال كثيفة وغير متوقَّعة، في ظلّ وضع إقتصادي صعب يأبى القيّمون على المتاحف أن يقف عائقاً أمام استمرارية رسالتهم.



بحسب إحصاءات وزارة الثقافة الأخيرة التي تمّ إجراؤها في العام 2018، يحتضن لبنان حوالى 105 متاحف ما بين وطني وخاص، تخضع جميعها للمعايير والشروط والقوانين الدولية المتعارف عليها. ولكن لا أرقام جديدة بعد تُخبرنا بالحالة العامة وبأعداد المتاحف التي ما زالت تناضل وتلك التي هزمها الانهيار الإقتصادي وتيار الجائحة فأقفلت مرغمةً. ويتربّع "المتحف الوطني في بيروت" الذي أُنشئ بين 1930 و1938، على عرش صدارة المتاحف في لبنان من حيث الأهمية والعراقة، ويتضمّن مجموعة آثار وطنية تبدأ بفترات ما قبل التاريخ وصولاً إلى الحقبة العثمانية.

وفي حديث مع مديرته العامة وعالمة الآثار آن ماري عفيش، أخبرتنا أنّ هذا المكان يروي قصة لبنان وتاريخه، ومجموعته نادرة جداً، علماً أنه يوجد متحف أقدم منه أُنشئ في أواخر القرن التاسع عشر وهو متحف "الجامعة الأميركية في بيروت".

وقالت: "لعلّ أهم وأقدم القطع التي يحتضنها المتحف الوطني هي ناووس أحيرام ملك جبيل الذي عاش في القرن العاشر قبل الميلاد، ونجد على غطائه كتابةً فينيقيةً ترمز الى أقدم كتابة كاملة وُجدت في لبنان وتتألف من 19 حرفاً من أصل 22 من الأبجدية الفينيقية".

وأشارت الى أن الدخول إلى متاحف لبنان ليس مجانياً إلا أن تكلفته بسيطة جداً، ففي "المتحف الوطني" لطالما كان رسم الدخول بـ5 آلاف ليرة لبنانية فقط، واليوم ورغم الأزمة لم يتعدَّ سعر البطاقة الـ40 ألف ليرة و250 ألفاً للسياح.

وتتفاوت أسعار زيارة المتاحف الخاصة حيث لها حرية في تحديد السعر التي تراه مناسباً، في وقت تختار أخرى إبقاء الدخول مجانياً على مثال "متحف سرسق".

وعند سؤالها عن صيانة المتحف في ظل الوضع الاقتصادي الصعب، لفتت عفيش إلى أن المسألة صعبة ومعقّدة، "فالأزمة المعيشية والتدهور الإقتصادي والتقنين الكهربائي ألقت بثقلها على استمرارية هذه الأماكن بآثارها ومقتنياتها، حيث تحاول "هيئة المتاحف" جاهدةً تنفيذ أعمال الصيانة الضرورية منعاً لتلف أي قطعة من القطع في المتاحف الوطنية".

وعن حركة الإقبال، أوضحت أنّ "ما يحصل أخيراً فاجأنا كثيراً نحن المسؤولين عن المتاحف الوطنية والخاصة، حيث نشهد يومياً دخول ما يفوق الـ300 شخص من سياح محليين ومغتربين، خصوصاً إلى المتحف الوطني بالرغم من تخفيضه ساعات الاستقبال، اذ بات يفتح أبوابه من العاشرة صباحاً حتى الثانية من بعد الظهر فحسب". وأضافت: "هذا الأمر يعطينا دفعاً إلى الأمام حيث لامست أعداد الزوار منذ أيام الألف شخص. ومع هذه الأرقام نقوم اليوم بالتحضير والاستعداد للموسم الصيفي الذي سيكون ومن دون أدنى شك واعداً ومزدحماً".

واستعداداً لجذب المزيد من الزوار وتسهيل الزيارات، طوّر "المتحف الوطني" منذ ثلاث سنوات تطبيقاً خاصاً به باللغات الثلاث العربية والفرنسية والإنكليزية. ويتضمّن فيلماً وثائقياً حول إعادة ترميم المتحف بعد الحرب، ومعلومات كاملة عن المجموعة الأثرية الموجودة فيه كما ونبذة عن تاريخه. وقالت عفيش إنّ: "التطبيق مهم لتسهيل الزيارات خصوصاً أنه يمكن للزائر خلال جولته داخل المتحف أن يستمع إلى الإرشادات السياحية والتفسيرات باللغة التي يختارها".

وبحسب عالمة الآثار، يبقى هدف المتحف الأول والأخير أن يكون مفتوحاً ومتاحاً أمام كل لبناني من دون تمييز، كي يتمكن الجميع من التعرّف إلى حضارة لبنان والتعمّق بقصص المجموعات التي يحتضنها. وختمت قائلةً: "كنا وما زلنا ننظم النشاطات للطلاب من مختلف المناطق ونستقبلهم لنساعدهم على تنمية فخرهم بالمتحف وبآثار وحكايات خلّدها وطنهم عبر السنين. كما عملنا أخيراً بالتعاون مع جمعية Red Oak على تطوير نظام زيارات لذوي الاحتياجات الخاصة".

"ميم للمعادن"


من المتاحف الوطنية، اتجهنا إلى متحف خاص أبصر النور في العام 2013 ويحتضن ثاني أهم مجموعة من المعادن الخاصة في العالم.

وداخل "ميم للمعادن" في جامعة القديس يوسف - بيروت، أكثر من 2000 معدن من 77 دولة في مختلف أنحاء العالم، تتميز بأشكالها المتنوعة وألوانها وقصصها فتثير إعجاب كل الزوار.

يضمّ المتحف مقتنيات فريدة من نوعها، وفق مديرته سوزي حاكيميان، التي أشارت إلى أن سليم إده (أحد أبرز الشخصيات اللبنانية المغتربة في العاصمة الفرنسية باريس) كان يجمع المعادن منذ العام 1997 إلى أن قرّر مشاركة شغفه هذا مع الناس ليعيشوا هذه التجربة ويكتشفوا قسماً من أهم المعادن في العالم.

وإضافةً إلى المعادن، يضم المكان مجموعة من الأسماك المتحجرة التي اشتراها إده من بيار أبي سعد، الذي يملك مجموعة خاصة منها، بحسب حاكيميان، كما هناك غرفة إضافية في داخله لإقامة المعارض الموقتة من مجوهرات وغيرها.

وقالت إنه: "ومراعاةً للوضع الإقتصادي الراهن، يستقبل "ميم" زواره بمبلغ رمزي هو 10 آلاف ليرة لبنانية، كما ينظم دخولاً مجانياً في معظم الأحيان للأطفال وطلاب المدارس دون الـ18 عاماً"، مضيفةً: "لا يمكننا القول إلا إن حركة الإقبال بعد الجائحة التي أجبرتنا على الإقفال لمدة عام، أكثر من جيدة، ويغلب عليها الحضور اللبناني أكثر من السياح"، مؤكدةً أن العام 2022 كان قياسياً من ناحية عدد الزوار والحركة إلى ارتفاع.

وأشارت حاكيميان إلى أنه بجهود المؤسس سليم ميشال إده، المتحف مستمر مهما صعبت الظروف، فهو بالنسبة له رسالة يدأب على تأمين احتياجاتها ومستلزماتها وتنفيذ أعمال الصيانة اللازمة، خاتمةً: "نأمل ان تعمّ البلد حالة استقرار أمني واقتصادي تُمكّن اللبناني من استعادة اهتماماته بالمتاحف والثقافة، وتزيد من الحركة السياحية الوافدة إلينا".



متحف ميم للمعادن



"محترف عساف"


"محترف عساف" في الشوف مشروع آخر انجز بمجهود خاص يتضمن متحفاً ومعرضاً للمنحوتات والفن التشكيلي، ويفتح أبواب مقرّه ذات الطابع الريفي لإستقبال الزوار من أول حزيران المقبل حتى آخر أيلول من العام الحالي.

إلا أنّ مديره منصور عساف يشير الى أنّ عدد الزوار انخفض بنسبة 75% بعد "كورونا" والأزمة الإقتصادية، حيث انحصرت الزيارات بذوي الدخل المتوسط والمرتفع والمغتربين، بينما كانت تضم في السابق طلاب المدارس والعائلات ذوي الدخل المنخفض والجمعيات والرحلات الداخلية وكافة شرائح المجتمع.

ويلقي عساف اللوم في هذا التراجع والصعوبات على الوضع السياسي الذي يعكس سلبية فائقة على كل القطاعات وعلى الوضع الإقتصادي حيث انخفضت القيمة الشرائية والإنتاجية للمواطنين. ويؤكد أن عدم توافر الكهرباء بشكل مستدام يزيد من أعباء التشغيل، في ظل غياب الدعم للقطاع السياحي من ناحية الإعفاء من الضرائب والرسوم التي ترهق القطاع في فترة الركود الإنتاجي.

وعن زوار المتحف قال: "أغلبهم من اللبنانين المقيمين والمغتربين الذين يشكلون أكثر من 90%"، مشيراً إلى أنّ رسم الدخول لهذا الموسم ارتفع ليلامس الـ5 دولارات أميركية للبنانيين و10 لغير المحليين.

وأضاف: "يعتمد المحترف بنسبة 90% على بيع المنحوتات المعروضة كما على نحت التماثيل التي تُطلب من أفراد أو من بلديات أو جامعات أو جمعيات. فالتكاليف السنوية للصيانة باهظة وتتراوح بين ألفَين واربعة آلاف دولار".



محترف عساف



متحف سرسق

بعد أيام من الاحتفال باليوم العالمي للمتاحف، يعود "متحف سرسق" الذي دمّره انفجار "4 آب" إلى الحياة يوم 26 أيار الجاري. وكان المتحف قد تضرّر بنسبة 70% حيث سقطت زجاجيات المبنى الملونة ودُمر الصالون العربي والأسقف، وتعرّضت مقتنياته من لوحات ومنحوتات إلى أضرار جسيمة، فتضرّر أكثر من 57 لوحة ومنحوتة، بحسب مديرة المتحف كارينا الحلو التي قالت إنه "لولا التمويل والدعم من جهات مانحة خارجية، لما استطاع متحف سرسق أن يفتح أبوابه أمام زواره من جديد، بغياب إمكانات وزارة الثقافة والدولة اللبنانية".

وأضافت: "كانت فرنسا وإيطاليا الجهتان الممولتان الرئيستان لإعادة الحياة إلى المتحف وتأهيله ليستقبل عشاق الفن من جديد"، مؤكدةً أن الدخول مجاني كما عهد زوار الصرح التراثي العريق.



متحف سرسق



مــتــاحــف تــولــد الــيــوم

لا يقتصر الموضوع على المتاحف الموجودة بل يشهد لبنان ولادة متاحف جديدة ما يعطي انطباعاً بأن التراث والثقافة يستعيدان أمجادهما من رماد الفساد والأزمات.

فبعد الدخول في سلسلة أزمات ودعاوى قضائية مع "متحف الشمع" في جبيل، بادر طوني أبي حنا إلى الانفصال وافتتاح متحفه الخاص في قلب سوق جبيل العتيق وسماه Vero. وقال أبي حنا: "يضمّ المتحف الجديد تماثيل مميزة من السيليكون لشخصيات لبنانية وعربية وعالمية، ويقدّم شرحاً مفصّلاً لكيفية التصنيع والنحت وصولاً إلى زراعة الشعر، كما يمكن للزائر لمس المواد المستخدمة في تصنيع هذه التماثيل بتكلفة 3 دولارات فقط"، مشيراً الى اقبال واعد منذ الافتتاح.

وعند دخول المكان، يستقبلك تمثال وديع الصافي ببزته الخاصة التي قدّمها إبنه للمتحف، وببصمة وجه حقيقية 100% اتخذها أبي حنا من الراحل قبل وفاته. ثم يستوقفك تمثال إستثنائي للفنان وائل كفوري، يجسّد شكله في التسعينات خلال مشاركته ببرنامج "ستديو الفن"، والمميز فيه هو زراعة ذقنه التي تمّت بالإبرة شعرةً شعرة.

متحف فريد وشخصيات منحوتة بعناية لمشاهير كثر منهم الفنانة نانسي عجرم، الرئيس الشهيد رفيق الحريري، رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، الرئيس رياض الصلح، البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير بملابس وحذاء اقتناها الراحل وقامت البطريركية المارونية بتقدمتها لأصحاب Vero.

كما وتماثيل للأسطورة صباح، جبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة، بروس ويليس، دونالد ترامب، تيم حسن، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين وغيرهم.

واحتفالاً بيوم المتاحف العالمي ينظم "متحف ما قبل التاريخ" التابع لـ"جامعة القديّس يوسف" وكعادته سنوياً محاضرةً باللغة الفرنسية بعنوان "من كَذِب الحجارة إِلَى أَماكن لِلذَّاكرة" يتناول فيها هذا العام "المتاحف، الإستدامة وجودة الحياة".

وتقدم المحاضرة إختصاصية علم النفس العيادي والمعالجة النفسية التحليلية زينة زيربه على خشبة "مسرح ليلى تركي" في "المكتبة الشرقية" في مونو الأشرفية.


MISS 3