رفيق خوري

ما بعد جدّة ما قبل الدوحة

20 أيار 2023

02 : 00

ماذا بعد القمة العربية في جدة ورهانات اللبنانيين عليها؟ لا شيء في الجوهر. مجرد انتظار لحدث آخر في مسلسل انتظارات بلا نهاية. فنحن رهائن قوى ليست في القمة التي يبدو فك أسرنا فوق قدرتها. رهائن في بلد يساق بالقوة لكي يتوقف عن أن يكون نفسه ليصبح أزمة لا بلداً. بلد تتحكم به مافيا تسمي نفسها حكماً يحمي حاكم المصرف المركزي منسق السطو على المال العام والخاص المطلوب دولياً بقرار قضائي فرنسي، على الرغم من أنه صار عبئاً على المافيا، خوفاً من أن يكشف أدوار السياسيين في السرقة. مساحة جغرافية مفتوحة لكل من يريد أن يلعب دوراً سواء بالقوة أو بالمال.

مفهوم أن كل بلد يتأثر بالتحولات والتطورات الخارجية من دون أن يتوقف عن الإستحقاقات الدستورية وتسيير عمل المؤسسات حفاظاً على الإنتظام العام. لكن لبنان هو الوحيد الذي يقع في الفراغ ويقف في العراء في انتظار التحولات الخارجية، بدل أن يضمن عمل المؤسسات والانتظام العام وينتظر، بحيث يؤثر ويتأثر في آن ويكون في موقع لا تزعزعه العواصف.

ذلك أن دعوة من قمة جدة الى القيادات اللبنانية للمسارعة في انتخاب رئيس للجمهورية هي مجرد دعوة تضاف الى دعوات داخلية وعربية ودولية يومية من دون نتيجة. والرهان على حلول لعودة اللاجئين السوريين تصطدم بعقبتين: واحدة هي موقف الغرب الذي يربط عودة اللاجئين بالتسوية السياسية على أساس القرار 2254 والتي هي شرط رفع العقوبات وإعادة الإعمار وبالتالي عودة اللاجئين. وأخرى هي تهرّب دمشق من التسوية السياسية، وتكرار المطالبة برفع العقوبات وإعادة الإعمار تحضيراً لعودة اللاجئين، مع معرفتها بأن هذه مهمة مستحيلة من دون التسوية السياسية.

أكثر من ذلك، فإن إنقاذ لبنان يحتاج الى ما هو أكثر من انتخاب رئيس وإيجاد حل ما لعودة اللاجئين. فالحد الأدنى الذي تدور حوله معركة الرئاسة هو الإنقسام بين فريقين: واحد يريد رئيساً يكمل المسار المستمر منذ أعوام في تعميق الأزمات وتوظيفها لمصلحة المافيا على الطريق الى مشروع إقليمي كبير. وآخر يصر على رئيس يكون بداية جديدة لإعادة تكوين سلطة قادرة على إنقاذ البلد وبناء مشروع الدولة. وليس هناك حل وسط. ولا مجال للتفاهم، ولا معنى للتنافس الديمقراطي إذا أصر فريق على أن يكون موقفه هو «الثابت»، وموقف الآخرين هو «المتغير». فما الفائدة من إنتخاب رئيس بالتنافس الذي نسميه ديمقراطياً لكنه يواجه نصف اللبنانيين ويفتقد المساعدات العربية والدولية ويجد نفسه رهينة، أو رئيس يقف ضده النصف الآخر من اللبنانيين، ويصعب أن يقف معه العالم بالكامل؟

الكل يعرف أن اللعبة التي يقول لنا العالم إنها متروكة للداخل هي عملياً داخلية-خارجية معاً. والقوى الخارجية، مثل القوى الداخلية، واضحة وغامضة في آن وليست في موقف واحد. قطر التي يقال إنها تتحرك بدعم أميركي وسعودي لا فرصة أمامها لعقد «مؤتمر الدوحة-2». وفرنسا التي اختارت في موقف حرج: لبنان الكبير الذي ولد على يديها وحكمته وعرفته تغير، ولبنان الذي تتعرف إليه وتدعمه حالياً هو «إيران».

كان تشرشل يقول: «إن السياسة ليست فن الممكن بل فن الرغبة». لكن السياسة في لبنان هي صدام فن الممكن وفن الرغبة بما يقود الى اللاسياسة.


MISS 3