"إعلان جدّة": تأكيد "مركزيّة فلسطين" وتحذير من تأجيج الصراع السوداني

02 : 00

خلال المحادثات الثنائيّة بين بن سلمان وزيلينسكي أمس (أ ف ب)

لم تكن قمّة جدة في المملكة العربيّة السعوديّة كغيرها من القمم العربية السابقة، أقلّه تلك التي عُقدت في العقد الأخير، لا من حيث الشكل ولا من حيث الرسائل السياسيّة والديبلوماسيّة التي تخلّلتها «القمّة الفريدة». وفيما كان الجميع ينتظر أن يكون الرئيس السوري بشار الأسد نجم القمّة بلا منازع، سرق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأضواء منه بحضوره اللافت، رافعاً مكانة القمّة الإقليميّة إلى المستوى الدولي.

وبعدما ألقى القادة العرب كلماتهم، صدر «إعلان جدة» في ختام فعاليات القمة العربية في دورتها الـ32، والذي أكد مجدّداً مركزية القضية الفلسطينية للدول العربية، باعتبارها أحد العوامل الرئيسية للاستقرار في المنطقة، مديناً الممارسات والانتهاكات التي تستهدف الفلسطينيين في أرواحهم وممتلكاتهم ووجودهم كافة.

كما أكد القادة العرب أهمية «تكثيف الجهود للتوصل إلى تسوية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية، وإيجاد أفق حقيقي لتحقيق السلام على أساس حلّ الدولتَين...»، ودعوا المجتمع الدولي إلى «الاضطلاع بمسؤولياته لإنهاء الاحتلال ووقف الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية المتكرّرة، التي من شأنها عرقلة مسارات الحلول السياسية وتقويض جهود السلام الدولية».

وفي ما يتعلّق بالسودان، أعرب البيان الختامي عن بالغ القلق من تداعيات الأزمة السودانية على أمن وسلامة واستقرار الدول العربية والمنطقة، مشدّداً على «ضرورة التهدئة وتغليب لغة الحوار وتوحيد الصف، ورفع المعاناة عن الشعب السوداني، والمحافظة على مؤسّسات الدولة الوطنية، ومنع انهيارها، والحيلولة دون أي تدخل خارجي».

واعتبر أن التدخل الخارجي في الشأن السوداني «يؤجج الصراع ويُهدّد السلم والأمن الإقليميَّين»، لافتاً إلى أن اجتماعات جدة التي بدأت في 6 أيّار الحالي بين الفرقاء السودانيين «خطوة مهمّة» يُمكن البناء عليها لإنهاء هذه الأزمة، وعودة الأمن والاستقرار وحماية مقدّرات الشعب السوداني.

واتفق القادة العرب على ضرورة التكاتف لحلّ القضايا العربية، فضلاً عن التأكيد على وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية، ورفض دعم تشكيل الجماعات والميليشيات المسلّحة الخارجة عن نطاق مؤسّسات الدولة، في حين تضمّن البيان الختامي 12 بنداً لمختلف القضايا التي تواجه العالم العربي، إذ دعا إلى تكثيف الجهود العربية الرامية إلى مساعدة سوريا على تجاوز أزمتها، وضرورة تعزيز الظروف المناسبة لعودة اللاجئين السوريين والحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها.

كذلك، أكد البيان الختامي دعم الجهود الأممية والإقليمية الرامية إلى التوصل إلى حلّ سياسي شامل للأزمة اليمنية، مشدّداً على دعم مجلس القيادة الرئاسي في اليمن لإحلال الأمن والاستقرار، بينما رحّب البيان بالاتفاق الذي حصل بين السعودية وإيران لتفعيل اتفاقية التعاون الأمني والاقتصادي بينهما.

ولي العهد السعودي وزيلينسكي

وكان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد قال في كلمته خلال افتتاح القمة إنّ «المملكة تأمل في أن تُساهم عودة سوريا للجامعة العربية في إنهاء أزمتها»، مؤكداً أن القضية الفلسطينية ما زالت قضية العرب المركزية. وأضاف أن بلاده تعمل على مساعدة الأطراف اليمنية في التوصل إلى حلّ سياسي شامل، لافتاً إلى أن المملكة تأمل في تحقيق وقف فعال لإطلاق النار في السودان.

وشدّد بن سلمان على أنّه «لن نسمح بأن تتحوّل منطقتنا إلى ميادين للصراعات، ويكفينا مع طي صفحة الماضي تذكر سنوات مؤلمة من الصراعات عاشتها المنطقة، وعانت منها شعوبها وتعثرت بسببها مسيرة التنمية»، مجدّداً التأكيد من جهة أخرى على موقف المملكة الداعم لكلّ ما يُسهم في خفض حدّة الأزمة في أوكرانيا، وعدم تدهور الأوضاع الإنسانية، معرباً عن استعداد الرياض للاستمرار في بذل جهود الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، وكذلك دعم جميع الجهود الدولية الرامية إلى حلّ الأزمة سياسيّاً، بما يُسهم في تحقيق الأمن والسلم.

واستقبل ولي العهد السعودي الرئيس الأوكراني، وأكد له أن المملكة تواصل جهودها للإسهام في تخفيف الآثار الإنسانية الناجمة عن الأزمة، فيما كان زيلينسكي قد أعرب عن امتنانه لاستضافته في القمة العربية، مشيراً إلى أن أوكرانيا لديها تجربة ناجحة مع الوساطة السعودية في شأن إطلاق سراح الأسرى الأوكرانيين لدى روسيا. وشدّد على أن بلاده لم تملك القرار في الحرب مع روسيا، لكنّه أكد أنها ستواصل الحرب لتحرير أراضيها.

وقال زيلينسكي أمام القادة العرب: «ليس لدينا ما يكفي من الصواريخ والقدرات الجوية، ولا نمتلك مئات أو آلاف المسيّرات القاتلة التي تمد بها إيران روسيا، ولكنّنا لا نزال أقوياء، لأنّ لدينا قوّة الحقيقة لطرد المحتلّين من أراضينا»، محذّراً من أن روسيا تواصل الابتزاز النووي، وتستخدم محطة الطاقة النووية في زابوريجيا سلاحاً في النزاع، بينما أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في برقية أن «روسيا تُعلّق أهمية كبرى على تطوير العلاقات الودية مع الدول العربية ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا».

توازياً، رأى الأمين العام لـ»جامعة الدول العربية» أحمد أبو الغيط أن «المشهد الدولي يمرّ بواحدة من أشدّ الفترات خطورة في التاريخ المعاصر وأراه زمن استقطاب وتنافس هائل بين القوى الكبرى على حساب القوى الأصغر أو المنفردة»، معتبراً أن «ليس أمام الدول العربية في هذه المرحلة التاريخية العصيبة، سوى أن تتمسك بالمصالح العربية معياراً أساسياً للمواقف الدولية... وأن تلتزم بالتنسيق في ما بينها وبالعمل الجماعي سبيلاً أكيداً لتعزيز الكتلة العربية في مواجهة ضغوط الاستقطاب».

تظاهرات سوريا وكلمة الأسد

وفي وقت تظاهر فيه آلاف السوريين في مدن عدّة خارجة عن سيطرة النظام في شمال وشمال غرب البلاد، احتجاجاً على مشاركة الرئيس السوري في القمة العربية، مجدّدين إطلاق هتاف «الشعب يُريد إسقاط النظام»، رأى الأسد في كلمته أن الدول العربية اليوم أمام فرصة تبدل الوضع الدولي الذي يتبدّى بعالم متعدّد الأقطاب، معتبراً أن هناك «فرصة تاريخية لإعادة ترتيب شؤوننا بأقلّ قدر من التدخل الأجنبي، مستثمرين الأجواء الإيجابية الناشئة عن المصالحات التي سبقت القمة».

وأعرب الأسد عن أمله في أن يكون الاجتماع بحضور دمشق «بداية مرحلة جديدة» للعمل العربي المشترك، شاكراً القيادة السعودية على «الدور الكبير الذي قامت به... وجهودها المكثفة التي بذلتها لتعزيز المصالحة في منطقتنا ولإنجاح هذه القمة». وتابع: «سوريا ماضيها وحاضرها ومستقبلها هي العروبة، لكنّها عروبة الانتماء لا الأحضان، فالأحضان عابرة لكنّ الانتماء دائم».

وأردف: «ربّما ينتقل الإنسان من حضن إلى آخر لسبب ما، لكنّه لا يُغيّر انتماءه، أمّا من يُغيّره فهو من دون انتماء في الأساس. ومن يقع في القلب، لا يقبع في حضن، وسوريا قلب العروبة وفي قلبها»، في حين استقبل ولي العهد السعودي الرئيس السوري على هامش فعاليات القمة العربية. وجرى خلال اللقاء بحث العلاقات الثنائية بين البلدَين والتطورات على الساحة العربية. وهنّأ الأسد بن سلمان بنجاح قمة جدة، معتبراً أنها «ستُساهم في المزيد من التماسك العربي». تجدر الإشارة إلى أن وكالة «سانا» تحدّثت عن مصافحة بين الأسد وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، مشيرةً إلى أنّهما أجريا محادثة جانبية على هامش القمة، بينما غادر الأمير القطري الجلسة الافتتاحية من دون إلقاء كلمة بلاده، وقبل بدء كلمة الرئيس السوري.


MISS 3