بطاريات الأزرار...أدوات ضئيلة لكن قاتلة

02 : 00

بعد لحظات على ابتلاع الطفل ميو فيتينتيرا البالغ من العمر ثلاث سنوات ونصف بطارية زر من عصا سيلفي تملكها عائلته في العام 2016، سارع باكياً إلى والدته مينتو لإخبارها بما أصابه. شعرت الأم بالذعر، ثم أخذته إلى قسم الطوارئ في المستشفى المحلي في بلدة «ريهيماكي»، في جنوب فنلندا.



كشفت صورة بالأشعة السينية أن البطارية استقرت في مريء ميو، لكن لم يكن المستشفى يملك الأدوات المناسبة لاستخراجها. عندما نجح الأطباء في مستشفى آخر في إخراج البطارية، كانت قد مرّت سبع ساعات، فأضرّت البطارية بمريء الفتى الصغير وأحدثت ثقباً حارقاً في قصبته الهوائية. احتاج الطفل لاحقاً إلى 20 جراحة ترميمية في المريء وحصل معظمها في السنة الأولى بعد الحادثة، ثم اضطر لتلقي الطعام عبر أنبوب خلال بضعة أشهر. يبلغ هذا الصبي اليوم عشر سنوات، وهو مضطر حتى الآن لمراقبة منطقة المريء تحسباً لتراكم الأنسجة الندبية، ما قد يؤثر بقدرته على الأكل بشكلٍ مريح. منذ حادثة ميو، تقول والدته مينتو: «أخبرني الكثيرون بأنهم لم يدركوا يوماً مدى خطورة هذه البطاريات».

هذا النوع من الحوادث ليس نادراً، فهو يصيب أولاداً آخرين في مناسبات متكررة على نحو مفاجئ، وقد بدأت الجهات التنظيمية الحكومية حول العالم تتخذ التدابير اللازمة لمنع الإصابات المرتبطة ببطاريات الأزرار.

تكثر الأغراض اليومية التي تشمل بطاريات ضئيلة لا يلاحظها أحد، بما في ذلك أجهزة التحكم عن بُعد الخاصة بالتلفزيون، وسلاسل مفاتيح السيارات، وأجهزة السمع، وبطاقات المعايدة الموسيقية، وساعات الرشاقة. لكن يُفترض ألا يتجاهلها أحد. تُشغّل هذه البطاريات جزءاً من أكثر الأجهزة شيوعاً اليوم، لكنها معروفة بخطورتها الشديدة حين تصل إلى الأيدي الخاطئة.

تكون هذه البطاريات الفضية والمشابهة للعملات المعدنية دائرية الشكل ومسطحة وقد تبهر الأطفال الصغار، فيميلون إلى وضعها في فمهم.

تقول ديليا ريكارد، نائبة رئيس لجنة المنافسة والمستهلك الأسترالية: «إنها بطاريات ضئيلة ولامعة وتشبه بحجمها بعض السكاكر، ما يعني أنها تستطيع جذب الأولاد بسهولة. قد تَعْلَق بطارية الزر بعد ابتلاعها في حلق الطفل وتطلق تفاعلاً كيماوياً يحرق النسيج ويُسبّب الوفاة أو إصابة خطيرة».

يطرح هذا النوع من السيناريوات الكارثية مخاوف متزايدة في بلدان عدة، نظراً إلى شيوع هذه البطاريات على نطاق واسع. يقول هانز كراين، أمين عام «الرابطة الأوروبية للبطاريات المحمولة» في بروكسل: «تزداد الطاقة المعبأة في بطاريات أصغر حجماً، وقد لاحظنا زيادة في الأجهزة التي تحتاج إليها».

تشير تقديرات مجلس السلامة الوطني في الولايات المتحدة إلى زيادة عدد الإصابات الخطيرة أو حالات الوفاة الناجمة عن بطاريات الأزرار بتسعة أضعاف في العقد الأخير. وكلما كان الطفل صغير السن، تتصاعد المخاطر المطروحة.

يوضح الدكتور مادهافان راماسوامي، باحث عيادي في فريق أمراض القصبة الهوائية في «مستشفى غريت أورموند ستريت للأطفال» في لندن: «يكون الأطفال بين الولادة وعمر الخامسة أكثر عرضة للمشاكل المرتبطة بالبطاريات مقارنةً بالأولاد الأكبر سناً أو الراشدين».

يصعب تحديد عدد الأولاد الذين يتعرضون لإصابات من هذا النوع أو يموتون سنوياً بسبب ابتلاع بطاريات الأزرار لأن الإبلاغ عن هذه الحالات ليس إلزامياً في معظم البلدان.

مع ذلك، يقول راماسوامي إن «مستشفى غريت أورموند ستريت للأطفال» كان يستقبل طفلاً واحداً شهرياً وهو مصاب بحروق داخلية حادة بعد ابتلاع بطارية زر. في هولندا، يصاب 15 طفلاً تقريباً بهذا النوع من الجروح ويموت اثنان بسبب ابتلاع بطاريات الأزرار سنوياً. وفي أستراليا، توفي ثلاثة أطفال منذ العام 2017 ويتعرض طفل واحد شهرياً لإصابات خطيرة.

تتعلق مشكلة أساسية بسهولة الوصول إلى هذه البطاريات. تشمل السلع المُصمّمة للأولاد، مثل الألعاب، أجزاءً مقفلة بمسامير، على عكس الأجهزة اليومية مثل المصابيح الثنائية الباعثة للضوء، والآلات الحاسبة، وأجهزة قياس السكر. من دون تلك الأجزاء الواقية، يستطيع الأولاد أن يصلوا إلى البطاريات بسهولة، أو قد تخرج البطاريات إذا وقع الجهاز.

يُعتبر غياب التوعية بشأن المخاطر المطروحة عائقاً كبيراً في هذا المجال أيضاً: يترك عدد كبير من الراشدين البطاريات في أماكن عشوائية على افتراض أنها غير مؤذية.

تشخيص صعب

قد يتعرض الصغار لإصابات مرتبطة ببطاريات الأزرار أيضاً بسبب ضيق المريء. إذا ابتلع طفل أكبر سناً أو شخص راشد بطارية مماثلة، يتراجع احتمال أن تستقر في مكانها. يسهل في هذه الحالة أن تمرّ وتصل إلى الجهاز الهضمي. لكن عندما تَعْلَق البطارية في المريء، ستضغط على نسيج حساس تزامناً مع الاحتكاك باللعاب. يُنشّط السائل تيار البطارية وينتج الهيدروكسيد الذي يحرق المريء ويسبب أضراراً في النسيج.

تحتوي جميع بطاريات الأزرار على الليثيوم، أو المواد القلوية، أو أكسيد الفضة، أو الزنك. في السنوات الأخيرة، زادت الأجهزة التي تحتاج إلى الليثيوم، وهو عنصر له مزايا كثيرة، بما في ذلك مستوى ممتاز من استهلاك الطاقة نسبةً إلى الوزن وتباطؤ خسارة الشحن عند الامتناع عن استعمال الجهاز. لكن تُعتبر بطاريات الليثيوم أكثر خطورة عند ابتلاعها لأنها أكبر حجماً (20 ملم وما فوق)، وهي تطلق طاقة إضافية.

تتعدد الآثار الجانبية التي تظهر فور ابتلاع هذه البطارية، منها السعال، والتقيؤ، واللهاث، وسيلان اللعاب، وصعوبة البلع. لكن يصعب أن يفترض الأهل أن الطفل ابتلع بطارية لأن هذه الأعراض شائعة وسط الأولاد.

يقول راماسوامي: «ما من أعراض استثنائية عند ابتلاع بطاريات الأزرار. وعندما يكون الطفل صغيراً ويعجز عن الكلام، قد يبكي ويُعبّر عن انزعاجه، لكنه لا يستطيع أن يخبر والديه بشعور الحرقة في حَلْقه».

توصي «الجمعية الأوروبية لأمراض الجهاز الهضمي والكبد والتغذية للأطفال» بإزالة بطارية الزر خلال ساعتين بعد ابتلاعها. لكن إذا لم يعرف الأهل بما حصل، قد تبقى في حلق الطفل لساعات أو حتى أيام.

تقول الدكتورة ليسي دي ريدر، كاتبة تقرير عن ابتلاع بطاريات الأزرار في «الجمعية الأوروبية لأمراض الجهاز الهضمي والكبد والتغذية للأطفال»، وأخصائية في أمراض الجهاز الهضمي في «مستشفى صوفيا للأطفال» و»مركز إيراسموس الطبي» في روتردام، هولندا: «إذا مرّت بطارية الزر في جدار المريء، ستُسبب أضراراً في القصبة الهوائية أو أحد الشرايين الكبرى مثل الأورطي خلال وقتٍ قصير. وإذا أحدثت ثقباً حارقاً في الشريان الأورطي، قد ينزف الطفل سريعاً حتى الموت».

عند الاشتباه بأن الطفل ابتلع بطارية، اقصد قسم الطوارئ في المستشفى في أسرع وقت ممكن كي يتمكن الأطباء من تصويره بالأشعة السينية.

التوعية واجب


بسبب زيادة الإصابات وحالات الوفاة وسط الأطفال، أصبحت أستراليا في شهر حزيران من السنة الماضية أول بلد في العالم يفرض معايير على مستوى السلامة والمعلومات لتخفيض أضرار بطاريات الأزرار. وأصبح مصنّعو وموردو البطاريات مُلزَمين الآن باستعمال عبوات مقاوِمة للأطفال وأغلفة عليها تحذيرات واضحة، ويجب أن يبتكروا أجزاءً آمنة لأي منتج يحتوي على بطاريات الأزرار التي تباع في أستراليا.

في أوروبا، عقدت «الرابطة الأوروبية للبطاريات المحمولة» شراكة مع «الجمعية الأوروبية لأمراض الجهاز الهضمي والكبد والتغذية للأطفال» لنشر التوعية حول مخاطر ابتلاع بطاريات الأزرار والتأثير على التشريعات ومعايير السلامة. كذلك، أقرّت المملكة المتحدة متطلبات إضافية على مستوى السلامة العامة في العام 2021، ومرّرت الولايات المتحدة من جهتها قانوناً يفرض معايير سلامة مضاعفة في آب 2022.

يقول الدكتور كريستوس تزيفينيكوس، عضو في فريق العمل المعني ببطاريات الأزرار في «الجمعية الأوروبية لأمراض الجهاز الهضمي والكبد والتغذية للأطفال»، ورئيس قسم أمراض الجهاز الهضمي في «مستشفى الجليلة التخصصي لطب الأطفال» في دبي: «لتغيير أي تشريع، يجب أن نمارس ضغوطاً قوية، كما حصل في الولايات المتحدة وأستراليا. انطلاقاً من الإنجازات المهمة التي حققتها الرابطة الأوروبية للبطاريات المحمولة على مستوى معايير السلامة، نسعى في الوقت الراهن إلى تكثيف ضغوطنا في أوروبا. نحن نحتاج بكل بساطة إلى مضاعفة جهودنا، وتحاول الجمعية الأوروبية لأمراض الجهاز الهضمي والكبد والتغذية تحقيق هذا الهدف».

حتى الآن، يشهد هذا القطاع بعض التعديلات التلقائية. بدأت شركات مرموقة تبيع بطاريات الأزرار في عبوات مقاوِمة للأطفال في أنحاء أوروبا. ويجري البعض أبحاثاً حول تدابير مفيدة أخرى يمكن إقرارها لاحقاً. تشمل الأفكار المحتملة تغليف البطاريات بعنصر مُرّ كي لا يتذوقها الأطفال، وإضافة صبغة كي يتلون فم الطفل أو لسانه عند ابتلاع البطارية لتنبيه الأهالي حول ما يحصل. في غضون ذلك، سيكون نشر التوعية حول مخاطر بطاريات الأزرار أساسياً منعاً لتكرار هذا النوع من المآسي.

لكن تستنتج دي ريدر في النهاية: «تنتشر ملايين البطاريات حول العالم اليوم، ولن يكون بيع بطاريات جديدة بأغلفة واقية كافياً لمعالجة المشكلة».


MISS 3