المطران عودة: هل يليقُ بلبنان ألا يشارك رئيسه في اجتماعٍ عربيّ أو دوليّ؟

12 : 31

ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذوكس المطران الياس عودة خدمة القداس الإلهي في كاتدرائية القديس جاورجيوس.



وبعد قراءة الإنجيل المقدس ألقى عظة انتقد فيها الشعب اللبناني الذي "كان ثائراً وغاضِباً ورافِضاً تَصَرُّفاتِ المسؤولين، لكنه عاد وانتخبَ مَنْ كانوا سببَ نَكَباتِه وآلامِه وضَياعِ مواردِه ومُدَّخَراتِه فـأوقـعَ نفسَه في هُوّةٍ أعمق". واعتبر انّ "اختيارَ رئيسٍ للبلادِ لا يكونُ بحسبِ قُربِه أو بُعدِه عن الأطراف، بل بحسبِ برنامجِهِ ورؤيتِه ونزاهتِه وخبرتِه، وبحسبِ ولائِه لهذا البلدِ وأمانَتِه للهِ وللبنان".


كما تساءل: "متى يصلُ المسؤولون عندنا إلى درجةٍ من الوعي والوطنيةِ والنُضجِ والديمقراطيةِ فـلا يتجاهلون أيَّ استحقاقٍ وواجب؟ ومتى سيُفتحُ مجلسُ النواب لانتخابِ رئيس؟ هل يليقُ بلبنان أن لا يشاركَ رئيسُه في اجتماعٍ عربيّ أو دوليّ؟".



وجاء في عظة المطران عودة: "أحبَّائي، إنجيلُ اليوم يُحدّثُنا عن أعمى طلبَ منه الربُّ يسوع أن يَغْتَسِـلَ بِمِيـاهِ بِـرْكَـةِ سِلـوام لكي يُبصرَ مجدّداً، لكنّه قام قبلاً بِفِعْـلٍ يُشيـرُ إلـى إِعـادَةِ الخَلْـق إذ تَفَـلَ فـي التُّـرابِ وجَبَـلَ طِينًـا وطَلـى بِـهِ عَيْنَـي المَـولـودِ أَعمـى فمضى واغتسلَ وعاد بصيراً. لـقـد أعـادَ الربُّ الـبـصـرَ للأعمى وشفى بصيرتَـه أيضاً لأنّه آمن بيسوع واعترفَ به أنه الربّ.


لا تَقَـعُ هَـذِهِ الحـادِثَـةُ في خـانَـةِ حَـوادِثِ الشِّفـاء، إِنَّـمـا هِـيَ حـادِثَـةُ إِعادَةِ خَـلْـقٍ لأنّ الرَّجُلَ وُلِدَ أَعمـى. فـي البَـدْءِ، قَبْـلَ خَلْقِ الإِنسـان، خَلَـقَ اللهُ النُّـورَ، وهُنـا، قَبْـلَ إِعـادَةِ فتحِ العَيْنَيْـن، يُعْلِـنُ المَسيـحُ أَنَّـهُ "نـورُ العـالَـم"، يُقابِلُه ظَلامُ الخطيئةِ وظُلمةُ الجَهلِ، جَهلِ مَنْ لم يعرفْ المسيح. إنّ العمى الحقيقيّ هـو العمـى الروحيّ، عمى القلب، أي عدمُ القدرةِ عـلى مـعرفـةِ الحق، وأبـرزُ دلـيلٍ مـوقـفُ الفريـسييـن مِـنْ الـشفـاءِ والتحقيقاتُ التـي أجروها مـع الأعمى ومـع أهلِه، وحُكمُهم على يسوع لأنّه لم يحفظْ السبت".


اضاف: "دعاؤنا أنْ يفتحَ الربُّ أعيُنَ قلوبِنا لأنّ أعينَنا الجسدية غالباً ما لا تُرينا حقيقةَ الأمور، أما الإيمانُ فمنَ القلبِ يَنبَع، واللهُ يخاطبُ قلوبَنا ويسكنُ فيها متى كانت مُفعمةً بالإيمانِ به. أمّا مَـنْ أعْـمَـتْ الخَطيئَـةُ عـيـنـيـه وحَـدَّتْ رُؤيَتَـهُ بِعُيـونِ القَلْـبِ، فَـلا يَعـودُ بَصَـرُهُ إِلَيْـهِ مـا لَـمْ يَلمُـسْ المَسيـحُ عَيْنَيْـهِ مُعِـيـدًا جِـبْلَتَهُمـا بِحَيْـثُ لا تَعـودانِ تَـرَيـانِ سِـوى الخَير، وتُمَيِّـزانِه عـن الشَّـرّ. هَـذا مـا تَقـومُ بِـهِ الكَنيسَـةُ عِنْـدَمـا يُـؤْتَى إِلَيْهـا بِمَـنْ يَطْلُـبُ المَعمـودِيَّـة. فَقَبْـلَ غسلِـه بِمِيـاهِ الجُـرْن، تُصَلِّـي الكَنيسَـةُ بواسطةِ الكـاهِـنِ مِـنْ أَجْـلِ أَنْ يُطْـرَدَ «كُـلُّ روحٍ شِـرِّيـرٍ نَجِـسٍ مَخفِـيٍّ ومُعَشِّـشٍ» فـي قَلْـبِه، ثُـمَّ يَنْفُـخُ الكـاهِـنُ ثَـلاثًـا فـي وَجـهِ المُعَمَّـدِ، رَمْـزًا لإِعـادَةِ خَلْقِـهِ بِنَفْحَـةِ الرُّوحِ الإِلَهِـيّ. قَبْـلَ اقتِبـالِـهِ استِنـارَةَ الـرُّوحِ القُـدُس، يَقْبَـلُ المُعَمَّـدُ المَسيـحَ (أَو عَـرَّابـاهُ بِـالإِنـابَـةِ عَنـهُ إِذا كـانَ طِفـلًا)، ويُعْـلِنُ إِيمـانَـهُ بِـهِ، الأَمْـرُ الَّـذي فَعَلَـهُ الأَعمـى الَّـذي "رَأَى وآمَـنَ" مِثْـلَ تـومـا وحـامِـلاتِ الطِّيـبِ والمُخَلَّـعِ والسَّـامِـرِيَّـة.


البِـركَـةُ الَّتـي أَرسَـلَ الـرَّبُّ الـرَّجُـلَ إِلَيهـا لِيَغسِلَ عَيْنَيْهِ تُـدعى "سِلـوام"، أَي "المُـرْسَـل"، وهِـيَ تُشيـرُ إلـى الكَنيسَـةِ (جَسَـدِ المَسيـح) الَّتـي أَسَّسَهـا الـرَّبُّ يَسـوعُ فـي العَنْصَـرَةِ، وهُـوَ القـائِـلُ: "أَنـا قَـدْ جِئـتُ نـورًا إلـى العـالَـم، حَتَّـى كُـلُّ مَـنْ يُـؤمِـنُ بي لا يَمْكُـثُ في الظُّلمَـة" (يـو 12: 46). فـي الكَنيسَـةِ يَحْصَـلُ المُـؤمِنـونَ على الـرُّوحِ القُـدُسِ فـي المَعمـودِيَّـة، ويُجَـدِّدُونَ لِبـاسَ مَعمودِيَّتِـهِم مِـنْ خِـلالِ سِـرِّ التَّـوبَـةِ والاعتِـرافِ، إِذا مـا حـاوَلَ الشَّيْطـانُ أَنْ يُصيبَهُـم بِـالعَمـى مُجَـدَّدًا، عَبْرَ جَـذْبِهِـم إِلـى نـارِ الخَطيئَـةِ المُحْـرِقَـة، تَمـامًـا كَمـا حَصَـلَ مَـعَ الفَـرِّيسيِّيـنَ الَّـذيـنَ عـايَنـوا مُعْجِـزَةَ الـشِّفـاء، لَكِنَّهُـم فَضَّلـوا البَقـاءَ علـى عَمـاهُـم، فَلَمْ يَـرَوا فـي يَسوعَ سِـوى أَنّـهُ كَسَـرَ السَّبْتَ ولَمْ يُتَمِّمْ النَّـامـوس".


وتابع عودة: "إِنَّ الشِّفـاءَ يَبْـدَأُ بِـالاغْتِسـال. فَـالمَعمودِيَّـةُ هِـيَ اغتِسـالٌ مِـن خـطـايـا الإِنسـانِ القَديـم، وتَحَـوُّلٌ إلـى إِنْسـانٍ جَـديـدٍ مَملـوءٍ مِـنَ الـرُّوحِ القُـدُس. والتَّـوبَـةُ هِـيَ اغْتِسـالٌ بِـالدُّمـوعِ وشِفـاءٌ مِـن مَـرَضِ الخَطيئَـةِ العُضـال. يقولُ بولسُ الرسول أنَّ المَسيـحَ "أَحَـبَّ الكَنيسَـةَ وأَسْلَـمَ نَفْسَـهُ مِـنْ أَجْلِهـا، لِكَـي يُقَـدِّسَهـا، مُطَهِّـرًا إِيَّـاهـا بِغَسْـلِ المـاءِ بِالكَلِمَـة، لِكَـي يُحْضِـرَهـا لِنَفْسِـهِ كَنيسَةً مَجيدَةً، لا دَنَـسَ فيـهـا ولا غَضَنَ ... بَـلْ تَكـونُ مُقَـدَّسَـةً وبِـلا عَيـب" (أف 5: 2527). الكَنيسَـةُ – جَسَـدُ المَسيـح، بِـدَورِهـا، تُسـاهِـمُ فـي إِعـادَةِ الخَلْـقِ هَـذِهِ، عَبْـرَ غَسْـلِ المَعمـودِيَّـةِ، إِضـافَـةً إلـى مَعمـودِيَّـةِ دُمـوعِ التَّـوبَـة، كَمـا عَبْـرَ نَقْـلِ الكَلِمَـةِ الإِلَهِيَّـةِ لِلمُـؤمِنيـنَ، الَّتـي بِهـا تُنَقِّـي النُّفـوسَ، وتُعيدُ خَلْقَهُـم أُنـاسًـا جُـدُدًا، لا عَيْـبَ فيهـم.




أَحِبَّـائـي، نُعَيِّدُ اليَـوْمَ لِقِـدِّيسَيْـنِ مَلِكَيْـنِ اسْتَحَقَّـا لَقَـبَ "مُعـادِلَيْـنِ لِلـرُّسُـل". فَبَعْـدَ أَنْ كـان قِسطَنطيـنُ وأُمُّـهُ هِيـلانَـة أَعْـمَيَيْـنِ بِـالـوَثَنِيَّـةِ، أَنـارَ الـمَسيـحُ دَرْبَ المَلِـكِ قِسطَنطيـنَ بِعَلامَـةِ صَـليبـهِ المُحيـي، وأقـامَـهُ مِـنَ الظُّلْمَـةِ إلـى النُّـور، فَاعْتَمَـدَ وقَبِـلَ مَـواهِـبَ الـرُّوحِ القُـدُس، وأَرْشَـدَ والِـدَتَـهُ إلـى النُّـورِ حَتَّـى اعْتَمَـدَتْ بِـدَوْرِها. لَـمْ يُبْقِيـا النُّـورَ لِنَفْسَيْهِمـا، بَـلْ عَمِـلا عَلـى نَشْـرِ نُـورِ المَسيـحِ فـي أَرْجـاءِ الإِمْبَراطـورِيَّـة. الأَعـمى منـذُ مَـولِـدِهِ اعْتَـرَفَ بـإِيمـانِـهِ بِـالمَسيـحِ بِـلا خَـوْفٍ، والمَلِكـانِ قِسطَـنْطيـن وهِيـلانَـة لَـمْ يَخْشَيَـا أَيَّـةَ رَدَّةِ فِعْـلٍ مِـنَ الشَّعْـبِ الـوَثَنِـيّ، بـل أَعْلَنـا إِيمـانَهُمـا ونَشَـراهُ فـي كُـلِّ الأَقْطـار".


وقال المطران عودة: "حَبَّـذا لَـو يَحـذو مَسـؤولـونـا حَـذْوَ المَلِكَيْـنِ القِـدِّيسَيْـن، اللَّـذَيْـنِ بَنَيـا بِـلادَهُمـا بَـدَلَ هَـدْمِهـا، واهْتَمَّـا بِمَصْلَحَـةِ الشَّعْـبِ روحِيًّـا ودُنْيَـوِيًّـا، فَسـاعَـدا المُحتـاجيـن، وحَكَمـا بِـالعَـدْل، ونـاضَـلا ضِـدَّ عِبـادَةِ الأَوثـان. فـي بَلَـدِنـا، لا نَـزالُ نَجِـدُ مَـنْ يَعبُـدُ أَصنـامًـا مُتَمَثِّلَـةً بِـزُعَمـاءَ أَو بِمَصـالِـحَ مـادِّيَّـةٍ وكَـراسٍ يَنخُـرُهـا سـوسُ الفَسـاد. نَجِـدُهُـم يَبُثُّـونَ الخَطيئَـةَ فـي النُّفـوسِ، بَـدَلًا مِـنَ الـرُّجـوعِ إلـى الله، والحُكْـمِ بِهَـديِـهِ، والامْتِـلاءِ بِـروحِـهِ، والاغْتِسـالِ مِـنَ الآثـامِ الَّتـي تَسَبَّبـوا بِهـا تُجـاهَ شَعْـبٍ يُعاني القهرَ والفقرَ والـذُلَّ والضياع. هذا الشعبُ كان ثائراً وغاضِباً ورافِضاً تَصَرُّفاتِ المسؤولين، لكنه عاد وانتخبَ مَنْ كانوا سببَ نَكَباتِه وآلامِه وضَياعِ مواردِه ومُدَّخَراتِه فـأوقـعَ نفسَه في هُوّةٍ أعمق. عسى يكونُ ما يعيشُه الشعبُ درساً في تَحَمُّل المسؤوليةِ وفي حُسْنِ التمييزِ وحُسْنِ اتخاذِ المواقف. إنّ اختيارَ مُمَثِّلين عن الشعبِ لا يكونُ بالاستزلامِ لهم والـتَـعـامـي عَـن أخـطـائـهـم بل بتوكيلِهم ومحاسبتِهم. كذلك اختيارُ رئيسٍ للبلادِ لا يكونُ بحسبِ قُربِه أو بُعدِه عن الأطراف، بل بحسبِ برنامجِهِ ورؤيتِه ونزاهتِه وخبرتِه، وبحسبِ ولائِه لهذا البلدِ وأمانَتِه للهِ وللبنان. أينَ ذهبتْ الوعودُ المقطوعةُ منذ سنة؟ متى يصلُ المسؤولون عندنا إلى درجةٍ من الوعي والوطنيةِ والنُضجِ والديمقراطيةِ فـلا يتجاهلون أيَّ استحقاقٍ وواجب؟ ومتى سيُفتحُ مجلسُ النواب لانتخابِ رئيس؟ هل يليقُ بلبنان أن لا يشاركَ رئيسُه في اجتماعٍ عربيّ أو دوليّ؟".


واضاف: "نَـرْجـو أَنْ يَكـونَ لـنـا رئـيـسٌ في أقرَبِ وقـتٍ وأنْ يـكـونَ الإِيمـانُ مِـنَ المَـزايـا الَّتـي يَبْحَـثُ عنها البـاحِثـونَ عَنْ رئيـسٍ لـلجمهـورِيَّـة، لأَنَّ الحاكمَ إِنْ لَـمْ يَكُـنْ لله، فَـإِنَّ عَمـى الطَّمَـعِ والفَسـادِ سَيُصيـبُ الجَميـعَ مُجَـدَّدًا، ولَـنْ يَصِـلَ الشَّعـبُ إلـى نُـورِ القِيـامَـةِ المَـرجُـوَّةِ لِهَـذا البَلَـد.


دَعـوَتُنـا اليَـومَ أَنْ نُـؤمِنَ بِـالـرَّبّ، ونُعْلِـنَ إِيمـانَنَـا بِـهِ مِـنْ دونِ خَـوف، لأَنَّنـا بِـذَلِـكَ نُفَعِّـلُ ثِمـارَ الـرُّوحِ القُـدُسِ الَّتـي بُـذِرَت فينـا يَـومَ المَعمـودِيَّـة. المَسيـحُ يَـدعـونـا إلـى التَّطَهُّـرِ والاغْتِسـالِ مِـنَ الخَطـايا، فَهَـلْ نَستَجيـبُ لـدَعْـوَتِـه؟ المُهِـمُّ أَلَّا نَنسـى أَنَّ أَجسـادَنـا هِـيَ هَيـاكِـلُ لِلـرُّوحِ القُـدُس، وعَلَينـا أَنْ نَتَحَمَّـلَ هَـذِهِ المَسـؤولِيَّـةَ بِجَـدٍّ وجِهـادٍ، آميـن".