جويل الفغالي

حركة يقودها مديرو مدارس وفريق من التربويين

"نفضة"... تجربة تتوسّع من 20 مدرسة إلى 60

22 أيار 2023

02 : 00

ترمي الى ترسيخ قيَم المواطنة الفاعلة والحوكمة الرشيدة والعدالة الإجتماعية

تطوير مهارات الطلاب وتمكينهم من الدخول إلى سوق العمل بشكل أفضل

أنشطة لاصفّية وانخراط أكبر في المجتمع المدني والتكنولوجيا والإبتكار

تطوير البرامج التعليمية وزيادة تكافؤ الفرص وإفساح المجال للرأي والحوار

على الرغم من الظروف الصعبة التي يواجهها لبنان، هناك دائماً أمل في التغيير. وقد يعاني البلد من أزمات متعددة على جميع الأصعدة لكن هناك من يتمتع بالقوة والإرادة للتغلب على الصعوبات. فهو يرى الأمل والتفاؤل في كل مكان، هذا الأمل الذي يحافظ على قوة الإرادة للتحرك وتحقيق التغيير، والتفاؤل الذي يمكن أن يفتح الباب لمستقبل أفضل وأكثر استقراراً وازدهاراً للبنان وشعبه.

«صار بدا نفضة»، هذا هو شعار حركة نفضة nafda، وهي حركة يقودها مدراء مدارس وفريق من التربويين وتهدف الى تشكيل مستقبل التعليم في لبنان. ونظراً لأهمية العلم وتعزيزه وتحسين البرامج التعليمية في لبنان وخاصةً في ظل الظروف الصعبة التي يواجهها البلد والتي تؤثر بشكل سلبي على التلاميذ، رأت «نفضة» أنه من الضروري التحرّك.


الإستثمار في تطوير البرامج التعليمية

إن تعزيز العلم وتحسين البرامج التعليمية في لبنان له أهمية كبيرة، وهو يمثل استثماراً هاماً في مستقبل البلد ويمكّن أجيال المستقبل من التفوق والابتكار والمساهمة في إعادة بناء البلد وتحقيق التقدم رغم الصعوبات الحالية. وهنا بعض النقاط التي تبرز هذه الأهمية:

- بناء مجتمع مستدام وقوي: إن تحسين البرامج التعليمية يمكنّ الطلاب من اكتساب المعرفة والمهارات اللازمة لمواجهة التحديات، ليتم بذلك بناء جيل من الشباب المتعلمين والمؤهلين للمساهمة في تطور المجتمع وتحقيق التقدم.

- تعزيز الفرص الاقتصادية: من خلال توفير تعليم عالي الجودة وبرامج مهنية متطورة، بهدف تطوير مهارات الشباب وتمكينهم من الدخول إلى سوق العمل بشكل أفضل، الأمر الذي بدوره يعزز النمو الاقتصادي ويساهم في تخفيف البطالة وتحسين مستوى المعيشة.

- التحضير للمستقبل: في ظل التغيرات السريعة في العالم اليوم، من المهم تزويد الشباب بالمهارات اللازمة للتكيف والابتكار.

- تعزيز الاستقلالية والتفكير الحر: عندما يتم تعزيز العلم وتحسين البرامج التعليمية، يتعلم الطلاب كيفية التحليل والتقييم والتفكير بشكل نقدي. وهذا يمكنهم من اتخاذ القرارات الصحيحة والمساهمة في تطوير المجتمع.

من هي حركة «نفضة»؟

أتت حركة «نفضة» في زمن الأزمات، وولدت نتيجة اليأس والإحباط بهدف تحقيق التغيير. وهي حركة اجتماعية تربوية تهدف إلى تطوير النظام التعليمي في لبنان بقيادة مدراء المدارس، مدعومة من قبل ممثلين محليين. وتهدف الى ترسخ القيم الأساسية الثلاث: المواطنة الفاعلة، الحوكمة الرشيدة والعدالة الاجتماعية. إن رؤية الحركة هي لنظام تربوي تعليمي منصف وشامل، متمحور حول الطالب ويهيئ الشباب اللبناني للانخراط في المجتمع المدني ووظائف المستقبل. أما رسالتها فهي تمكين التربويين الذين يتمتعون بالحس النقدي لقيادة التغيير المنشود من أسفل إلى أعلى بناء على رؤية مشتركة. وبالنسبة لهدف «نفضة» فهو تحقيق تحوّل كامل في ملكية الحركة من الممكنين إلى مدراء المدارس والتربويين. كما أن دور أعضاء فريق العمل في الحركة هو مساعدة مدراء المدارس لتحقيق التغيير.

تأسيس مجلس «نفضة»

تتوسع حركة «نفضة» التي ضمت في بداية تأسيسها 20 مدرسة، وأصبحت اليوم تضم 60 مدرسة. ولكي تكون هذه الحركة منظمة تم انتخاب مجلس، وهو عبارة عن هيئة منتخبة ديموقراطياً ويتألف من 3 مديرين مؤسسين وممكّن وعضو فريق. ويلعب هذا المجلس الأدوار التالية:

- إتخاذ القرار ديمقراطياً في حال الحاجة للنظر في عضوية أي مدرسة في الحركة

- التأكيد على جهوزية مشاريع المدارس لتوسيع نطاق تطبيقها على مستوى أكبر

- تيسير عملية اختيار المدارس التي ستنضم للحركة

- المشاركة في وضع خطة لعملية نقل ملكية «نفضة» إلى مديري المدارس

ما هي منظومة القيَم؟

ترغب «نفضة» في ترسيخ القيم الأساسية الثلاث:

- المواطنة الفاعلة: هي قدرة الفرد على تنمية مجتمعه بطريقة مستدامة من خلال وعيه لأهميّة القانون وتطبيقه ومناقشته وقدرته على ابتكار وتنفيذ حلول للمشكلات الموجودة. وتعزّز الإنصاف والنزاهة في مدرسته أولاً ثم في مجتمعه. كما تضمن المواطنة الفاعلة قدرة الفرد على الحوار بانفتاح فكريّ يحترم الرأي الآخر ويحارب الفساد ويناصر القضايا الاجتماعيّة.

- الحوكمة الرشيدة: هي قدرة الفرد على التخطيط والتنفيذ واتّخاذ القرارات التي تخدم المصلحة العامّة قبل مصالحه الشخصيّة. كما تضمّ قدرة الفرد على المساءلة والمحاسبة في قضايا الفساد.

- العدالة الاجتماعية: هي احترام الفرد للجميع ووعيه لأهمية التنوّع وقدرته على التعامل مع الآخرين بانفتاح وإيجابيّة ومن دون أي تمييز. كما تضمّ قدرة الفرد على حلّ النزاعات وتعزيز مبدأ الإنصاف من خلال المطالبة ليس فقط بحقوقه بل بحقوق الآخرين.

تجارب بعض المدارس

إن القيم في «نفضة» أساسية، وهنا بعض التجارب للمدراء الذين عملوا على ترسيخ هذه القيم في مدارسهم:

- معايير تطبيق التربية على المواطنة الفاعلة في مدرسة الكرمليّة مجدليّا (مديرها جوزيف يرق): من ناحية سياسة المدرسة، تقوم المدرسة بوضع خطة سنوية/شهرية حول الأنشطة اللاصفيّة لجميع الصفوف التي تعرّف التلاميذ على إرث بلدهم الثقافي والديني والتاريخي، وحول برامج الخدمة الاجتماعية التي تتضمن التطوّع وحملات التوعية. كما وتنظم المدرسة الإجراءات النزيهة والتدريبات اللازمة لانتخاب مجلس طلابي وتساعد في تدريبه، ويتم من خلاله تحديد الصلاحيات ودور كل فرد وتدابير المساءلة والمحاسبة. إضافة إلى تشجيع حرية التعبير حيث تفسح المجال للتلاميذ بإبداء الرأي في القضايا الوطنية والعالمية من خلال مجلّة أو التواصل الاجتماعي أو لقاءات. أما من ناحية المنهج، تتبع المدرسة الاستراتيجيات التي تعزز قدرات التلميذ في خلق حلول للمشاكل الوطنية بطريقة مستدامة وتطبيقها من خلال إقامة الشراكة الفعالة. وكذلك يجب تطوير البنى التحتية حيث تؤمن المدرسة الأجهزة الرقمية اللازمة لتعزيز المواطنة الرقمية لدى التلاميذ. وأخيراً، من ناحية البيئة المدرسية، على التلميذ أن يطبق القوانين في المدرسة بموجب وعيه لأهميتها والمطالبة بتطبيقها الدائم. كما يجب أن يلعب التلميذ دوراً فعّالاً في محيطه من خلال التطوع لخدمة فئات مهمشة في المجتمع المحلي، وأن يشارك في وضع خطط عمل ويناقش ويصوّت ويساهم في حل المشاكل المطروحة ويتابع تنفيذ الحلول.

- معايير تطبيق التربية على الحوكمة الرشيدة في ثانوية الهيشة الرسمية (مديرها فايق شحادة): إن سياسة المدرسة في تقييم أداء الإدارة والمعلمين تأخذ بعين الاعتبار رأي التلميذ، كما وتعترف المدرسة والأساتذة بالخطأ في حال حدوثه. لدى المدرسة سياسة واضحة في توزيع الهبات والمنح الدراسية وتشاركها مع المانحين والأهل. إضافة إلى مشاركة الأهل والمجتمع المحلي في البرامج والأنشطة، وإلى البرامج المتاحة لأولياء الأمور التي تسمح لهم بالتفاعل مع المدرسة ومراقبة النتائج وتقارير التقدّم. أما بما يخص المنهج، تدمج المدرسة قيم النزاهة ومكافحة الفساد في المنهج كما وتتبع مهارات اتخاذ القرارات الرشيدة وفقاً للبيانات الموجودة. وتتمتع المدرسة بالتقنيات اللازمة لجمع البيانات التي يتم الاستناد عليها في اتخاذ القرارات. أما بالنسبة للتلاميذ المنتخبين في المجلس الطلابي، فيجب أن يتمتعوا بالنزاهة بحسب سجلّهم المدرسي، كما ويصوت التلميذ للمرشح الذي يدعم قناعته في تطوير بيئة صفه ومدرسته وليس لأي سبب آخر.

- معايير تطبيق التربية على العدالة الاجتماعية في ثانوية بهية الحريري للبنات (مديرتها إزدهار الحسن): لدى المدرسة سياسة شفافة تسمح لذوي الدخل المحدود تقديم طلب مساعدة أو منحة مدرسية، كما وتتبع المساواة في تطبيق النظام الداخلي. إضافة الى وضع الأنشطة اللاصفية التي تهدف الى خدمة فئات مظلومة واشراك التلاميذ في الانشطة دون تمييز. تعمل المدرسة على ضبط وتخفيف التسرب المدرسي، تأمين الحماية الصحية للجميع، التعاون مع مرشد نفسي تربوي والاهل للتعامل مع التلاميذ المتنمّرين لتعديل سلوكهم، توزيع التلاميذ في الشعب والصفوف بشكل يتناسب مع الحاجة التربوية لكل تلميذ. كما وتعزز المدرسة مبدأ التعلم للجميع وذلك في تبني استراتيجيات التعليم التمايزي وسياسة فعّالة للتعامل مع الاضطرابات والصعوبات التعلميّة.

الأدوات المستعملة لتطبيق هذه القيم


في «نفضة» أداتان لتطبيق هذه القيم في المدارس:

- البوصلة: وهي أداة تستعمل داخل المدرسة، بهدف تقييم مدى تطبيق القيم الثلاث، كما وتساعد أيضاً على وضع خطة لكيفية العمل على القيم على عدة إطارات: المنهج، البنى التحتية، السياسات داخل المدرسة والبيئة المدرسية.

- لعبة «نفضة» التي تمّ تأليفها من قبل د. وديعة خوري وهي شبيهة للعبة المونوبولي، وهدفها الأساسي ان تزرع في عقل التلميذ القيم الصحية والمفترض اتباعها في المجتمع.

نقل وتعميم التجارب الناجحة تبدأ أولاً بمشروع «رؤية مدرسة المستقبل»، وهي رؤية متشاركة بين المدارس وتتمحور حول خمس نقاط على أن تكون مبنية ضمن أطر القيم الثلاث الأساسية: طرق تدريس التّعلم المبتكرة، تكافؤ الفرص والتّعلّم المدمج، المهارات الرّقمية والمهارات الإبداعية للخلق والابتكار، التجهيز لوظائف المستقبل من خلال خدمة المجتمع، الرّاحة النفسية والجسدية ومهارات التعبير عن الذّات.

ولتتمكن الحركة من تطبيق وتفعيل هذه الرؤية، هناك عدة أدوات يجب استعمالها لتحوّل المدرسة بالكامل الى:

- إبتكار مشاريع التحوّل المدرسي: حيث يجب تأسيس المشروع داخل المدرسة وضمن دوام المدرسة وأن يكون جزءاً من ثقافة المدرسة.

- نقل المشاريع: حيث ان الهدف الاساسي من بعد مرحلة الابتكار وبعد نجاح المشاريع هو نقلها الى مدارس أخرى.

وتمكنت الحركة من نقل مشروعين، فالمشروع الأول تحدثت عنه سناء شهيب، وهي مديرة ثانوية مارون عبود الرسمية -عاليه وعضو من مجلس الحركة حيث كان الهدف تمكين 10 أساتذة و60 طالباً من تطوير نظرة جديدة لحلّ المشكلات المجتمعية عبر استخدام التكنولوجيا والتصميم وتسويق منتجاتهم مع التأكيد على القيم. والمشروع الثاني تحدثت عنه سحر محفوظ وهي مديرة مدرسة المقاصد أبي بكر الصديق- بيروت حيث كان دور المدرسة إعداد التلميذ المتمكن من مهارات القرن 21 والقدرات المطلوبة لسوق العمل بهدف جعل التلميذ مفكراً ناقداً وقادراً على حل المشكلات واستخدام التكنولوجيا في التعليم.

المشروع الثاني وهو «رحلة المدرسة المختارة في ملتقى «نفضة». والملتقى هي عبارة عن مساحة ليجتمع فيها مدراء المدارس وتهدف الى خلق نظام تعليمي تربوي بديل في ظل تغييب المدراء عن عمليّات صنع القرار، والانطلاق بهذا البديل من الجزء إلى الكل لتعميمه على أوسع نطاق ممكن للوصول في ما بعد الى التغيير. ويشمل الملتقى جلسات إقليمية لمناقشة القضايا التربويّة على الصعيد الوطني واقتراح ومناصرة الحلول وتطبيقها إذا أمكن. كما ويُحدد لها ميزانية مخصصة لتنفيذ خطّة العمل المقترحة.

إذاً تهدف حركة «نفضة» الى بناء القدرات داخل المدارس عن طريق المشاريع والملتقيات، خاصةً لأن المدرسة هي مرآة المجتمع.

أقوال من لمسوا التأثير الإيجابي

تجدر الاشارة الى بعض الأقوال التي جمعتها «نداء الوطن» للمدراء في حركة «نفضة» والذين لمسوا التأثيرالإيجابي الذي زرعته هذه الحركة في مدارسهم:

- «ظهرت حركة «نفضة» كمحفز رئيسي لتحقيق كل ما كنا نحلم به من التغيير على مستوى ثانويّتنا، مجتمعنا وبيئتنا، من خلال النشاطات الصفيّة واللاصفيّة».

- «لقد قدم لنا العمل مع «نفضة» نموذجاً حياً لقدرة المدارس على التغيير الإيجابي داخل المدرسة أولاً وفي محيطها المجتمعي ثانياً».

- «قدمت حركة «نفضة» الدعم للمدارس في الزمن الصعب للاستمرار في رسالتها التربوية التحويلية المتمحورة حول الطلاب وحاجاتهم ليكونوا فاعلين ومؤثرين في مجتمعهم».

- «كنت مهتمة بالتعاون مع «نفضة» لأننا ندعم الطلاب الذين يعانون من صعوبات التعلم، والعدالة الاجتماعية هي إحدى أهم قيم «نفضة» الثلاث. أعتقد أن جميع الطلاب يستحقون تعليماً متخصصاً يلبي احتياجاتهم الفردية والخاصة».

- «حركة «نفضة» هي فسحة أمل وجسر عبور للمستقبل التربوي الحديث».

- «أتت حركة «نفضة» بزمن حرج، كنا نشعر باليأس والانهزام، فزودتنا بالأمل إزاء إمكانية تحقيق التغيير».


MISS 3