ريتا ابراهيم فريد

الفنّان التشكيلي مروان نحلة: الفنّ غذاء الروح في الأيام الصعبة

23 أيار 2023

02 : 05

شارك في مهرجانات فنية كبيرة، ونال جوائز عالمية عدّة من بينها الجائزة الأولى عن فئة اللوحة التشكيلية في إيطاليا. الرسام مروان نحلة الذي يمتلك مواهب فنية مختلفة، بين الرسم التشكيلي، صناعة الأفلام، التصوير الفوتوغرافي، العزف على الغيتار، إعادة تأهيل المنحوتات وغيرها. هي ليست صدفة، فقد نشأ في منزل فني، كونه نجل الفنان الكبير الراحل وجيه نحلة، الى جانب سعيه المستمرّ لتطوير مواهبه. وبعد سنوات أمضاها في بلاد الاغتراب، عاد اليوم الى لبنان حيث يقيم معرضاً يشمل فنوناً متعدّدة. «نداء الوطن» تواصلت مع الفنان مروان نحلة الذي تحدّث عن معرضه الجديد وعن عودته النهائية الى وطنه الأمّ، مشيراً الى أهمية دور الفنّ في تجاوز الأيام الصعبة التي نمرّ بها.



عرضت أعمالك الفنية في دول كثيرة حول العالم. ما الذي يميّز هذا المعرض الذي تقيمه اليوم في لبنان؟

أهمية هذا المعرض أنّه يشمل الطاقات المتعدّدة التي باركني الرب بها، والتي استطعتُ أن أضعها في مكان واحد. فأنا معروف في لبنان كرسّام أو موسيقي حين أقيم الحفلات. لكن لم يحدث قبل اليوم أن ظهرتُ في نشاط يجمع بين أعمال فنية عدة. فالمعرض يتضمّن لوحات رسمتها، عزف موسيقى ارتجالية على الغيتار، إلقاء شعر لجبران خليل جبران، أفلاماً قصيرة من إخراجي، ومنحوتات أعيد تأهيلها وغيرها...

كيف كانت تجربة إقامة هذا المعرض في وطنك الأمّ؟

ليتهم في لبنان يقدّرون الفنان كما يُقدّر في الخارج. أقولها بكلّ أسف. خلال فترة التسعينات كان الفنّ في لبنان يحظى بأهمية كبرى، وحين كنا نقيم معرضاً كانت تتهافت الوسائل الإعلامية للتغطية والإضاءة عليه. اليوم اختلفت الأجواء. أنا أحاول أن أضع كل إمكاناتي الفنية أمام الناس ومتفائل من ذلك، لكنّي أشعر بفرق كبير بين لبنان والخارج. في إيطاليا مثلاً، يحضر رئيس البلدية لافتتاح المعرض الفني ويقام مؤتمر صحفي لتثقيف الناس حول المعرض قبل أن يدخلوا. لكن في لبنان أشعر أنني أعمل بمفردي.



مروان الى جانب لوحاته في المعرض

المعرض مستمر حتى 17 حزيران





بالعودة الى مواهبك الفنية، كيف يمكن للفنان المتعدّد المواهب أن يحقّق التوازن بينها فلا يهتمّ بتنمية موهبة على حساب أخرى؟


كان عملي في البدايات مقتصراً على الرسم. وحين بلغتُ الـ17 من عمري تعلّمتُ بنفسي العزف على الغيتار الإلكتروني. حينها شعرتُ أنني متزوّج من امرأتين وأحاول إرضاءهما معاً، وكان الأمر صعباً. لكن مع الوقت اعتدتُ على هذا النمط وجمعتُ بين سبع مواهب في الوقت نفسه ونجحتُ بتقسيم وقتي بينها. فكلّ موهبة لها جوّها الخاص بها: الرسم مثلاً يذهب بي نحو عوالم بعيدة، على عكس إعادة تأهيل المنحوتات التي تجبرني على التفكير بالحاضر.


أسّست فرقة موسيقية تحمل اسم «أنخ» وكانت لها مشاركات ضمن المعرض. لماذا اخترت لها اسماً فرعونياً وماذا عن تركيزك على الموسيقى الإرتجالية؟

مسيرتي مع الموسيقى بدأت منذ الثمانينات مع الفنان غسان الرحباني، حيث أقمنا حفلة في العام 1985 على جسر نهر الكلب في ظلّ الحرب اللبنانية، وحضر حينها حوالى 3000 شخص. ثم غادرتُ لبنان بعدها. كنتُ أقيم النشاطات الموسيقية في منزلي مع حفلات موسيقية إرتجالية. في العام 2010 أسّستُ فرقة «أنخ» وكانت تقتصر على موسيقيين يعزفون في منزلي بأسلوب إرتجالي، قبل أن ننطلق لإقامة الحفلات أمام العامة. وكنتُ أستعين الى جانب الغيتار بألعاب محطّمة تعطي أصواتاً غريبة وجديدة، حيث تخرج عبر مكبّر الصوت من خلال الغيتار. بالنسبة لاسم الفرقة، «أنخ» تعني مفتاح الحياة. مع الإشارة الى أننّي أستعين بالموسيقى الخاصة بي في الأفلام التي أصوّرها.

تتميّز أيضاً بموهبة إعادة تأهيل المنحوتات. كيف تصف شعورك حين تعيد ترميم منحوتة وكأنّك تهبها حياة جديدة؟

أنا أعشق الطبيعة، ولطالما شعرتُ بالحزن حين كنت أرى النفايات مرمية وخصوصاً مواد البلاستيك والعبوات. من هُنا انطلقت في مشروع إعادة التأهيل، وأوّل قطعة ركّبتُها كان عمري عشر سنوات. وفي العام 1988 حاولتُ جمع الخيوط والأخشاب وفراشي الأسنان وتركيبها في قطع جديدة. وفي العام 2008 أقمتُ معرضاً كبيراً في الكرنتينا تضمّن مئات القطع التي حوّلتُها الى تحف، من بينها قناني النبيذ والبيرة. من الرائع أن نخلق منحوتات من مواد لا قيمة لها وأن نمنحها جمالية قد تصل حدّ إدخالها الى المتاحف. وقد شاركتُ في ورش عمل حول إعادة تأهيل المنحوتات مع أطفال بين أميركا وإيطاليا ولبنان، ولمستُ كم أنّ ذلك يفتح الآفاق أمام مخيّلة الفنان التي لا نهاية لها.

في وقت يسعى الكثيرون للهجرة، أنت قمت بالعكس وعدت مع عائلتك نهائياً الى لبنان بعد هجرة طويلة منذ العام 1989. ألم تتخوّف من العودة الى وطن يعاني من كل هذه الأزمات؟

أخذنا قرار العودة انطلاقاً من نظرة إيجابية وأمل بتحفيز أصدقائنا الذين غادروا لبنان (خصوصاً الفنانين) كي يعودوا هم أيضاً بعد عودتنا، وقد بدأنا نلمس ذلك، بالتالي «فيه أمل». من هُنا أحاول قدر الإمكان القيام بنشاطات فنية وثقافية لأنّ الناس بحاجة الى الإنفتاح من جديد عليها. فالفنّ يغذّي الروح خصوصاً في هذه الأيام الصعبة.

كفنان من لبنان حقّق نجاحات عالمية. ماذا تقول للشباب اللبناني الذي يشعر أنّه على عتبة اليأس؟

أطلب منهم ألا يفقدوا الأمل أبداً. فمن خلال مبادرات بسيطة يمكنهم الوصول الى إنجازات عظيمة، ومهما أقفلت الأبواب لا بدّ أن تفتح مجدّداً. العتمة لن تدوم ولا بدّ للنور أن يظهر من مكانٍ ما. صحيح أننا نمرّ اليوم بفترة صعبة، لكنّها ليست النهاية والفرج آت. المهمّ أن يتمسّكوا دوماً بالتفاؤل.





MISS 3