الشامي: أقيلوا سلامة فوراً

10 : 55

وجّه نائب رئيس حكومة تصريف الأعمال سعادة الشامي كتاباً الى مجلس الوزراء الذي سيلتئم يوم غد الجمعة، ولكن لم يتمّ إدراجه على جدول الأعمال.



وفي كتابه عرض الشامي موقفه بشأن مذكرة التوقيف الدولية بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وموقف الحكومة منها، وخلُص الى المطالبة بإقالة حاكم المركزي فوراً.



وفي ما يلي النصّ الكامل للكتاب الموجّه من الشامي الى رئيس وأعضاء حكومة تصريف الأعمال:



"23 أيار 2023

دولة الرئيس،

الزملاء الكرام،


الموضوع: مذكرة التوقيف الدولية بحق حاكم مصرف لبنان وموقف الحكومة



تبعاً للاجتماع الوزاري التشاوري الذي عُقِد البارحة والنقاش الذي حصل، أودُّ التوجّه اليكم بهذه المذكرة التي ارتكزت عليها في مطالعتي في هذا الاجتماع ليكون موقفي واضحاً وموثّقاً. ان موقفي من الموضوع هو مبدئي يتوخّى المصلحة العامة بدون أيّ اعتبارات أخرى، وهو أبعد ما يكون من "الشعبوية"، لأنه لا يراعي أحداً وفي نفس الوقت ليس موقفاً شخصياً ضد أحد.



في ضوء القرار الصادر عن القضاء الفرنسي ومذكرة التوقيف الدولية بحق حاكم مصرف لبنان و تعميمها على الانتربول، وبغض النظر عمّا قد يعتري هذا القرار من شوائب قانونية (لا ادّعي الخبرة بها)، ومع ايماني بقرينة البراءة حتى تثبت إدانة المتهم، أريد أن الفت النظر لجدِّية وخطورة الشبهات والاتهامات نظراً لحساسية الموقع، ما يوجِب على الحكومة مقاربة الموضوع بأقصى درجة من الجدية وعدم التغاضي عن هذا الموضوع كأنّ شيئاً لم يكن لما لذلك من وقع وارتدادات على السياسة النقدية، والقطاع المصرفي، وعملية الإصلاح الاقتصادي بشكل عام.



ان مصداقية الحكومة مجتمعةً، ومصداقية الأشخاص المولجين بعملية الإصلاح الاقتصادي والتفاوض مع المؤسسات الدولية (وزير المال والاقتصاد وأنا) ستصاب بأذىً كبير إذا بقينا صامتين عن هذا التطوّر الخطير ما قد يضعنا نحن في دائرة المساءلة. التاريخ لن يرحمنا إن غضّينا الطرف عن مسألة بهذه الاهمِّية والابعاد خاصةً في هذا الوضع الاقتصادي العصيب.



أن تكون هناك مذكرة توقيف دولية بحق الحاكم ليس تفصيلاً بسيطاً لأنه سينعكس حتماً على كيفية تعامل المؤسسات الدولية والمجتمع الدولي والبنوك المراسلة مع المصرف المركزي ومع لبنان حتى ولو لم يكن هناك مقاطعة رسمية ومطلقة حتى الآن. فمن غير الممكن أو المعهود أن يبقى مدَّعى عليه بجرائم مالية شَتّى في عدة بلدان (انضمت المانيا اليوم إليها بإصدارها اليوم مذكرة توقيف بحقه كما ذكرت بعض وسائل الاعلام)، يمارس صلاحياته بشكل عادي. فحاكم البنك المركزي يجب أن يكون فوق أي شبهة مهما كانت صغيرة وكيف بالحريّ إذا كانت بهذا الحجم المتداول وفي ظل أزمة اقتصادية عميقة ومتعددة الوجوه وخاصة أنه هو المسؤول الأول في الجمهورية اللبنانية عن العلاقة مع صندوق النقد الدولي والتواصل مع مؤسسات مالية وإقليمية متعددة. فهل نحن بحاجة إلى تعقيدات إضافية أم إلى مزيد من بناء الثقة والمصداقية. نعم هناك واجب على الحكومة أن تتعامل مع هذا الأمر بالسرعة المطلوبة وكنت قد تمنيت فور صدور القرار في رسالة مكتوبة الى دولة الرئيس أن تعقد جلسة عاجلة لمجلس الوزراء للتداول بهذا الموضوع واتخاذ القرار المناسب.



من المتعارف عليه أنه على أيِ مسؤول متهم بارتكابات ولو كانت بسيطة، أن يتنحّى عن موقع القرار لحين صدور الاحكام النهائية بصدده. في حال البراءة يعود إلى ممارسة عمله بشكل طبيعي وإلا فعليه أن يترك منصبه. غير أنه في هذه القضية لن تصدر الأحكام قبل انتهاء ولاية الحاكم في شهر تموز المقبل، لذا من المفضل أن يستقيل خدمةً لبلده واحتراماً لموقعه. فالاستقالة لا تعني الاعتراف بأي جرم فيما تحافظ على سمعة المؤسسة التي يرأسها المتّهم. كلُّنا يتمنى ان يثبت الحاكم براءته وسيكون هذا جيداً ليس لشخصه وحسب، بل ايضاً لمصلحة بلدنا وسمعته لأنه لا توجد أمثلة كثيرة في العالم عن وجود شبهات بهذا الحجم على حاكم بنك مركزي. ان استمرار الحاكم في تحمل مسؤولياته في هذه الظروف سيؤثر بشكلٍ جدّي على القيام بواجباته على رأس السلطة النقدية وهو المؤتمن على الاستقرار المالي والنقدي ويتمتع بصلاحيات واسعة ومتشعبة ان كان من ناحية رئاسته لوحدة التحقيق الخاصة (التي تُحقِّق في عمليات تبييض الأموال!) وكذلك هيئة الأسواق المالية والهيئة المصرفية العليا وغيرها، وهذا يمكن أن يؤدي الى اتخاذ قرارات لا تصب في المصلحة العامة.



في هذا السياق، فاني أُشاطر رأيَ الكثير من القانونيين انه يمكن لحكومة تصريف الأعمال، بسبب العجلة والضرورة القصوى، أن تعيّن حاكماً جديداً لمصرف لبنان. اتفهم أن هناك شريحة كبيرة من التيارات السياسية ليست ممثلة في الحكومة كالقوات اللبنانية والكتائب والتغييريين وغيرهم وأن التيار الوطني الحر يقاطع جلسات مجلس وزراء ولكن هؤلاء جميعاً يطالبون باستقالة أو إقالة الحاكم. هنا يمكننا التشاور مع الجميع للاتفاق على حاكم جديد يتمتع بالمصداقية والكفاءة والخبرة المطلوبة لتسيير هذا المرفق العام المهم جداً. وإذا تعذّر ذلك يتسلّم عندها النائب الأول للحاكم هذه المهمة لحين تعيين حاكم جديد.



القول إن الحاكم ليس هو وحده المسؤول عما وصلت اليه الأمور هو صحيح، ولكن ان نستنتج من ذلك انه لا يجب محاسبة أي شخص مدَّعى عليه إن لم يحاسب الجميع هو تسويف للقضية وحرف الأنظار عن هذه المسألة. فعلى الحاكم مسؤولية كبيرة في ما وصل اليه الوطن من انهيار سعر عملته، وتعثُّر قطاعه المصرفي، وانكماش اقتصاده نتيجة الامعان في سياسات خاطئة، خاصة وأنه يتمتع بهامشٍ كبير من الاستقلالية في عمله. للتذكير فإن معظم الدول منحت استقلالية للبنوك المركزية لتجنّب التدخّل السياسيّ في السياسة النقدية وليس لتدخل السياسة من بابها العريض في عمل البنوك المركزية.



أما إذا رفض الحاكم التنحي أو الاستقالة، فالسؤال المطروح هو: هل يمكن لحكومة تصريف الأعمال تنحيته أو أقالته من ضمن القوانين المرعية الاجراء؟ هناك آراء قانونية متعددة، ولكن معظمها تقول ان ذلك ممكناً نظراً لعامل العجلة والضرورة القصوى واستمرارية المرفق العام وبالتالي المصلحة العامة. إضافةً، فإن النائب العام التمييزي كان قد ادّعى على الحاكم وأصدر مذكرةً بالحجز على ممتلكاته في الخارج وتعزز ذلك الادعاء بمذكرة التوقيف الدولية. (راجع الملحق فيما يتعلق بالشأن القانوني.)



في الخلاصة، صحيح ان الحكم النهائي لم يصدر بعد، ولكن المادة 19 لم تشترط الإدانة حتى تتم الإقالة. بل مجرّد وجود شبهات جدِّية استدعت صدور مذكرة توقيف دولية وتعميمها على الانتربول وكذلك صدور قرار قضائي لبناني بحجز على ممتلكات الحاكم ووجود تضارب مصالح من خلال شركة فوري حيث ان الحاكم وشقيقه استفادا من عمولات كبيرة بدل ان تذهب الى مصرف لبنان (ولا يمكن الادعاء ان الحاكم لم يكن على علم بذلك) كل ذلك فيه نوع صارخ من تضارب المصالح ما يكفي أن يتخذ مجلس الوزراء قراراً بتنحية أو اقالة الحاكم بأكثرية الثلثين. في هذا الإطار، فاني أتساءل إذا عجزنا عن اتخاذ قرار في مسألة بهذا الوضوح، فكيف لنا أن نقوم بالإصلاحات التي وردت في برنامجنا الاقتصادي الذي عملنا جاهدين عليه منذ أن تشكلت الحكومة؟



وعليه وعلى ضوء ما تقدم، فقد أضحى ضرورياً أن تطلب الحكومة من الحاكم الاستقالة لما فيه المصلحة العامة وهو الحل المفضل. وإذا لم يحدث ذلك، تصبح تنحيته وتعليق مهامه مطلوباً واذا تعذر ذلك تتم إقالته من قبل السلطة التنفيذية عملاً بصلاحياتها الاستثنائية لتسيير المرفق العام، وبحسب مبدأ الموازاة في الأصول والصيغ، أي أن الجهة التي عينته هي الجهة التي تقيله، ما يعني أنه يعين بمرسوم ويقال بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء. وإذا أتى قرار الحكومة مخالفاً للقوانين المرعية الاجراء فإنه يمكن عندها للحاكم اللجوء الى مجلس شورى الدولة للبت بقانونية هذا القرار من عدمه.



أريد ان انهي بالقول بانه يجب ادراج هذا الموضوع على جدول مجلس الوزراء القادم حتى يدلي كل بدلوه وحتى تُعرف آراء كل وزير وهذا واجب علينا. هل يعقل ان يكون حاكم أي بنك مركزي ملاحقاً عالمياً ويبقى في مركزه يمارس صلاحيته؟ امامنا مسؤولية تاريخية وأنه لا يمكن لأي مسؤول كائناً من كان أن يأخذ البلد رهينة في وقت نحتاج فيه الى تضافر كل الجهود لانتشال لبنان من أزمته الغير مسبوقة والتي تهدد مستقبل الأجيال القادمة.

ملحق: الشأن القانوني

بالرجوع إلى النص الأساس الذي ينظم ويرعى هذا الموضوع وهو قانون النقد والتسليف فقد نصت كل من المادتين التاليتين 19 و20 على التالي:


المادة 19

في ما عدا حالة الاستقالة الاختيارية، لا يمكن اقالة الحاكم من وظيفته الا لعجز صحي مثبت بحسب الاصول أو لإخلال بواجبات وظيفته، في ما عناه الفصل الاول من الباب الثالث من قانون العقوبات، أو لمخالفة أحكام المادة20 ، أو لخطأ فادح في تسيير الاعمال.



المادة 20 تنص: "على الحاكم ونائبي الحاكم أن يتفرغوا بكليتهم للمصرف. ولا يمكنهم أن يجمعوا بين وظائفهم وأية عضوية نيابية أو وظيفة عامة أو أي نشاط في أية مؤسسة مهما كان نوعها أو أي عمل مهني، سواء كان هذا النشاط أو هذا العمل مأجوراً أو غير مأجور. يحظر عليهم خلال مدة ولايتهم أن يحتفظوا أو أن يأخذوا أو يتلقوا أية منفعة في مؤسسة خاصة" .



وهنا لا بد من توضيح وتفسير جملة من الأمور الواردة في النصَّيْن الآنفي الذكر ومقاربتها وتحليلها من خلال ما هو قائم ومعلن من معلومات واتهامات:


1-الإخلال بواجبات وظيفته (عملاً بالفصل الاول من الباب الثالث من قانون العقوبات)

لقد عدَّد هذا الفصل الجرائم المُخِلَّة بواجبات الوظيفة ونظم الأحكام والعقوبات والإجراءات ذات الصلة ومنها على سبيل التعداد: صرف النفوذ ) النبذة 2 المادتين رقم 357 و (358والاختلاس واستثمار الوظيفة) النبذة 3 أي المواد 359 إلى (366 التي يتلاءم تعريف الجرم فيها كما والعنوان مع ما هو وارد في الاتهامات الموجهة إلى الحاكم من قبل القضاءين اللبناني والأجنبي )وسيما الفرنسي). ومن ضمن تلك التعاريف لا يسعنا إلا التوقف عند التعريف الوارد في المادة 364 لانطباقه الكامل مع الفعل المدان أي كل موظف حصل على منفعة شخصية من إحدى معاملات الإدارة التي ينتمي إليها سواء فعل ذلك مباشرة أو على يد شخص مستعار أو باللجوء إلى صكوك ظاهرية عوقب بالحبس من ثلاث أشهر إلى سنتين وبغرامة أقلها مائتي ألف ليرة".



ويتلازم هذا التعريف مع التعريف المعطى لأعمال الفساد في القانون الحديث رقم 175 تاريخ 8 / 5 / 2020 الذي يعرّف الفساد على أنه: "استغلال السلطة أو الوظيفة أو العمل المتّصل بالمال العام بهدف تحقيق مكاسب أو منافع غير مشروعة لنفسه أو لغيره، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة" . ولا يضير القول هنا أن الوقائع والقرائن تثبت كلها وجود الإخلال وفقاً لمنطق هذا النص ولا يغفل على أحد أن الأمور الملاحق بها الحاكم من عمولات شركة فوري إلى تأجير مكاتب في باريس، وإن لم يصدر حكم بعد بشأنها، تندرج كلها ضمن التوصيف السابق الذكر وبالتالي تستدعي اقله تعليق مهامه إن لم تكن إقالته. هذه تهم جدّية وخطيرة ولم يصدر نفي قاطع بشأنها. ولذلك فإن التنحّي عن موقع المسؤولية هو لأثبات البراءة ان وجدت، ولكن الاستمرار فيها هو ضرر بالمصلحة العامة.



أما في ما خص المادة 20 من قانون النقد والتسليف من ضمن ما نصت عليه، أنه "يحظر على الحاكم ونائبي الحاكم خلال مدة ولايتهم أن يحتفظوا أو أن يأخذوا أو يتلقوا أية منفعة في مؤسسة خاصة. وتعتبر منفعة، بمعنى الفقرة السابقة، كل مساهمة أو اشتراك بأي شكل أو أي وسيلة كان، حتى بطريق الاقراض البسيط.


وإذا ما نظرنا إلى العمليات التي أجرتها شركة فوري خلال أكثر من عقد من الزمن والتحويلات التي أجرتها والتي استفاد من جزء كبير منها الحاكم وفقاً لما أظهرته التحقيقات يتبين هنا ايضاً أن المخالفة قائمة.



2-الخطأ الفادح في تسيير الاعمال


أما بالنسبة للخطأ الفادح في تسيير الأعمال فإن النتيجة تحكم على العمل والعبرة فيها بعد أن أفضت ثلاثة عقود من الحاكمية إلى انهيار مالي غير مسبوق ولا مثيل له في التاريخ المعاصر (وان لم يكن هو المسؤول الوحيد عن هذا الانهيار) فإنّه يتحمل نتائجه وعبئه سواء كونه كان مشاركاً ومقرراً في السياسات الخاطئة والتجاوزات ذات الصلة.


وبدون الدخول في كل الأمور التي أدت الى الانهيار، يمكن الإشارة فقط الى الإفراط والتساهل في تمويل الدولة على امتداد العقود الثلاث الماضية من دون ضوابط وبمخالفة فاضحة لقانون النقد والتسليف ولا سيما المواد 90 إلى94 . هناك سابقة في هذا الموضوع يجب التوقف عندها وهي عندما رفض الحاكم ادمون نعيم تمويل العجز في الموازنة وأدت الى ما أدت إليه."