يتبادل الفرقاء اللبنانيون الحجج نفسها، كل منهم من موقع طائفي وسياسي معاكس، في معرض إثبات استحالة قبول أي منهم بمرشح الخصم. يتسلح كل من فريقي المعارضة والممانعة ببدعة الميثاقية، وببدعة تعطيل النصاب لمنع وصول المرشح الذي يطرحه الفريق المقابل، وباختراع «التوافق»، وجميعهم يعلم أنها منافية للدستور ولا وظيفة لها إلا إفراغه من مضمونه، وإلغاء اللعبة السياسية التي ينظمها.
هم يتساوون في استخدام هذه الحجج وغيرها، مع أنّ مساواتهم في اختراعها مجافٍ للواقع والحقائق التاريخية. فالميثاقية هي البدعة التي اخترعها فريق 8 آذار عام 2007 من أجل الإطاحة بحكومة الرئيس فؤاد السنيورة عبر اجتياح «حزب الله» بيروت وجزء من الجبل في 7 أيار 2008. حيلة «الميثاقية» هزمت الدستور بالسلاح. ومنذ ذلك الحين تحولت إلى إحدى قواعد التسلط على تشكيل الحكومات في عهد الرئيس ميشال عون و»التيار الوطني الحر». كذلك بدعة تعطيل النصاب المنافية للدستور، والتي باتت اللعبة السياسية تدور حولها منذ إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري مطلع عام 2011.
يرفض كلٌ منهم أي إملاء من الخارج، لإسم الرئيس وللتركيبة التي سترافقه في رئاسة الحكومة والوزارات، ومناصب الفئة الأولى وحاكمية مصرف لبنان... لكنه سرعان ما يروج لقراءته الخاصة للمستجدات الإقليمية والدولية، التي يعتبرها لصالح هوية الرئيس الذي يريد، فينغمس في توظيف الخارج لدعم من يسميه...
إزاء فرضية اتفاق المعارضة المؤلفة من السياديين ومستقلين وتغييريين على مرشح واحد، بدعم ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور أو غيره، يقفز الى الواجهة لجوء الفريق الخصم إلى تعطيل نصاب الثلثين في الدورة الثانية للاقتراع، فيحول الممانعون بقيادة «الثنائي الشيعي» دون نجاحه، إذا لم يشمل التفاهم الفريقين الشيعيين اللذين يحوزان على أصوات النواب الشيعة الـ27 على اسمه. وإذا نجح توافق المعارضين بإيصاله، كيف يمكنه أن يمارس دوره في السلطة بعد إمساكه بزمامها في ظل رفض شيعي له؟ فتشكيل حكومة بغياب «الثنائي» سيكون متعذراً باسم «الميثاقية» بعد معارضته الرئيس الذي يأتي من دون رضاه.
في المقلب الآخر وإزاء فرضية تمكن «الثنائي الشيعي» من تأمين الأكثرية لمرشحه سليمان فرنجية من أين ستأتي مشروعيته المسيحية، إذا لم يستطع ضمان بضعة أصوات من النواب المسيحيين، في وجه رفض رئاسته من قبل الكتل المسيحية الرئيسة، أي نواب «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر» و»الكتائب» وكتلة «التجدد» والمستقلين؟ إذ أن فوزه ببضع أصوات من النواب المسيحيين قد لا يتجاوزون عدد أصابع اليد يعني أن عهده يبدأ مهيض الجناح، بفعل عزلته المسيحية.
المفارقة أن بعضاً من القوى في كل فريق، أخذ يقر بأحقية حجج الآخر في الكواليس الضيقة. بعض السياديين يدرك أن لا أمل بانتخاب رئيس غير فرنجية، من دون التفاهم مع أحد طرفي «الثنائي الشيعي»، أو معهما معاً، طالما قرارهما أن يكونا موحدَّين خلافاً للدورة الانتخابية السابقة. هذا فضلاً عن أنه لم يسبق لقوى 14 آذار في عز قوتها أن تمكنت من ترجيح كفة رئيس يميل إلى خطها السياسي أو مستقل عن محور الممانعة. وهي أسئلة واستدراكات كافية من أجل تجنب بعض قوى المعارضة خياراً رئاسياً لا يوافق عليه أي من «الثنائي»، باعتماد الورقة البيضاء إذا جرت منازلة في البرلمان على هذا الأساس، أو باستباق حصولها تجنباً لمواجهة ترفع منسوب الاستقطاب الطائفي والسياسي في البلد من دون أن تملأ الفراغ الرئاسي.
ومن جهة ثانية أخذت تتسلل إلى بعض غرف أقطاب قوى الممانعة أسئلة من نوع، كيف سيتمكن فرنجية من ممارسة الحكم في وقت يقتصر عدد النواب المسيحيين المؤيدين له على أربعة أو خمسة فقط؟ وماذا إذا قررت القوى المسيحية الرئيسة مقاطعة حكومة العهد، ما يترك انعكاسات على مواقف الدول المؤثرة والفاعلة في مساعدة لبنان طالما السلطة السياسية الجديدة تستبعد المكون المسيحي من تركيبتها؟
إنها أسئلة لم تصل إلى حد استعداد كل فريق للتوافق على مرشح ثالث مع قوى المعارضة. فـ»حزب الله» يعتبر أن أي مرشح غير رئيس تيار «المردة» هو تحدٍ له، ولمن يمثل طائفياً.
في انتظار اتضاح مآل الشكوك المحيطة بإمكان اتفاق قوى المعارضة و»التيار الحر» على المرشح الذي يتحداهم الممانعون بالتوصل إليه كي يدعو رئيس البرلمان نبيه بري إلى جلسة انتخابية، فإنّ الطريق مقفل على تسوية، وفق تصريحات قادة «حزب الله»، رغم تركهم الباب مفتوحاً على البحث... الذي يحصرونه بفرنجية. وهذا ما تبلغه المرشح أزعور الذي يخشى تحوله إلى هدف مباشر لعرقلة الرئاسة من قبل «الثنائي».
طالما اللعبة خارج الدستور وفق العوامل المذكورة أعلاه، على الفريقين انتظار التسوية في الخارج، مهما كانت المناورات التي تنكر دوره.