د. منى فياض

كورونا وارتباط الصحة بالسياسة (١)

28 آذار 2020

05 : 05

كيفما تطلعنا أو أدرنا وجهنا لم نعد نسمع أو ننشغل الا بكورونا، بطل الالفية الثالثة الذي وضع العالم باكراً وجهاً لوجه مع نفسه ومع توجهاته المتضاربة التي أوصلت الارض الى طريق مسدود. كورونا سيد الموقف. كائن شبحي، أعاد الينا هشاشتنا التي كدنا نغفل عنها، مع ذاكرتنا الاثرية في خوفها من الاوبئة ومن غضب الطبيعة. جاء لينبهنا كي نواجه انفسنا بعد ان بدا أننا سادة الكون بلا منازع: لسنا سادة العالم...

لكن كورونا بالاضافة الى انه تهديد صحي واقتصادي، له بعده السياسي ايضاً؛ فشكل اختباراً كشف فيه طبيعة الأنظمة السياسية وأداءها، على اختلافها، في قدرتها وفعاليتها في مواجهة الوباء للحد من تفشيه.

الصين مثلا تأخرت في الاعلان عن الوباء ونفته في البداية. نفس السيناريو حصل مع ايران. ففي مثل هذه الانظمة يعد الحصول على المعلومات سلاحاً خطيراً ممنوعاً عن المواطنين. لكن برز هنا الاختلاف بين نظام صحيح انه استبدادي، لكنه انتج وطناً مزدهراً ويتمتع بمستوى اقتصادي وعلمي متطور. أما ايران فنظام مستبد ينتمي الى العالم الثالث ويعاني من الضعف والترهل بسبب الانفلاش والعقوبات والمشاكل الداخلية والانقسامات وحركة الاحتجاجات الواسعة.

كوريا الجنوبية، نظام ديموقراطي، لم تعتم على الامر، ولكنها ارادت احترام التنوع الديني للدلالة على ليبرالية مفرطة. فتأخرت في فرض الحجر الصحي في اماكن العبادة ولكنها عادت وتراجعت.

ويبدو ان ايطاليا ايضاً تأثرت مواجهتها للفيروس بانقساماتها الداخلية. كما ايران التي قدمت اعتباراتها السياسية ورغبة النظام في اظهار شعبيته، على السلامة العامة. فتأخرت في فرض الحظر على بؤرة الداء في قم لكونها المدينة المقدسة لديهم وركيزة لرجال الدين الذين يعتمد عليهم النظام. لكنها اجبرت في النهاية على فرض الحظر على المساجد والمراقد وغيرها.

الملفت هنا سرعة تخلي الشركاء الاوروبيين عن ايطاليا. فالاوروبيون راقبوا الوباء الذي انتشر في الصين ببعض اللامبالاة، لكنهم ارتعبوا مما حصل في إيطاليا. وعملوا على حماية انفسهم ومواطنيهم على حساب التضامن الاوروبي. فالحركات الشعبوية اضعفت حافز التعاون ما حدا بألمانيا وتشيكوسلوفاكيا بوضع القيود على تصدير الاجهزة الطبية والمعدات. لكن الصين هبت لمساعدتها. ما يرسم احتمال مد خطوط تحالفات سياسية مستقبلية تؤثر على السياسة الاوروبية وتماسكها.

اما الرئيس ترامب فلقد فشل بالتعاون مع دول العالم، فقام بتسييج بلاده. لكن موسكو والرياض انخرطتا في حرب اسعار نفطية. كل ذلك اضعف ثقة الناس بدولهم. ما عدا الصين التي يبدو انها تستقطب اعجاب عموم الناس ما يجعل نموذجها السلطوي الاستبدادي اكثر تقبلاً من الجماهير. أما بريطانيا فقد أبدت ارتباكاً واضحاً وكشفت عن سياسة مشكوك فيها وبنتائجها على قاعدة ان انتشار الوباء يساعد على بناء مناعة للسكان!! وبرأي الصحف فإن سياسة الحكومة ستنعكس على ثقة الرأي العام فقط وعلى الفوضى التي ستصيب الصحة الوطنية التي عانت إهمالاً طويلاً.

على العموم برهن النظام العالمي عن عجز في مواجهة الحالات الاستثنائية. وبرهن وباء كورونا ان الادوات المعتمدة للتعامل مع المشكلات الصحية غير كافية، لأنها معدة لمواجهة المشكلات الاقتصادية والتجارية. فالاهتمام منصب على الربح ومراكمة الرساميل في تجاهل تام للبشر ومصالحهم وصحتهم.

ربما تنجح هذه المحنة في زيادة التفاعل والحفاظ على درجة التعاون الدولي غير المسبوقة الحاصلة بين المختبرات والمؤسسات البحثية والجامعات لتوفير اللقاح. ولو ان هناك تسابقاً على احتكار اللقاح، فلقد عنونت احدى الصحف: "ألمانيا تتصدى لمطامع ترامب بشأن لقاح لكوفيد - 19، واتهمت الحكومة الألمانية الولايات المتحدة بالسعي لوضع اليد على مشروع لقاح طوّره مختبر الماني، محذرة بأنها ستبذل كل ما بوسعها حتى ينجح المشروع في أوروبا.

في المقابل اظهرت الازمة الحاجة الى استعادة و/‏أو الحفاظ على دور دولة الرعاية وقطاع الصحة كمرفق اساسي للخدمة العامة. صحيح ان دور الدولة تضاءل في العشرين سنة الماضية لصالح الشركات العملاقة غير الحكومية العابرة للحدود، لكن تبين ضرورة بقائها لتحمل مسؤوليتها عن المواطنين كأفراد وكمجتمع. وعن الحاجة الى بلورة مستوى من التنسيق الدولي بين الحكومات لمراجعة السياسات العامة تجاه البيئة والصحة ومستقبل الحياة على الكرة الارضية.


MISS 3