مأساة مستشفى في نيويورك

05 : 20

كنت أشكك في البداية بخطورة فيروس "كوفيد - 19"، لكنه بات يرعبني اليوم! أنا متدرّب في قسم الطب الداخلي في أحد مستشفيات نيويورك. منذ عشرة أيام، كان هذا المستشفى يخلو من الفيروس. أما اليوم، فهو يشمل مئات الإصابات. منذ عشرة أيام، كنا مرتاحين وحيويين ومستعدين لمواجهة الفيروس مباشرةً. أما اليوم، فقد أصبحت أعباؤنا فائقة ونشعر بالإرهاق والمرض وخيبة الأمل. لقد تلاشت إمداداتنا، وارتفعت أعداد المرضى بشكلٍ قياسي وبعضهم في حالة حرجة، وبدأنا نفتقر إلى خبراء الصحة بسبب غياب المعدات الواقية المناسبة. نحن نخوض معركة خاسرة لا نهاية قريبة لها ونحتاج إلى المساعدة فوراً!

رسمياً، التقط 13 طبيباً متدرباً الفيروس في هذا المستشفى. لكنّ العدد الفعلي أكبر بكثير. حين أتجول في الأروقة، أشاهد الأطباء المتدربين وهم يخفون سعالهم ويتنحنحون لتطهير حنجرتهم أو يستنشقون الهواء بصعوبة فيما يديرون رؤوسهم. لماذا نتابع العمل هنا؟ إذا لم نعمل نحن، فمن سيفعل؟ لقد مرضنا جسدياً، لكن لا أحد يستطيع العمل بدلاً منا. نحن نخفي عواطفنا وسعالنا عن زملائنا ونحاول مواساة بعضنا البعض، لكننا لا نعرف كيفية فعل ذلك. لذا نركّز كل طاقتنا على المرضى.

منذ بضعة أيام، تم استدعائي إلى غرفة الطوارئ لإنعاش أحد المرضى. يتطلب البروتوكول العادي أن نضع قناع تنفس على وجه المريض، لكن تمنعنا بروتوكولات "كوفيد - 19" الجديدة من هذه الخطوة لتجنب تناثر الهباء الجوي المليء بجزيئات فيروسية. حين رأيتُ المريض وهو ينهار، سألتُ نفسي: "هل أحمي حياتي أم أجازف بحياة هذا الرجل الذي يبلغ 41 عاماً ولديه عائلة وحياة طويلة أمامه"؟ لقد أقسمنا اليمين عند تخرّجنا من كلية الطب، ولهذا السبب نحن موجودون هنا كل يوم. ولهذا السبب قررتُ أن أجازف بحياتي لوضع قناع التنفس لذلك المريض.

لقد أقفلنا وحدات كثيرة في المستشفى لتخصيصها للمصابين بفيروس "كوفيد - 19". نحن نسمّي هذه المناطق "كهوف كوفيد". حين نعمل يومياً في قسم العناية المشددة، نتلقى ما معدله 12 استشارة طبية جديدة حول الفيروس. لمقابلة هؤلاء المرضى، أمرّ برواق مظلم وأعبر بالقرب من نقالات غير محدودة إلى أن أجد مريضي الجديد. وحين أصل إلى النقالة أمام الجدار الرمادي العَفِن، أضع قناعي على وجهي، وهو القناع نفسه الذي أستعمله منذ أيام، وأضع نظاراتي الواقية التي لا تتمتع بجودة عالية لكني أعقّمها بعد مقابلة كل مريض جديد. إذا كان المريض يحمل معالم "كوفيد-19" المشؤومة، ندرك أنه سيحتاج إلى الأنابيب الطبية قريباً. لكننا مضطرون لاتخاذ قرار حاسم في هذه المرحلة: كيف يمكن أن نوزع مواردنا المتناقصة بأفضل طريقة ممكنة من الناحية الأخلاقية والعملية؟ سبق ونفدت أجهزة التنفس الاصطناعي في هذا المستشفى، ولا نستطيع تقديم الرعاية التي يستحقها كل مريض. في هذه المرحلة، نضطر في مناسبات متكررة يومياً لاتخاذ قرارات مريعة ومثيرة للقشعريرة لأننا مجبرون على الاختيار بين وصل الأنابيب اللازمة لمريض في الأربعين من عمره أو آخر في الثمانين من عمره. لقد أقسمنا بألا نؤذي أحداً ونبذل قصارى جهدنا لخدمة المرضى. لكنّ عدم جهوزية هذا البلد جعلتنا نعجز عن التصرف بما يصبّ في مصلحة المريض. نحن نتخذ قرارات مصيرية في هذا المكان لأن أسواقنا وحكومتنا منهارة بالكامل.

هذه القصص لا تحصل في بلد آخر، بل إنها حقائق من مدينة نيويورك الشهيرة! وقريباً جداً، سيتكرر هذا الواقع في مدن أميركية أخرى ما لم تُفرَض تعديلات كبرى في أنحاء البلد.

نحن نحتاج إلى إمدادات طبية للمرضى (أجهزة تنفس، أسرّة، أدوية). ونحتاج إلى معدات لحماية الأطباء (أقنعة مناسبة، نظارات واقية، ملابس طبية). ونحتاج إلى طاقم طبي إضافي كي يتمكن الأطباء المرضى من ملازمة منازلهم إلى أن يتعافوا ويمنعوا انتشار العدوى. ونحتاج أخيراً إلى أخذ قواعد النظافة والتباعد بين الناس على محمل الجد. نحن نطلب مساعدة عاجلة!

* ننشر في هذه الزاوية قصصاً من تجارب الناس مع الكورونا


MISS 3