رفيق خوري

أبعد من التلاعب بالرئاسة والجمهورية

31 أيار 2023

02 : 00

ليس الشغور الرئاسي المتكرر بالقصد سوى وسيلة من اجل غاية هي إفراغ الرئاسة من معناها ودورها. ولا إفراغ الرئاسة، حتى بوجود رئيس في المنصب على حساب السلطة، سوى فصل في كتاب عنوانه دفع الجمهورية الى دور مخالف لطبيعة لبنان. وأحدث ما يرمز اليه ذلك هو المناورة - العراضة العسكرية التي أجراها «حزب الله» في عرمتى وقالت للداخل والخارج: إنسوا ما بقي من الدولة في لبنان الذي صار جبهة أمامية في حرب المشروع الإقليمي الإيراني.

والوقت حان للتوقف عن الألعاب الصغيرة في الداخل والرهانات الكبيرة على الخارج من أجل الإستعداد الجدي لمواجهة التحديات. فمن الوهم ان نراهن على الآخرين لإصلاح ما خربته المافيا الحاكمة والمتحكمة. وفي باب رفع العتب أن تكرر القوى العربية والدولية دعواتها الى المافيا للمسارعة الى إجراء الإصلاحات وإنتخاب رئيس. ما فعلته المافيا هو رفض الإصلاحات، لا الفشل في إجرائها، لأنها لم ترد أن تحاول لكي يقال انها فشلت، وما يفعله القضاء الأوروبي في ملف واحد من ملفات السطو على المال العام والخاص هو ما كان يجب ان يقوم به القضاء اللبناني المكبل بقيود المافيا ومصالحها.

لكن»ستاتيكو» الفراغ الذي يخدم المافيا ليس جامداً، بحيث يصعب الحفاظ عليه. فهو «ستاتيكو» على سطح أزمة متحركة في العمق. أزمة وطنية وسياسية ومالية واقتصادية واجتماعية وحتى ثقافية تزيد من الإنهيار الداخلي يومياً. وأزمة على خريطة تحولات إقليمية ودولية لم تكتمل خطوطها بعد. وما يضيف الى مخاطر الأزمة هو مبالغات القراءات في الأحداث والتطورات الخارجية. من القراءة في الثوابت والمتغيرات في الصراع العربي - الاسرائيلي، وبينها دور»المقاومة الإسلامية» الى القراءة في الإتفاق السعودي - الإيراني برعايه الصين، وصولاً الى القراءة في حرب أوكرانيا والصراع بين روسيا والناتو واللعبة الكبيرة بين أميركا والصين وروسيا.

ذلك ان القراءات اللبنانية في «إتفاق بكين» تميل كالعادة الى المبالغة في أكثر من إتجاه. فريق يرى في الإتفاق تسليماً لإيران بالهيمنة على العراق وسوريا ولبنان، مقابل فريق يرى نوعاً من كبح النفوذ الايراني أو أقله «تنظيم» التنافس والتعاون بين طهران والرياض التي تتولى قيادة العالم العربي. لكن الوقائع هي أفضل قارئ في الإتفاق. وما تدل عليه حتى الآن هو أن الإتفاق ليس خريطة طريق الى نظام إقليمي جديد يحتاج الى لاعبين إقليميين ودوليين آخرين. والمؤكد هو ترتيب العلاقات الثنائية، وفي طليعتها إعادة فتح السفارات. والباقي على حاله. فالطريق يبدو طويلاً وصعباً في جبال اليمن، حيث القضية المهمة والملحة بالنسبة الى السعودية. والمعادلة في العراق ثابتة. والإنفتاح على دمشق لم يدفع النظام الى تخفيف حمولته المحلية والإيرانية. ولعبة «الثنائي الشيعي» الرئاسية في لبنان مستمرة.

وإذا كانت أميركا والسعودية على الحياد في الملف الرئاسي، فإن ايران ليست في موقف محايد من خلال «حزب الله». وفرنسا التي تلعب مع طهران ليست على الحياد. والكل يعرف ان الحياد الأميركي والسعودي هو إمتناع عن تحمل مسؤولية أي رئيس وتحميل اللبنانيين المسؤولية عن خيارهم. لكن التلاعب بالرئاسة والجمهورية مسألة خطيرة وإن بدت سهلة. والقراءات أمام المرآة في الواقع اللبناني مخادعة، لأن الواقع في لبنان ليس واقعياً.

و»لا سلام مع قوة ثورية»، كما قال مترنيخ في بدايات القرن التاسع عشر.


MISS 3