لغز قديم على طريق الانكشاف...

08 : 30

على مر 3200 سنة، بقي السر خفياً على الجميع! تشكّل الآلهة المحفورة في الحجر الجيري بالقرب من مدينة "حاتوشا" القديمة لغزاً محيّراً ومبهراً في آن! لكن قد ينكشف السر قريباً! وفق نظرية مثيرة للجدل، ربما استُعمِلت المنحوتات القديمة كروزنامة متطورة وسابقة لعصرها. يقول خوان أنطونيو بيلمونتي من "معهد الفيزياء الفلكية" في جزر الكناري، إسبانيا: "هذه الفكرة ليست مدهشة فحسب، بل إنها منطقية وممكنة أيضاً".

كانت "حاتوشا" عاصمة الإمبراطورية الحيثية خلال العصر البرونزي في المكان الذي تحوّل اليوم إلى تركيا المعاصرة. على بُعد بضعة كيلومترات من شمال شرق "حاتوشا"، تنتشر أنقاض موقع ديني قديم فوق تكوين صخري ضخم مصنوع من الحجر الجيري. يظن علماء الآثار أن ذلك المكان كان من أبرز المواقع الحيثية المقدسة، لكن لا يزال الهدف منه مجهولاً. ويوضح إبرهارد زانغر، رئيس مؤسسة "دراسات لويان" الدولية غير الربحية: "يتمتع المكان بهالة معينة، ويمكن نَسبها إلى اللغز العالق من جهة، وجمال الموقع من جهة أخرى". اعتُبر المكان جزءاً من كنيسة سيستين للفن الديني الحيثي نظراً إلى نوعية المنحوتات الصخرية المحفوظة هناك. تَرِد "يازيليكايا" و"حاتوشا" على لائحة مواقع اليونسكو للتراث العالمي، وخضعت المنحوتات الصخرية فيهما للدراسة على مر عقود عدة. لكن يعتبر زانغر أن العلماء أغفلوا عن جانب مهم.

على الجدار الشمالي لغرفةٍ غير مسقوفة ومصنوعة من الحجر الجيري في "يازيليكايا"، نُحِتت لوحة عليها أهم ثنائي بين آلهة الحيثيين. وعلى الجدران الغربية والشرقية، تُشكّل آلهة منحوتة أخرى مسارَين طويلين يصلان إلى الثنائي الأعلى. يحتوي المسار الشرقي راهناً على 17 إلهاً، لكن يظن زانغر وزميلته ريتا غوتشي من جامعة "بازل"، سويسرا، أن الموقع كان يشمل في الأصل إلهَين آخرين فوق رموز محفورة وفجوات على شكل آلهة. أما المسار الغربي، فينقسم إلى مجموعتين: تشمل المجموعة الأولى 12 إلهاً، والثانية 30 إلهاً. أخيراً، ثمة مقاعد أفقية لافتة ومنحوتة داخل الصخرة الواقعة تحت كل مسار. يفترض زانغر وغوتشي أن الحيثيين استعملوا المنحوتات كروزنامة لاحتساب الوقت من خلال تحريك المؤشرات الصخرية الثقيلة على طول المقاعد الواقعة تحت المسارين.

من وجهة نظرهما، يشير المسار المؤلف من 30 إلهاً إلى دورة القمر ويساوي شهراً قمرياً واحداً يبلغ متوسطه 29.53 يوماً. في بداية الشهر، يوضع المؤشر تحت منحوتة الإله، في الجهة الأمامية من المسار، ويُحرّكه الحيثيون يومياً نحو الخلف. (تُقرَأ الرموز الهيروغليفية المحلية دوماً في الاتجاه المعاكس للجهة التي تنظر إليها الشخصيات أو الوجوه).

إذا بدأ الحيثيون الشهر بقمر جديد، عشية اكتمال القمر، يقع المؤشر دوماً تحت واحدة من منحوتتَين على شكل ثور في المسار الذي يشمل طبقاً كبيراً. بحسب رأي الباحثين، من المنطقي أن يركز الحيثيون على البدر الكامل لأنه كان جزءاً من الشهر الذي يمكن أن يشهد كسوفاً قمرياً مدهشاً.

حين يقع المؤشر تحت منحوتة الإله في الجهة الخلفية من المسار، ينتهي الشهر ويحرك الحيثيون المؤشر من الخلف إلى الأمام لبدء العدّ مجدداً. في الوقت نفسه، كان الحيثيون يحركون مؤشراً ثانياً يقع تحت مسار مؤلف من 12 إلهاً، ما يساعدهم على تعقب مرور الأشهر. بحسب رأي إيان روثرفورد، الخبير في الفنون الكلاسيكية في جامعة "ريدينغ"، بريطانيا، ليس مستبعداً أن تشمل "حاتوشا" في تلك الحقبة شخصية مشابهة لعالِم الفلك كيبلر. لكن لا يمكن إيجاد أي أثر لشخصية مماثلة في أرشيف النصوص القديمة التي جرى اكتشافها في "حاتوشا". لذا يشكك روثرفورد بفكرة الروزنامة، مع أنه يبقى منفتحاً على جميع الاحتمالات. لكن يشعر بيلمونتي من جهته بالحماسة! سبق وأثبت أن عدداً كبيراً من المباني الحيثية يتماشى مع أحداث فلكية مهمة مثل الانقلاب الصيفي. لكنه يحسد زانغر وغوتشي لأنهما أول من لاحظ أن آلهة "يازيليكايا" راقبت على الأرجح الدورة الميتونية: كانت هذه الملاحظة أمام عينيه، لكنه لم يستطع رؤيتها!


MISS 3