د. منى فياض

هواجس الأقلّيات المستجدّة في زمن الكورونا: الشيعة (2)

30 آذار 2020

04 : 35

لا يزال مشروع الدولة الحديثة في لبنان في تراجع مستمر، ليس فقط بسبب تدخل إرادات خارجية، بل بسبب واقع داخلي شارك فيه جميع اللبنانين، سواء طوعاً او غصباً. ما يجعل تنفيذ مشروع الدولة بحكم المؤجل دائماً، ويعلّق الحياة السياسية والانمائية والاجتماعية والثقافية.

المتحكم بالنظام اللبناني، منطق القوة الذي حوّله حزب الله، نظاماً تسووياً وفرض التساكن بين النقائض، التي قد تخفت حينا ولكنها سرعان ما تستعيد زمام المبادرة لتقوض الكيان بأسره وتهدد بسقوطه.

حولت ممارسات ما بعد الطائف، وخصوصا بعد العام 2005، النظام اللبناني الى نظام وحدات طائفية – مذهبية مستقلة عن الدولة، وأُنشئ لها صلاحيات ذاتية خاصة بها، جعلها قادرة على منافسة الدولة نفسها في مساحة واسعة من السلوك الفردي والعلاقات الاجتماعية، ما أقصى الدولة نفسها عن مساحة واسعة من مساحات المجال العام، وترك للطائفة، عبر مفاتيحها ومصالحهم، بتكوينها الداخلي أن تملأه وتحدده. أدى هذا الأمر إلى تحويل الطائفة، من مجرد أقلية دينية أو ثقافية، الى كيان سياسي مغلق له مصالحه الذاتية ويتمتع بشبكة دفاعية خاصة، فلم يعد النظام اللبناني مهماً الا بقدر ما يخدم مصالحها. كل ذلك جعل من الهوية الطائفية هوية عضوية، تمنع تشكل أي مجال تضامني خارجها أو مستقل عنها.

وفي صراع الهويات غالبا ما نتعرف على انفسنا في الانتماء الاكثر عرضة للتهديد فنتماهى مع هذا الانتماء بالضبط سواء تبنيناه علناً او اخفيناه. والانتماء المقصود سواء أكان اللون او الدين او اللغة او الطبقة... يجتاح هويتنا بأكملها. والذين يتشاركون فيه يشعرون بالتضامن فيجتمعون ويستنفرون ويحمس بعضهم بعضاً ويهاجمون من هم في مواجهتهم.

وجاء وباء كورونا ليهيج النزاع الهوياتي مجدداً عند بعض المكونات اللبنانية. ففي لبنان اكثر من اي بلد آخر، عند كل ازمة سرعان ما تتحول الاوضاع الى مناسبة للاصطفافات المذهبية والمناطقية. لكن اصبح جلياً ان اول من يدعم هذا الاصطفاف ويحرض عليه ويقف خلفه من هم في السلطة قبل الشعب.

بدأت القصة مع العائق الاول امام اتخاذ التدابير الوقائية والحمائية، التي وقف بوجهها حزب الله وأصرّ على استقبال الطائرات الموبوءة من ايران لاأسباب لوجستية تتعلق به وبسلاحه وبمصالحه. فلم يكن منطقيا السماح لطائرات من ايران ومنع طائرات من ايطاليا مثلاً؛ فاستقبلت جميعها قبل بدء حظر الطيران، المتقطع على ما يبدو؛ اذ ان طائرات شحن من ايران عبر قطر تستمر بالوصول اسبوعيا دون رقابة حكومية. فيما يعترض الآن وزير الخارجية على استقبال المواطنين العالقين في الخارج بذريعة فقدان الفحص المخبري قبل ركوب الطائرة حفاظا على صحتهم!

وفي خطاب نصرالله في العشرين من آذار اخبرنا بوضوح ان من يدخلون من ايران او من سوريا، سواء كانوا جنوداً او مواطنين، يخضعون للفحص والحجر والمتابعة. لكنه لم يخبرنا من هم ولا عن اعدادهم ولا عن المصابين من بينهم. والاستنتاج اذن ان هؤلاء لم يدخلوا سجل احصائيات الاصابات ولا نعرف من لم يلتزم منهم ومن قد يكون نقل الوباء الى غيره.

وجاء تصريح الناطق باسم الحزب صفي الدين ليؤكد الاستقلالية التامة لدولة الحزب عن الدويلة اللبنانية، فلقد جيشوا اكثر من 24 الف شخص وهيأوا المختبرات والمستشفيات ووو ما يفترض تفشي المرض في بيئاتهم بشكل شبه مستقل عن المصابين وتعدادهم في المناطق الاخرى.

وبالتالي عندما اقترح وزير الصحة، المحسوب على حزب الله، ان تُعزل منطقتي جبيل والبترون، جاءه الرد السريع من قبل وزراء المنطقة المعنية: لا والف لا مناطقنا ليست موبوءة!

العائق امام اتخاذ التدابير الضرورية وأمام تفشي وباء كورونا، الحاجز الطائفي- المناطقي الذي برز مع اعتراض جاء من وزراء في الحكومة نفسها. المشكلة اذن طرحت في مجلس الوزراء المفترض انه مكون من "اهل اختصاص ومستقلين وعلمانيين بعد شوي"!!!

وهذا النزاع المستجد يضمر اسئلة من نوع: لماذا عزل منطقتنا؟ لماذا نتهم بالوباء دون غيرنا في المنطقة الاخرى! هل نحن منطقة وطائفة موبوءتان دون الآخرين؟

حوّلنا حتى الكورونا، الذي علينا مواجهته بجدية ومسؤولية، الى وصمة عار وتهمة نتبرأ منها طائفيا ومناطقياً!!!!

ترى ما السبب؟ هل لأن اول قدومه كان من ايران؟ فيصبح التنصل من التحول الى مركز اكثر عرضة للوباء تهمة تطعن في الوطنية؟ ام ماذا؟

لكن ما يتجاهله الجميع على ما يبدو، وأولهم المسؤولون، ان الكورونا لا يميز بين دين وآخر ولا بين طائفة او منطقة واخرى ولا بين لون او جنس او عرق او منطقة.

والشيعة الذين يحملون مظلوميتهم من 1500 عام ورسختها لهم الممارسات العثمانية، اغفلوا ان الدولة اللبنانية هي الوحيدة التي قوننت وضعهم كمواطنين متساوين مع الآخرين.


MISS 3