طوني عطاالله وإبراهيم بو ملهم

التعليم عن بعد في لبنان: ما له وما عليه

30 آذار 2020

05 : 05

ظهرت عملية التعلم عن بُعد في بريطانيا منذ ستينات القرن الماضي مستخدمةً وسائل الإعلام الجماهيرية المتوافرة. كانت الاذاعة والتلفزيون هما العنصران الاساسيان في عملية التعليم. ثم أُنشئ "المجلس القومي للتعليم عن بُعد" ليتحول في العام 1982 إلى "المجلس الدولي للتعليم عن بُعد" حيث تَلقى دعماً مادياً كبيراً من البنك الدولي للتنمية.

تعتمد عملية التعليم عن بُعد على وجود حدود مكانية تفصل المعلم عن المتعلم، كما تعتمد على وسائط اتصال متعددة ساعدت وسائل التواصل الحديثة في إبتكار انماط تعليمية جديدة تخدم المنظومة التعليمية وتعالج مشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية.

حتى وإن بدا التعليم عن بعد للوهلة الأولى بأنه تجربة عملية، لكنه يفرض على من يتّبعه استثمار الوقت والمال بوفرة. ما من شك ان مزايا التعليم عن بعد عديدة. إذ باتباع الطالب مقررات عن بعد، يتابع حياته المعتادة، وفي الوقت نفسه يحضّر اختصاصا آخر. وفي الواقع، نجد أحيانًا ان طلاباً اختاروا متابعة تعليم يستدعي منهم الحضور إلى الجامعة وتسجلوا في الوقت نفسه لتحضير دبلوم آخر عن بعد، وهذا ما يسمح بكسب الوقت.

في بعض أنظمة المعادلات، تعتبر الدبلومات هي نفسها أكان صاحبها حازها بحضوره الشخصي إلى الجامعة أو نالها عن بعد، ولا يمكن ملاحظة الفرق. إلا ان لبنان لا يعترف لغاية اليوم بمعادلة شهادات التدريس عن بعد. وثمة مشروع قانون امام لجنة التربية النيابية التي أرسلت بطلب استشارة هيئات التعليم العالي في لبنان، ولكن المشروع قد يتأخر درسه بسبب الأوضاع التي تمر بها البلاد.

من حسنات التعليم عن بعد انه بفضل شبكات التعليم الوطنية والدولية، يمكن للطالب ان يختار التعليم الذي يهمه ويناسب مشاريعه، من دون ان يكون مرغمًا على الانتقال من بلده إلى جهة أخرى من العالم أو حتى داخل بلده. إنه يوفر حلّاً عملياً، بكلفة أقل وبما يسمح له بالدخول إلى جامعات تتمتع بمستوى جيد.

إن العائق الرئيسي لهذا النظام الدراسي ان الطالب يجد نفسه وحيداً في مواجهة المقررات أو شبه وحيد. لا يوجد أستاذ بتصرّف الطالب لإجراء اختبار خطّي وشفهي، ولا رفاق صف يتعاونون على التحفيز.

بالطبع، تشتمل معظم دورات التعليم عن بعد على جهات اتصال عن طريق الهاتف أو البريد الإلكتروني أو الدردشــــة مع الاساتذة، ولكن هذا لن يحل محل المعلم الموجود داخل الصف وكأنه "على الهواء مباشرة"! قد يكون من الصعب على المرء تحفيز نفسه بمفرده للقيام بفروضه وواجباته الدراسية بعد يوم طويل وشاق من العمل أو مليء بالإنشغالات المختلفة حيث الطالب غير متفرّغ لتلقي الدراسة في شكل يصرف اهتمامه عن بقية المشاغل.

فوائد وقيود التعلّم عبر الإنترنت

أحدث التعليم عبر الإنترنت ثورة في مجال التعليم الأكاديمي وتدريب الشركات. في هذه العجالة سوف نشارك بلائحة كاملة من الفوائد والقيود المحتملة للتعلم عبر الإنترنت بحيث يفهم القارئ إيجابيات وسلبيات طريقة التدريس. وما هي فوائد وقيود التعلم عبر الإنترنت في لبنان؟

تكمن الفوائد في عملانية التعلم بالإنترنت، ولا يهم المتعلم في أي جزء من العالم يتواجد فيه. والمرونة حيث التعلّم بسيط جدًا وأسهل عندما يتكيف مع احتياجات وتفضيلات كل متعلم. والفعالية مع مردود مثير للإعجاب. النتائج الفورية التي يحصل عليها المتعلّم. وزوال الحدود الفاصلة فلا المسافة عقبة ولا ثقافة المتعلمين ولا جنسيتهم. إضافة إلى التحديثات الفورية التي قد لا يتيحها الكتاب التقليدي.



لبنان والتعلّم عن بعد

أما لبنان فقد كان سبّاقاً بين مختلف الدول العربية في افتتاح مجال التعلم عن بُعد بالرغم من أن المديرية العامة للتعليم العالي في وزارة التربية لا تعترف به أو بالدراسة بالمراسلة وهذا يتطلب إعادة النظر بالشهادات المكتسبة عن بُعد في ظل الظروف الراهنة وأزمة كورونا المستجدة التي حلّت بعد إقفال الطرق بفعل ثورة 17 تشرين الأول التي جاءت تعبيراً عن يقظة وطنية مباركة. بدأت على أثرها مختلف الجامعات اللبنانية تتوجه للتعليم عن بُعد نظراً للظروف السائدة وضرورات تسيير شؤون التعليم في ظل واقــــع أفضـــى إلى إقفـال المدارس والجامعات.

مؤخرًا، أرخت أزمة كورونا ثقلها على قطاع التعليم في العالم فأقفلت المدارس والجامعات ابوابها. وبات العام الجامعي مهدداً خاصة في لبنان حيث كانت المؤسسات التربوية أيضًا مضطرة للتوقف عن التدريس لأكثر من شهرين (تشرين الأول - كانون الأول 2019) ما دفع وزارة التربية والتعليم العالي إلى إطلاق حملة التعلم عن بُعد في مختلف قطاعات التعليم الرسمي والخاص.

إن عملية التعلم عن بُعد تستوجب شروطاً تقنية دقيقة غير متوفرة في لبنان حيث تفتقر المؤسسات التربوية لمنصات الكترونية خاصة يستطيع الاستاذ كما الطالب الولوج اليها بشكلٍ آمن دون أن يتعرض محتوى المعلومات للقرصنة. يُضاف إلى ذلك إنقطاع متكــــرر للكهرباء وتباطؤ في سرعة الانترنت وعدم قدرة معظم الاهالي على توفيره لاولادهم في المنازل في ظل ظروف اقتصادية صعبة.

بالاضافة إلى عدم إستشراف مســـــؤولي المؤسسات التربويـة حلولاً لمشكلة التعطيل المتكرر للــدروس بإطلاق ورشة التعلم عن بُعد مند بداية العام الدراسي 2019-2020، إذ كان من المفترض أن يُطلقوا عملية تدريب واسعة للأساتذة كما الطلاب خلال الفصل الاول من هذا العام استعداداً لأي طارئ كالذي شهدناه في السابق أو في الوقت الراهن. وبما ان هذا الأمر لم يحدث، اصبحنا اليوم أمام حلٍ إرتجالي يقضي بالتعليم عن بُعد، وهو لا يراعي الحد الأدنى من المتطلبات الرئيسية لإنجاحه. ففي ظل نظام الارصدة لم يبدأ فصل التدريس الثاني بعد في معظم الجامعات والاساتذة لم يتعرفوا شخصياً الى طلابهم مما يعمق مشكلة التواصل للتعلم عن بُعد.

وإذا أضفنا إلى هذا العائق إستحالة تَعَلُم الدروس التطبيقية والمخبرية عن بُعد في مختلف الكليات التطبيقية، كما أن عملية إمتحان الطالب لما تعلمه عن بُعد يعطي الاستاذ هامشًا كبيرًا من الاستنسابية ويوفر للطالب هامشًا أوسع من الغش ليكون التقييم النهائي لا يُوَصّف المستوى الفعلي للطالب. أمام كل هذه العقبات استدركت الجامعة اللبنانية خلال إطلاق عملية التعلم عن بُعد بالتأكيد أن الاساتذة سيعوّضون الدروس على الطلاب الذين واجهتهم معوقات في تلقيها.

يعاني الأستاذ كما غيره من الضغط النفسي الذي يعيشه وعائلته في ظل الازمة الاقتصادية الكورونية. وعليه أن يقوم بمجهود كبير لكي يتكيف مع التعليم المستجد عن بُعد، ويجد أمامه احيانًا طلابًا غير آبهين بأسلوب التعليم من خلال الشاشة مُعتبرين أن المواد التي تُدرّس عن بُعد هي لمجرّد التسلية وسيعاد شرحها لاحقًا بعد عودة استئناف الدراسة فلا داعي للجدية في تلقي المعلومات.

أما الجامعات الخاصة المرموقة كالجامعة الاميركية في بيروت (AUB) والجامعة اليسوعية، (USJ) فالبرغم من استعمالهما سابقاً وسيطاً إلكتروني(E-learning, moodle,...) ليكون محتوى المقررات بين يدي الطلاب قبل التدريس، فقد وجدت هذه الجامعات نفسها عاجزة عن احتساب أقساطها الجامعية لمختلف الطلاب حيث أن القسط الجامعي للتعلم عن بُعد لا يساوي حتماً القسط في التعليم الجامعي المباشر.

هذا وقد أعلن وزير التربية والتعليم العالي أن تجربة التعلم عن بعد هي لإبقاء الطلاب في مناخ الدراسة. لكن التعلم عن بُعد لا يمكن أن يحل مكان التعليم المباشر للمتعلم.

قد تبدو تجربة التعليم عن بعد مفيدة للإبقاء على الطلاب في أجواء الدراسة ومنع تشتتهم لوقت طويل في ظل الأزمات المتلاحقة التي يعيشها لبنان والانقطاع عن التدريس، لكنها حتمًا ليست بتجربة تسمح لها بالحلول مكان التعليم التقليدي والحضور إلى الصروح التربوية وارتياد الأبنية والمكتبات ومعاينة الكتب ومتابعة الدروس الصفية.


MISS 3