إيفون أنور صعيبي

إستعادة الأموال المنهوبة "تضرب" أكثر من "ثنائيّ"... وفرديّ

غالبيّة المصارف معنيّة... والطبقة السياسيّة

30 آذار 2020

03 : 00

عصر الانتقام من المصارف بدأ!
تنطلق الخطة الاقتصادية التي كان وزير المال غازي وزني يعمل عليها من إقرار قانون الـcapital control الذي يشرّع الضوابط، ومن ثمّ رفع السرية المصرفية للتمكن في نهاية المطاف من فرض haircut على الودائع التي تفوق الـ200 ألف دولار. لكن، بعد سحب حجر الخطّة الأساس، فإنّ الخطة التي لم تبصر النور كلها زائلة. وعليه، فإن الحكومة سقطت ولم تتمكن من تخطي الكارثة التي تشكّلت على أثرها.

وصل الخلاف بين الثنائي الشيعي والنظام المصرفي الى ذروته، ولم يعد من الممكن إخماد فتيله. هذا ما دلّ عليه صراحةً خطاب الامين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله الاخير. ليس كلام نصرالله جديداً فهو يتطابق تماماً مع النهج الذي سبقه باعتماده رئيس مجلس النواب نبيه بري. أمس الأول، طلب نصرالله من المصارف أن تحلّ المشكلة المالية منتقداً تبرع الجمعية بـ6 ملايين دولار عبر بثّ مباشر، ومعتمداً لغة الهجوم تارة ولغة التهديد غير المباشر تارة أخرى. فالمصارف، كما قال نصرلله، حققت أرباحاً بعشرات مليارات الدولارات منذ العام 1992 وحتى اليوم، وعليها اذاً في ظلّ ظروف مماثلة مساعدة الدولة والشعب.

المقصود من هذا الكلام، أن تعيد المصارف أرباحها المتراكمة المباشرة إضافة الى تلك المكاسب التي حققتها بطرق غير مباشرة ومعظمها عبر المضاربات والاستفادة من الاقتصاد الريعيّ وهي تقدّر بحوالى 50 مليار دولار طوال 30 سنة.

ثورة ثنائية ضدّ المصارف

بحسب أحد الاقتصاديين فإن "المصارف كانت تسجل أرباحاً سنوية بما يقارب المليار ونصف المليار في حين يبلغ عجز الموازنة نحو 7 مليارات. ذلك يعني أنه ليس من المنطقي مطالبة المصارف بإعادة أرباحها من دون مطالبة المتعاقبين على الحكم باعادة الاموال المنهوبة لا سيما وأن حلفاء "حزب الله" منعوا تنفيذ الحلول لانهاء قصة عجز الكهرباء الذي كبّد الخزينة العامة خسائر فادحة، فيما حلفاؤه الآخرون متهمون بملفات فساد. من هنا تطرح علامات استفهام كثيرة حيال "تغطية الحزب لحلفائه والاكتفاء بالضغط على المصارف".

ويضيف الاقتصادي الذي فضّل عدم ذكر اسمه "رفضت الشيعية السياسية قانون الكابيتال كونترول على خلفية عدم استفادتها من هذا النظام المصرفي، خصوصاً بعد العقوبات الاميركية التي طالت "حزب الله" ومن يدور في فلكه، والتي بدأت معها عمليّة التضييق على لبنان في ما خص الـbanknotes بالدولار. لذا، يفضّل هذا الفريق عدم إبراء ذمّة المصارف وإبقاءها عرضة للملاحقة القانونية بما أن القانون لو أُقر فهو لا يعيد الودائع والمدّخرات المُبخّرة بل إنّ الغاية منه تقتصر على تنظيم العلاقة بين المصارف وزبائنها".

القانون ضروريّ

كلام أمس الاول وما سبقه من تصعيد من قبل رئيس المجلس النيابي دليل واضح على ثورة الثنائي الشيعي على النظام المصرفي الذي نفّذ العقوبات الخانقة لـ"حزب الله"، وثورته أيضاً بفعل الضغط المتصاعد من قِبل المودعين من جمهوره، والاهم، أن "البيزنيس" الشيعي بين لبنان وأفريقيا بات محاصراً. لهذه الاسباب الثلاثة، رُفض مشروع الكابيتال كونترول أما التبرير لذلك، فجاء من بوابة قانون النقد والتسليف في مادته 174 التي تجيز لمصرف لبنان وضع التنظيمات العامة الضرورية لتأمين حسن علاقة المصارف بمودعيها وعملائها.

عن الموضوع يقول نائب حاكم مصرف لبنان السابق د.غسان العياش: "تبدو الأمور من الخارج وكأن الطريق أصبحت مسدودة أمام صدور قانون يتعلق بتنظيم العمليات المصرفية وتحديد حرية المودعين في استعمال ودائعهم. فلقد سحب مشروع القانون من مجلس الوزراء ضمن أجواء توحي بأنه لن يطرح من جديد في المدى المنظور.

والنظرية التي تقف خلف هذا التطوّر الهام مفادها أنه ليست هناك حاجة لتشريع ينظّم تقييد رؤوس الأموال طالما أن قانون النقد والتسليف، خصوصا المادّة 174 منه، تمنح مصرف لبنان أوسع الصلاحيات لوضع "التنظيمات العامة الضرورية لتأمين حسن علاقة المصارف بمودعيها وعملائها" ولوضع وتعديل قواعد تسيير العمل في المصارف.

ولكن هذه النظرية مبنية على فهم خاطئ لأن الصلاحية الهامّة التي أعطاها القانون لمصرف لبنان في هذا المجال لا يمكن أن تصل إلى حدّ الإجازة له بتعديل القوانين، لا سيما تعديل الحريات الاقتصادية الأساسية المرتبطة بحقّ الملكية".

ويضيف العيّاش"إن حرية المودع في التصرّف بودائعه وما يتفرّع عنها من حق إعطاء المصرف تعليمات نافذة بشأنها هذا الحق هو من الأركان الأساسية للحرية الاقتصادية في لبنان ولحق الملكية، وهما أمران كفلهما الدستور اللبناني. والقانونيون ليسوا واثقين من كون مجلس النواب قادراً على إصدار تشريع يقضي بتقييد هذه الحرّية خوفاً من تعرّضه للطعن أمام المجلس الدستوري.

اذا كانت دستورية مثل هذا التشريع موضع شك، فكيف يمكن أن تترك الحرية لمصرف لبنان لتقييد هذه الحقوق الأساسية للمودع بموجب تعميم عادي يصدر عن المجلس المركزي لمصرف لبنان؟ إن استمرار التهرّب من تحمّل المسؤولية وتنظيم الفوضى التي قادتنا إليها الأزمة الحاضرة هو أكبر مجال لإغراق قصور العدل بمئات وربما آلاف الدعاوى ضد المصارف".

سحب القانون ... طرد مسبق للـIMF

هناك نظرية أخرى حول لهجة خطاب أمس الاول هي تلك المتعلقة برفض ضمني لصندوق النقد الدولي (IMF) الذي كان من المفترض بالكابيتال كونترول أن يندرج من ضمن سلّة حلوله وبإشرافه. وفي ذلك أيضاً مراهنة على ضعف الولايات المتحدة على خلفية انشغالها بمعالجة ما تتسبب به الازمة الكورونية. لقد ضغط "حزب الله" على المصارف وطالبها بحل المشكلة وهو يدرك تماماً أنها لا تملك الوسائل اللازمة ولو ملكتها فهي لن تنصاع لطلبه. يبدو أن حكومة حسان دياب ومعها "حزب الله" وحركة أمل قد غفلوا أن الاقتصاد اللبناني يرزح منذ نحو 9 أعوام تحت أعباء انكشافه على الصراعات الاقليمية. وهو منذ ذاك الوقت لم ينجح في تسجيل أي زيادة في نسب النمو بالتزامن مع فورة الهجرة التي شهدها من قبل الاستثمارات العربية والاجنبية. وهو أيضاً ينزف بشكل متواصل جرّاء عجز ميزان المدفوعات والخزينة العامة مع زيادة في النفقات. وعليه، وطالما الصراع بين الطبقة السياسية الفاسدة ومَن موّل هذا الفساد مستشرس، تبقى المصارف شريكة وعليها بالتالي تحمّل المسؤولية شرط ألا تدفع "وحدها" الثمن وأن يُصار الى استرجاع الاموال المنهوبة، أياً كان ناهبها.

كلّ الأعين شاخصة على ردّ جمعية المصارف كما وعلى الحكومة التي يبدو أن لا خطة بديلة لها بعد نسف حجر أساسها سوى "تشليح" المصارف، وهو الخيار المقترح من عرّابَيها، ما يعرضها الى مزيد من المخاطر الإفلاسيّة. فهل يمكن الاعتبار أن عصر الانتقام من المصارف قد بدأ، وهل يكون هذا البيان التحذيريّ الذي أطلقه حزب الله على لسان أمينه العام بمثابة تمهيد لوضع اليد على البلاد وتغيير وجه لبنان الليبرالي، ووضع حد لعلاقته بالولايات المتحدة مالياً والاستيلاء على اموال اصحاب هذه المصارف... بالقوة ان لزم الأمر؟!


MISS 3