رواد مسلم

الهجوم الأوكراني المضاد يلوح في الأفق

3 حزيران 2023

02 : 01

خلال تدريبات عسكرية أوكرانية في منطقة خاركيف الخميس (أ ف ب)

تصاعد حدّة ووتيرة الهجمات الأوكرنية على الأراضي الروسية، مؤشر واضح إلى مرحلة جديدة من التكتيكات الأوكرانية هدفها «العزل اللوجستي» للقوات الروسية المتمركزة في الأراضي الأوكرانية المحتلّة وإظهار الهشاشة الأمنية الروسية وضرب صورة بوتين القوي، وتحضير الأرضية للهجوم المرتقب، فإنّ قصف مصافي النفط في كراسنودار الروسية هو ضرب القاعدة اللوجستية التي تدعم القوات الروسية في زاباروجيا وخيرسون عبر جسر كيرش وشبه جزيرة القرم، وقصف بيلغورود المتواصل منذ أسبوعين هو ضرب الخلفية اللوجستية الشمالية للقوات الروسية، والتوغلات العسكرية في بريانسك وبلدات في بيلغورود من قبل ميليشيات روسية تقاتل مع الجيش الأوكراني، تريد الإطاحة بالرئيس بوتين، لها أهداف سياسية وإعلامية وحرب نفسية.

ما تقوم به أوكرانيا من ضربات في الداخل الروسي على المناطق الحساسة في بيلغورود وكراسنودار وبريانسك، وضرب موسكو بالطائرات الإنتحارية ردّاً على ضرب كييف، يبيّن أن أوكرانيا تحضّر لمعركة قادمة يمكن أن تكون معركة الهجوم المضاد لإستعادة الأراضي الأوكرانية المحتلّة، فهي تصعّد في مستوى الردّ وتضرب في اتجاهات عدّة، وعلى المناطق اللوجستية في الداخل الروسي، لإحداث الفوضى في مراكز القرار العسكري الروسي وتصعيب عملية اتخاذ القرار، وذلك عبر تكثيف الهجومات في الكثير من الأماكن المتباعدة جغرافيّاً عن بعضها.

يمكن أن يدخل هذا التكتيك ضمن الخداع العسكري، فمن المحتمل أن أوكرانيا تقوم بخداع العدو وإيهامه أنها تُريد نقل المعركة الجوّية إلى الأراضي الروسية لتقوم بعمل عسكري برّي مفاجئ في مكان آخر، كما حصل في الماضي عندما أوهمت الجيش الروسي أنها ستُهاجم في إقليم خيرسون، لكن المفاجأة أتت مع المعركة الخاطفة في إقليم خاركيف. إضافةً إلى تشتيت القدرات القتالية على كافة الجبهات، الداخل الروسي ضمناً، لعدم تركيزها في المناطق المتوقع عسكريّاً أن ينطلق منها الهجوم الأوكراني، وإستنزاف معنويات الجيش الروسي من خلال زرع القلق والغموض في عملية اتخاذ القرار لدى قيادته، لينطلق الهجوم المضاد بمعنويات أوكرانية عالية.

بالطبع لن تغيّر المسيّرات الأوكرانية الإنتحارية «يو جي 22» المرسلة إلى الداخل الروسي من ميزان القوى، ولن تقلب الحرب لصالح الجيش الأوكراني، إنّما هدفها إظهار ضعف الدفاعات الجوّية الروسية، وهشاشة حكم بوتين بالدفاع عن أمن شعبه وأرضه، ودعم المعارضين لنظام الكرملين، لإستقطاب جماهير إضافية، خصوصاً في المناطق التي تشهد إجلاء شاملاً للسكان وتدمير المنازل والبنى التحتية.

عدم قدرة الجيش الروسي على الردّ بالمثل على هذه العمليات يظهر العجز الروسي العسكري، فالردّ يتطلّب عمليات عسكرية، والعمليات العسكرية تتطلّب عُدّة وعدداً، وهذه أمور صعبة في حالة الجيش الروسي اليوم الذي استُنزفت قدراته في المعارك الطويلة مثل باخموت، كما أن الردّ الروسي عبر القصف على المدن الأوكرانية، قد وصل إلى مداه الأقصى، فقط لأنّ بنك الأهداف الروسي قد استنفد، فما هو أهم من ضرب كييف، الهدف الإستراتيجي الأهمّ في أوكرانيا؟

كما أن الدفاعات الجوية الأوكرانية وصلت أخيراً إلى نسبة تزيد عن 90 في المئة من النجاح ضدّ المسيّرات الإنتحارية، مثل «شاهد 136» والصواريخ الروسية المكلفة جدّاً، مثل صاروخ «إسكندر» و»كينجال».

وأخيراً وليس آخراً، إن الدفاع عن الحدود الروسية يتطلّب قوّة عسكرية مهمة، وذلك بسبب طول الحدود، كما أن استعمال القوى العسكرية لحماية الحدود، يعني تثبيت هذه القوى وعدم قدرة الجيش الروسي على تحريكها لاستعمالها في أماكن أخرى.

جهّزت أوكرانيا نفسها عسكرياً وبمساعدة الغرب، استعداداً للهجوم العسكري على القوات الروسية لاسترداد الأراضي المحتلّة، من تدريب عسكري غربي مشترك للقوات الأوكرانية، إضافةً إلى التجهيز بالسلاح والخبرات الغربية لصانعي القرار العسكري. ولم يعد يلزم سوى تحديد الأهداف، مكان أو أمكنة الهجوم، وإعلان ساعة الصفر لبدء الهجوم. وقد تكون كلّ هذه الأمور محدّدة سرّاً لدى القيادة الأوكرانية، لكن الأمر يستلزم تحضير ساحة المعركة، وهذا ما تقوم به من تشتيت للقدرات العسكرية الروسية، وإرباك صانعي القرار العسكري والحرب النفسية لقلب الرأي العام ضدّ نظام الكرملين.


MISS 3