ريتا ابراهيم فريد

مسرحية "حديقة غودو" لأدهم الدمشقي: "4 آب" والوطن البديل

3 حزيران 2023

02 : 03

أدهم الدمشقي
هو أكثر من فنان. وقد يصلح وصفه بـ"المناضل الثقافيّ". يتنقّل بسلاسة بين الشعر والرسم والتمثيل والإخراج. يتنفّس الفنّ والشعر والأدب حتى أثناء قيامه بأبسط نشاطاته اليومية. "نداء الوطن" تواصلت مع الفنان الشاب أدهم الدمشقي الذي تحدّث عن مسرحيّته الجديدة "حديقة غودو" التي يطرح فيها مقاربة اضطراب ما بعد صدمة انفجار المرفأ، والتي يحضر فيها كلبه "غودو"، الذي شاركه الكتابة والإخراج.



بعد معرضَي "عبيط" و"عنبر"، مسرحية "حديقة غودو" تعالج اضطراب ما بعد صدمة "الرابع من آب". فهل هي استكمال لهما؟

لا شكّ في أنّ هذه الأعمال الثلاثة تطرح المقاربة نفسها بالنسبة لصدمة انفجار المرفأ. ونحن نعلم أنّ الصدمات توقظ أحياناً صدمات سابقة كانت نائمة في داخلنا وتعيد إحياءها. فالتلقّي الأول للصدمة يسبق إدراكها وتحليلها، وقد يعيدنا الى شعور مشابه عشناه في مرحلة الطفولة. وحين ندخل الى مرحلة الوعي للحادثة الحاضرة، تصبح تسميتها مجرّد نتيجة. من هُنا، مسرحية "حديقة غودو" تعالج الأحداث التي استيقظت جراء صدمة "4 آب"، خصوصاً الصدمات التي عشتُها في طفولتي. لذلك نرى على المسرح حضوراً لثنائية الانفجار مقابل صدمة قديمة عادت الى الواجهة. حين نعمل في الفنّ إنما نطرح الأسئلة ونادراً ما نتلقّى جواباً عليها. لكن كل سؤال يقودنا الى آخر، وكأنّ الفنّ هو أسئلة وليس أجوبة. لذلك أحاول طرحها بأشكال مختلفة في كل مرة. والطريق يمتدّ طالما ما زلتُ في مرحلة البحث.

نصّ المسرحية من كتابة وإخراج غودو وأدهم الدمشقي. كيف تحوّل غودو من حيوان أليف الى شريك في عملية الخلق الفني؟


هناك عبارة تقول إنّ الصياد هو دائماً على حق حتى تتكلّم الفريسة. فنحن البشر غالباً ننسب الأولوية الى أنفسنا بسبب قدرتنا على التعبير من خلال الكلام. لذلك نقول إننا من تبنّى هذا الكلب وإننا نحن من اهتمّ به. لكن لو قرأنا الأمر من وجهة نظر الكلب، قد نكتشف أننا نحن الضائعين أحياناً، والكلاب هي التي عثرت علينا ومنحتنا الحب. حين تبنّيتُ غودو كان مجرّد حيوان أليف يرافقني في مرحلة كنت أمرّ خلالها باكتئاب كبير بين خيبة عاطفية وأخرى سياسية وإجتماعية نتيجة ثورة لم تستمرّ. فقرّرتُ أن أتبنّى كلباً. هذا الأمر له قصة تعود الى طفولتي حين اضطررتُ مرغماً الى التخلّي عن كلبين بسبب ظروفنا الإقتصادية الصعبة آنذاك في العائلة ومرض والدي. وما زلتُ أذكر مشهد التخلّص من الكلبين حين أنزلناهما من السيارة وتركناهما في أحد الأودية، وكيف عجزا عن اللحاق بنا لأنّ السيارة كانت أسرع. ويوم "4 آب" 2020، كنتُ أتمشّى مع غودو في شوارع الأشرفية لحظة حصول الانفجار، فركض وضاع مني. وعادت بي الذاكرة الى مشهد الكلبين في طفولتي. لكن هذه المرة كان غودو أسرع مني وليس العكس. وحين عدتُ الى المنزل وجدتُه قد سبقني الى الحديقة. حينها شعرتُ أنّ حديقة غودو باتت وطناً بديلاً بالنسبة لي. من هنا أتت فكرة المسرحية التي شاركني غودو في كتابتها.

غودو سيكون موجوداً أيضاً على خشبة المسرح، وهو أمر من النادر رؤيته. كيف كانت العلاقة بينه وبين الممثلين أثناء التدريب؟


غودو ليس ممثلاً، بل هو حاضر بفطرته. كما هو في المنزل والشارع، كذلك على المسرح. نحن من يمثّل، وقد اتخذناه مرجعاً لنا في بساطته. كما أنّه بحضوره العفوي شاركنا بعملية الإخراج. فإذا رغبنا بالاقتراب من حقيقتنا، علينا أن نقترب من غودو. لذلك وجوده على المسرح يكرّس حقيقة ما نحن بصدد البحث عنه.

البعض يجدون الأمان في تربيتهم للحيوانات، وأحياناً يصبح الأمر إشباعاً لحاجات عاطفية. وكونك فنّاناً ينشد التحرّر، ألم تتخوّف من المبالغة في تعلّقك بحيوانٍ أليف؟

هناك شيء في علم النفس يسمّى Trauma bonding، حين نكون برفقة أحدهم أثناء تعرّضنا لحادث صادم. فإما أن ننقطع كلياً عن التواصل مع هذا الشخص، وإما أن نتعلّق به بشكلٍ كبير. وأنا سألتُ نفسي هذا السؤال، هل بالفعل أبالغ في تعلقي بكلبي غودو؟ لكنني اكتشفتُ أنّ وجوده ذهب بي نحو الحرية. فهو قد رافقني في هذه المرحلة المظلمة من حياتي، ودفعني كي أرسم وأكتب أكثر. وهو القادر على استبدال حزني بفرح خلال لحظة. بالتالي أعتبره اكتمالاً للحرية الإنسانية التي أبحث عنها. أنا على يقين بأننا سنفترق يوماً ما. لكنّ العيش مع حيوان أو نبتة أو زهرة هو حياة اللحظة الحاضرة، والحاضر يحرّرنا من الماضي ويبدّد قلقنا من المستقبل.

بالعودة الى تداعيات ما بعد الصدمة. متى يمكن للصدمات والأزمات التي يمرّ بها الإنسان أن تحوّله من ضحيّة الى مبدع؟

لا يمكن لكلّ الصدمات أن تحوّلنا الى مبدعين بطبيعة الحال. لكنّ الصدمة أو المعاناة من شأنها أن تضعنا في موقع الضحية من دون شكّ. والقرار يعود لنا في أن نبقى ضحايا أو نتحوّل الى منتصرين. وهُنا لا بدّ من وجود بذرة أساسية في داخلنا، أنا أسمّيها "حبّة المحبة"، هي التي يمكنها تحويلنا من ضحايا الى منتصرين في الإبداع. الفنانون أكثر الأشخاص الممتلئين بالحب، وهم الذين يعطون الكثير. فالعطاء والمحبة متّحدان.

تشدّد دوماً على أن وسيلتك الوحيدة للتعبير هي الفنّ. برأيك، لو لم يكن الفنّ موجوداً في حياتنا ما الذي قد يتغيّر؟

إصطلاحياً، الأشجار مكوّنة من الأفنان، أي الأغصان. والفنن هو الغصن الأساسي في الشجرة الذي يمدّها بالحياة، ويتسبّب في موتها إذا تمّ قطعه. وإذا مات الفنّ ستموت معه شجرة الحياة وتصبح ضبابية من دون ألوان أو أصوات. ميزة الفنّ أنّه يعكس جمالية الحياة، فهو ليس خطاباً مباشراً، بل يعكس حضوراً تصالحيّاً وتساؤليّاً وعلاجيّاً، وحين نتعرّف عليه نلمس الجمال في حضوره.


* مسرحية "حديقة غودو" – 1، 2، 3 و4 حزيران على مسرح مونو

كتابة وإخراج: غودو وأدهم الدمشقي

تمثيل: غودو - ضنا مخايل - دانيال الشويري - مارك ارنست - غنا عبود - الياس أيوب - سانديبال بطرس - جاد حجار

إنتاج: د. خلود الدمشقي

الفيديو من تصوير: قمر السخن

تصميم الإضاءة: موريال أبو الروس

إضاءة: ريان نيحاوي

سينوغرافيا: دانيال الشويري



ملصق المسرحية



MISS 3