مايا الخوري

نديم مهنّا: الأولاد ضحايا مواقع التواصل وما يقومون به خطير جداً

5 حزيران 2023

02 : 01

أطلق المنتج والمخرج نديم مهنّا فيلمه السينمائي الجديد "كذبة كبيرة" (إنتاج NMPRO Arts)، الذي يعالج مواضيع متعلّقة بعالم "السوشيل ميديا" الذي بات جزءاً لا يتجزّأ من يومياتنا. مهنّا الذي يختار مشاهد من الحياة، يقولبها درامياً بإطار هادف، يؤمن بأن الفنّ لا يقتصر على الترفيه فحسب، بل يتعدّاه ليكون رسالة إنسانية. عن الفيلم والإنتاج ومشاريعه تحدّث إلى "نداء الوطن".

ما الذي يميّز فيلم "كذبة كبيرة" وإلى أي مدى يتماهى مع الواقع؟

"كذبة كبيرة" هو الواقع بحد ذاته، الحقيقة التي نغرق فيها كباراً وصغاراً من دون أن نعي خطورتها، ونحن عالقون فيها، رغم تأثيرها السلبي على حياتنا في معظم الأحيان. يهدف الفيلم إلى الإضاءة على واقع لا نراه حينما نكون غاطسين فيه، فصوّرته الكاميرا من فوق، لنرى كم يستهلك تفكيرنا وصحّتنا ووقتنا ويُبعدنا عن أشياء وضعناها جانباً من أجل التسمّر أمام شاشات الهاتف.

كيف تفسّر هذا التعلّق الأعمى بمواقع التواصل؟

مصمّم "السوشيل ميديا" ذكيّ جداً، يدرك أن هذه المواضيع تدغدغ فضول المتلقي ورغبته في المعرفة أكثر وفي المراقبة، فأحسن العمل عليها وتوريطه فيها حتى أصبحت نوعاً من الإدمان وحاجة بديهية يومية كالمأكل والمشرب. من جهة أخرى، لا يجوز التعميم، لأن ثمة من يتعامل مع العالم الإفتراضي بمنطق وحكمة، فيستفيد من مميزاته من دون التوّرط فيه أو الوقوع تحت سيطرته.

ما هي الصعوبات التي رافقت تنفيذ الفيلم؟

صوّرنا الفيلم في نهاية أزمة "كوفيد 19"، فكان الوضع صعباً بسبب التعقيم المستمرّ واستخدام الكمّامة، والقلق من إصابة أحد أعضاء فريق العمل وانتقال العدوى. أمّا على صعيد الوضع الإقتصادي، فنعلم سلفاً قساوة الظروف في بلد منهوب من حكّامه. لذا لم نتفاجأ أبداً، بل استطعنا التكيّف مع الوضع لئلا نطمر طموحاتنا ونشرّد 26 عائلة تعتاش من هذا العمل.

ألا تعتبر إطلاق فيلم محلي في هذه الظروف القاسية مخاطرةً؟

تقيم شركة الإنتاج في الإمارات، لذا فإن الفيلم من إنتاج عربي نُفّذ في لبنان يتضمّن مجموعة من الأبطال اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين.

يُعدّ إطلاق الفيلم مخاطرة في ظلّ عدم إستقرار الظروف في لبنان، لذا أمنّا شريكاً أساسياً هو منصّة رقميّة لعرضه بعد استكمال جولته في مسارح السينما وذلك لتأمين مردود معيّن يغطّي تكاليف الإنتاج. لا يمكن الإتكال على السينما وحدها كمردودٍ، لأنها تأثّرت في كل بلدان العالم بعد إنتشار جائحة "كورونا". إضافة إلى أنّ انتشار المنّصات بشكل كبير أفسح في المجال أمام مشاهدة الأفلام في المكان والزمان المناسبيْن للمتلقي على عكس السينما. صحيح أننا كصنّاع سينمائيين لا نحبّذ هذا الأمر إنما يجب التكيّف مع واقع هيمنة المنصّات الرقمية على الصالات السينمائية.

كيف تقيّم مسار الأعمال التلفزيونية في ظلّ هيمنة الإنتاج الرقمي؟

تملك كل المنصّات الكبيرة بإستثناء "نتفلكس"، محطة تلفزيونية أو أكثر على غرار منصة "شاهد". أصبح التوّجه التجاري نحو المنصّات حالياً حيث يتوافر العمل، لذا يبقى على المحطات العربية المحلية، إمّا عرض الأعمال كعرض ثانٍ بعد المنصّة، أو عرضٍ أوّل وفق إمكاناتها المادية.

تشكّل المنصّات الرقمية جزءاً من التطوّر العالمي، حيث يمكن أن يختار المتلقي مشاهدة ما يريد وقتما يشاء وأينما يشاء. لذا، إن لم تستطع أي محطة عربية محلية الإستلحاق بمنصّة رقمية أو تأسيس منصّة خاصة بها أو التعامل مع منتجين يقدّمون لها إنتاجات كعرضٍ ثانٍ، ستعاني من مشكلات على صعيد المضمون.

وقع كثيرون ضحية "السوشيل ميديا" من بينهم طفلٌ في صور توّقف قلبه بسبب تحدٍ نفّذه مراهقون نقلاً عن "تيك توك"، ما دور الأهل في هذا الإطار؟

ينتمي غالبية الممثلين في الفيلم إلى فئة الأطفال والمراهقين، ذلك لأننا نعتبر الشخص الناضج مسؤولاً عن خياراته وأفعاله، لكننا نرى أولاداً يقعون ضحيةً "للسوشيل ميديا"، فهم يشكّلون 90% من نسبة مستخدمي المواقع، بإدمان وبشكل مكثّف. ما يقومون به خطير جداً على مستقبلهم وصحتهّم وما حدث في صور دليل إلى ذلك. نضيء في الفيلم على ما يحصل مع الأطفال بهدف لفت نظر الأهل حول الأحداث التي يمكن الوقوع فيها نتيجة الإستعجال بتقديم هواتف خلوية لهم، والنتائج السلبية على أدائهم المدرسي والإجتماعي، وانعكاس ذلك على صحتهم الذهنية وعلى نظرهم وقدرتهم على التركيز بسبب الإدمان على المنصّات أمثال "تيك توك" و"إنستغرام".

لماذا إخترت الكاتب والممثل فؤاد يميّن لكتابة النص؟

حدّدت بنفسي فكرة النصّ ومضمونه وأحداثه الواقعية. شخصية فؤاد مميّزة وصداقتنا كبيرة. أحبّ عمله وأحترم روحه الرياضية، لأن بعضهم لا يتقبّل أن نطرح عليه فكرة ما بهدف تطويرها، فيما يتميّز فؤاد بمساحة ذهنية واسعة وثقة كبيرة بالنفس، لتطوير أفكاره الخاصة كما تطوير فكرة عُرضت عليه لترجمتها نصّاً مناسباً للشاشة. تحقق هذا التعاون أيضاً في فيلم "المزرعة" الذي سيصدر قريباً. يتميّز زميله في الكتابة رامي عوض بهذا الأسلوب المنفتح بالعمل أيضاً.

تنطلق أعمالك من المجتمع وتعود إليه برسالة، لماذا اعتمدت هذا الأسلوب في العمل؟

تقدِّم الأعمال التي أقوم بإخراجها والتي أتمتع بتصويرها وتنفيذها رسائل، لأنها تنبثق من قصّة حقيقية واقعية حوّلتها إلى أحداث سينمائية أو درامية على غرار "سكت الورق"، "بردانة أنا"، "راحوا"، "مينك إنت"، "ساعة ونصف"، "ساعة ونصف وخمسة"، "كذبة كبيرة" و"المزرعة".

تترك أحداث كثيرة أثراً في نفسنا وتحوي عبرةً، تستوجب الإضاءة عليها. كم من قصّة عن تعنيف أسري مرّت مرور الكرام في نشرات الأخبار دون إحداث فارق في المجتمع، فيما أحدث مسلسل "بردانة أنا" خضّة كبيرةً، حيث تجرأت نساء معنّفات بفضله على المواجهة والتحدّث عمّا يتعرّضن له. لا يهدف العمل الفنيّ للترفيه فحسب، بل يحمل أهدافاً تغييرية ورسائل معيّنة. سأقدّم أعمالاً من نسج الخيال طبعاً، إنما تحمل غالبية القصص الدرامية التي عُرضت في لبنان رسائل حول أحداث حقيقية من هذا المجتمع، متى طوّرناها وعالجناها، جذبت هذا المجتمع الذي تنتمي إليه، ليتعاطف معها ويتأثر فيها ويتعلّم منها.

تنوّعت أعمالك التلفزيونيــــــــــــــــة والسينمائية ما بين الكوميديا والتراجيديا، بمَ يتميّز إخراج كل منها؟

تتغيّر حالتي الذهنية وفق المكان والمضمون الذي أصوّر فيه، فأحرّك الكاميرا بشكل مختلف، وأحدث تغييراً في الإضاءة والموسيقى والألوان. عندما أصوّر وثائقياً في المملكة العربية السعودية مثلاً، أكون في حال مغايرة عن تصوير حلقة حول السيارات في ألمانيا، أو عن تصوير حفل موسيقيّ في "كازينو لبنان" أو عن تصوير مسلسل درامي تراجيدي أو كوميدي أو فيلم سينمائي. لكل عمل هويته الخاصة، وفريق متخصصّ مختلف، إنما يبقى فريق عملي المباشر هو نفسه الذي يرافقني في كل مشروع جديد.

ما تفاصيل فيلم "المزرعة"؟

ننتظر الأحداث والتطوّرات في لبنان قبل إطلاقه هذا العام. يتميّز بالأحاسيس والمشاعر وهو فيلم عائلي وجداني، يقدّم قصّة حقيقية إستوحيتها من حدثٍ شهدته، فقررت تصويره سينمائياً. السينما اللبنانية في معاناة كبيرة، فلا روّاد كالسابق ويُسجّل باب التذاكر أرقاماً مضحكة جداً، رغم أن أسعار البطاقات مخفّضة.






ما هي المشاريع المقبلة؟

تحوي أعمالنا العربية بإمتياز، تطعيماً لبنانياً، تحت شعار "كل ممثلينا أبطال" فلا تفرقة لدينا بين ممثل وآخر، لكننا نتبع متطلّبات السوق والمموّلين من جهة، وذوق المشاهدين من جهة أخرى للتوفيق في ما بينها وتأمين الإستمرارية.

في النهاية يجب تأمين إستمرارية الشركة والعائلات التي تعتاش من خلالها. لا تقتصر عملية السطو على نهب ما نملك من أموالٍ فحسب، بل ضرب الحكّام أحلام جيلين معاً، فمن لم يتمكّن من تأمين مستقبله خارج لبنان، يعمل من أجل تأمين لقمة عيشه اليومية فحسب، بدلاً من التأسيس للمستقبل.


MISS 3