غونول تول

أردوغان فاز في الإنتخابات عبر استغلال مخاوف الناس

7 حزيران 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

مناصرو أردوغن يحتفلون بفوزه في الانتخابات الرئاسية | اسطنبول، 28 أيار ٢٠٢٣

خاضت المعارضة التركية معركتها الانتخابية بقوة، لكنها تعرضت للهزيمة في نهاية المطاف. هي لم تكن تحارب حاكماً استبدادياً نجح في تحويل ساحة المعركة لمصلحته فحسب، بل إنها حاربت أيضاً زعماء أقوياء من بلدان أخرى هبّوا لمساعدة الرئيس رجب طيب أردوغان عبر نقل مليارات الدولارات لدعم خزائن الدولة التي استنزفتها حملات ما قبل الانتخابات. حاولت القوى الداعمة للديمقراطية تطبيق كل ما يقترحه الخبراء الذين يدرسون الأوتوقراطية لهزم الحاكم في صناديق الاقتراع، بدءاً من إنشاء جبهة موحّدة وطرح حلول ملموسة لمعالجة مشاكل البلد المُلحّة وصولاً إلى إطلاق حملة إيجابية.

في الوقت نفسه، بدت الظروف في تركيا مُعدّة لإحداث تغيير حقيقي. بلغ الفساد في عهد أردوغان مستويات قياسية. أدى سوء تعامله مع الاقتصاد وإصراره على تطبيق سياسة نقدية «غير تقليدية» إلى تضخم ثلاثي الأرقام وجعل الاحتياطيات الأجنبية في البنك المركزي سلبية. كذلك، ضربت زلازل مدمّرة البلد في بداية شهر شباط الماضي، وارتفعت حصيلة القتلى إلى أكثر من 50 ألف شخص بسبب بطء استجابة الحكومة. باختصار، لم يسبق أن أراد الشعب حصول تغيير جذري لهذه الدرجة. مع ذلك، خسر الفريق الذي تعهد بإحداث ذلك التغيير. ما السبب؟

يتعلق جزء من الجواب بطبيعة الانتخابات التي تشهدها الأنظمة الاستبدادية. لا تكون هذه الانتخابات حرّة أو نزيهة. في تركيا خلال عهد أردوغان، لا تصبّ الظروف العامة في مصلحة المعارضة بأي شكل. أقدم أردوغان على اعتقال أو ترهيب معظم معارضيه الأكثر شعبية عبر رفع قضايا في المحاكم ضدهم، واستعمل موارد الدولة وسطوته على وسائل الإعلام لاستمالة الناخبين مقابل منع خصمه من نقل رسالته في جميع الحالات. في شهر نيسان مثلاً، حصل أردوغان على 32 ساعة من البث على القناة الحكومية، بينما ظهر خصمه طوال 32 دقيقة فقط. كذلك، منعت هيئة الاتصالات التركية مرشّح المعارضة للرئاسة، كمال كليجدار أوغلو، من توجيه رسائل نصية إلى المواطنين، بينما أمطر وزراء الحكومة الناس برسائلهم يومياً.

قد يفسّر البعض خسارة المعارضة على اعتبار أن شريحة واسعة من الناخبين الأتراك ما عادت تحبذ الديمقراطية. تعكس هذه الفرضية جزءاً من الحقيقة. استعمل أردوغان الديمقراطية الشائبة في البلد لترسيخ حُكم الرجل الواحد. تعجّ المحاكم بمسؤولين موالين له، وتخضع معظم وسائل الإعلام لسيطرته هو وأعوانه، وقد اتخذت حملات القمع منحىً دراماتيكياً لدرجة أن يخضع مئات الأولاد للمحاكمة أيضاً بتهمة إهانة أردوغان. مع ذلك، قرر معظم الناخبين الأتراك التصويت لصالح أردوغان. يعني ذلك أن ملايين الناس في تركيا فضّلوا المصالح الحزبية على المخاوف الديمقراطية في انتخابات يوم الأحد.

لكن يبرز تفسير أكثر إقناعاً للسبب الذي منع الناس من إخراج حاكم استبدادي سيئ الأداء من السلطة. يصمد الزعماء المستبدون الشعبويون، من أمثال أردوغان، في وجه الظروف المتدهورة عبر استغلال المخاوف الوجودية في مجتمعاتهم، حتى لو كانت سياسات هؤلاء الزعماء مسؤولة عن انعدام الأمان.

هذا الوضع يتعارض مع الفكرة التي يُجمِع عليها الخبراء حول ضرورة أن يتابـــــع الحكام المستبدون تحقيق الإنجازات للبقاء في السلطة. عملياً، يستطيع هؤلاء حصد دعم الأغلبية، حتى لو كان أداؤهم سيئاً، من خلال تكثيف مخاوف الناس الوجوديـــة واستغلالها. هـــم يعتبرون خصومهم غير كفوئين، وغير منظمين، وبعيدين عن الواقع، وخطيرين لأقصى حد، ويستغلون رغبة الناس البدائية في الاستقرار والأمن والنظام. عندما يحمل الناس مخاوف بشأن أمنهم الجسدي والاقتصادي، لا مفر من أن يميلوا طبيعياً إلى تفضيل الاستبداد. نتيجةً لذلك، تتراجع أهمية الخيارات السياسية المفضلة لديهم أو مطالباتهم بتوسيع هامش الحرية مقابل البحث عن الاستقرار. يحتشد الناس حول الزعيم القوي الذي يطرح نفسه كمنقذ للبلد ويتعهد بفرض الأمن بأي ثمن. في ظل الشكوك المتزايدة، يفضّل الناس إذاً التمسك بالشرير الذي يعرفونه.

لا تخلو تركيا من المخاوف الوجودية طبعاً. توسّع الشرخ التاريخي بين الأتراك والأكراد بسبب احتدام الحرب في سوريا المجاورة. أدت مكاسب الأكراد هناك إلى تأجيج مخاوف الأتراك من نشوء دولة كردية مستقلة في الأراضي التركية. ثم جاء أردوغان ليصبّ الزيت على النار، فأجّج تلك المخاوف واستغل الموجة القومية اللاحقة لترسيخ سلطته. خلال فترة الحملة الانتخابية، استعمل فيديوات مزيفة تربط خصومه بحزب العمال الكردستاني المحظور. هو اعتبرهم إرهابيين وأطلق مزاعم مفبركة مفادها أن كليجدار أوغلو سيطلق سراح زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون، عبدالله أوجلان، في حال انتخابه. لم ينفذ حزب العمال الكردستاني اعتداءات واسعة النطاق داخل الحدود التركية في الفترة الأخيرة وقد أضعفته الحملة العسكرية التركية في العراق المجاور، لكنّ إصرار أردوغان على نشر هذا النوع من المخاوف زاد قلق المجتمع الذي يظن أصلاً أنه يتعرّض للهجوم من ملايين اللاجئين.

تبلغ المشاعر المعادية للاجئين أعلى مستوياتها في تركيا اليوم. يعتبر عدد متزايد من القوميين اللاجئين عبئاً اقتصادياً، وتهديداً أمنياً، ومصدر خطر على التركيبة العرقية في البلد. يتذمر الأتراك المنتمون إلى الطبقة العاملة من تلقي اللاجئين السوريين المساعدات من الحكومة، بينما يتم التعامل معهم وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية. في غضون ذلك، امتعض الأكراد من الترحيب الحار الذي يتلقاه اللاجئون السوريون من الحكومة التركية فيما يفتقرون هم إلى أبسط حقوقهم، بما في ذلك الحق بتلقي التعليم العام باللغة الكردية. في الوقت نفسه، يشعر آخرون بالقلق لأن السوريين يرفعون كلفة الإيجارات، ويخفّضون الأجور، ويستغلون أموال دافعي الضرائب الأتراك. كانت سياسة الحدود المفتوحة التي طبّقها أردوغان مسؤولة عن تدفق اللاجئين منذ البداية. مع ذلك، يظن جزء كبير من الناخبين الأتراك أن أردوغان وحده يستطيع حل المشكلة.

في المناطق الأكثر تضرراً من زلازل شهر شباط، دفعت المخاوف المتزايدة بالناخبين إلى دعم الرجل الذي ساهم في تفاقم معاناتهم بسبب بطء استجابته، واستفحال الفساد طوال سنوات، وسياسة منح تراخيص البناء وإصدار قرارات العفو لتشييد مبانٍ غير آمنة. في زمن الشكوك الفائقة، دعم عدد كبير من الذين خسروا منازلهم، وأحبابهم، وجماعاتهم، زعيماً صارماً أطلق مشاريع إعادة الإعمار سريعاً وتعهد بإنهاء هذه الجهود خلال سنة بدل المجازفة بدعم شخصية مجهولة. يقول داعم قديم لحزب الشعب الجمهوري المعارِض من منطقة «هاتاي»، التي كانت من أكثر البلدات تضرراً بسبب الزلزال، إنه سيصوّت لصالح أردوغان مع أنه يكرهه: «هو دكتاتور، ولهذا السبب يمكنه أن ينجز الأمور بسرعة». طلب هذا الرجل عدم الإفصاح عن اسمه خوفاً من انتقام الحكومة.

تُعتبر مشاكل تركيا الاقتصادية مصدر قلق آخر. يواجه البلد اقتصاداً متعثراً تزامناً مع انهيار العملة المحلية وارتفاع مستوى التضخم بدرجة قياسية. يعيش ملايين الناس هناك تحت خط الفقر، وقد كشف استطلاع جديد أن 70% من المشاركين تقريباً يجدون صعوبة في دفع كلفة الطعام. كانت هذه المصاعب الاقتصادية من صنع أردوغان، ومع ذلك لا يزال عدد كافٍ من الناس يثق به لمعالجة تلك المشاكل بدل استغلال الفرصة وانتخاب زعيم لم يحكم حزبه البلد منذ عقود. شعر ملايين الناس الذين يتكلون على مساعدات الحكومة لإعالة أنفسهم بالقلق من فكرة أن يخسروا إعانات الدولة إذا وصل كليجدار أوغلو إلى السلطة، وهي رسالة حرص أردوغان على نشرها خلال حملته.

استفاد أردوغان من هذه المخاوف كلها. تنجم قوة تحمّله عن قدرته على إقناع الأقليات الشعبية في تركيا بأنه الشخص الوحيد القادر على معالجة المشاكل التي صنعها بنفسه. لكن إلى متى يستطيع استغلال هذه المخاوف؟ ستحمل السنوات الخمس المقبلة من عهد أردوغان الجواب على هذا السؤال.


MISS 3